المواجهة لا تحل المشكلة.. والمصالحة الوطنية هي الحل

المواجهة لا تحل المشكلة.. والمصالحة الوطنية هي الحل

كانت قناة الميادين الفضائية قد أجرت لقاء مطولاً مع د. قدري جميل 13/8/2012 تطرق فيه إلى الموقف من العديد من القضايا الساخنة  مثل وضع الاقتصاد السوري، والاتفاقات المعقودة مع الجانب الروسي، وأهمية التوجه شرقاً وسبل الخروج الآمن من الازمة نقتطف منه ما يلي:

ماذا حققتم في الحكومة حتى اليوم؟

أعتقد أن عمر الحكومة اليوم شهر وأسبوع، وعادة تُسأل الحكومات عما حققت بعد مئة يوم. تستعجلون علينا. لم يدفأ مقعدنا بعد.

ربما الوضع يتطلب القليل من العجلة.

يتطلب طبعا.

التعرف إلى المشاكل وإيجاد الآليات لتنفيذ الحلول أعتقد أنها انعكست في البيان الوزاري. البيان الوزاري قال إن ثمة قضايا مستعجَلة يجب حلها: يجب حل الاختناقات الموجودة في الاقتصاد السوري بسبب الأزمة أو بسبب الحصار الخارجي أو بسبب الوضع الأمني في الداخل الذي قطّع عمليا أوصال البلاد وجعل وصول المؤن والمحروقات من مختلف أصقاع البلاد إلى أطرافها الأخرى عملية صعبة جدا في الظروف الحالية. من هنا تنتصب أمامنا مهمة كبرى اليوم هي الوصول إلى مخرج آمن للأزمة السورية عبر المصالحة الوطنية، عبر شعار يفرض نفسه اليوم أكثر فأكثر هو «الشعب يريد إسقاط السلاح» ويريد أن يبقى الجيش الحامل الوحيد للسلاح من أجل حماية الوحدة الوطنية وسيادة البلاد وحماية السلم الأهلي.

ما الإضافة التي سوف تقدمونها لهذه الحكومة كمعارضة أو كاشتراكيين؟

نحن دخلنا الحكومة على أساس برنامج، على أساس اتفاق، على أساس توافق –وأنتم في لبنان «شاطرين» بهذه الأمور. اتفقنا على برنامج المصالحة الوطنية وتشكيل وزارة للمصالحة الوطنية يتولاها الدكتور علي حيدر. وهذه القضية هامة جدا. قضية المصالحة الوطنية في الظروف السورية الحالية هي مخرج حقيقي من الوضع الذي نعيشه بعد سنة ونصف من المواجهات. والمصالحة الوطنية ليست شعارا عاما بل لها بنود.

بنود المصالحة الوطنية هي:

أولا معالجة ملف التعويضات على المتضررين، وهناك خطوات عملية جرت في هذا الاتجاه: السلف التي تقرر منحها للمتضررين سريعا قبل تقدير قيمة الأضرار.

ثانيا قضية المهجرين.

ثالثا قضية المعتقلين والموقوفين. وهذه قضية قديمة خضعت لمناقشات وقرارات وتوصيات اللقاء التشاوري في 10 تموز 2011. هذه القضية قد توقفنا عندها وآن أوان حلها.

رابعا محاسبة من تجاوز القوانين.

خامسا الحوار الوطني: الحوار اليوم يثبت أنه المخرج الوحيد. اليوم تجربة سنة ونصف أثبتت أن المواجهة لا تحل مشكلة.

ولكن تبقى مشكلة أساسية: بعد هدر كل هذه الدماء، كيف يمكن للسوريين أن يذهبوا إلى مصالحة وطنية وهناك أحقاد تراكمت؟

أنتم اللبنانيين عليكم أن تقولوا لنا.

قناة الميادين ليست لبنانية. الميادين عربية.

ليس الميادين بل اللبنانيون يجب أن يقولوا لنا. اللبنانيون بعد سنوات من الحرب الأهلية وبعد أكثر من مئة ألف ضحية ذهبوا إلى الحوار أو لم يذهبوا؟ ذهبوا إلى الحوار.

الجزائريون بعد سنوات من الصراع الداخلي وبعد عدد كبير من الضحايا فاق عدد ضحايا الأزمة اللبنانية،  ألم يذهبوا إلى حوار؟ ذهبوا.

أعتقد أن على السوريين الاستفادة من هذه التجارب. وهل سيكتفون برقم 15 أو 20 ألف أم سينتظرون رقم المئة ألف كي يقتنعوا أنه يجب الذهاب إلى الحوار؟ نحن ندعوهم منذ فترة طويلة إلى البدء بالحوار كي نوقف نزيف الدم.

اليوم ثمة نقطة مهمة يجب التوقف عندها: الوضع الدولي يقول إن التدخل العسكري المباشر غير ممكن من أجل حل الأزمة كما جرى حل الأزمتين العراقية والليبية.

هذا أصبح معلوما.

هذا أصبح واضحا، ولا يمكن تجاوزه.

الوضع السوري اليوم يقول إن الظروف بالنسبة للوضع الخارجي أصبحت ملائمة للحوار الداخلي موضوعيا. ولكن بعض السوريين المتشددين، إن كان هنا أو هناك، لا يزالون مقتنعين أن الحل بالقوة هو حل للأزمة السورية. لكن سنة ونصف من التجارب أثبتت أن المصالحة الوطنية هي الطريق الوحيد للحل.

النهج الذي كانت قد اعتمدته بدا فيه وكأنها تعتمد أو تعوّل كثيرا على حل الأزمة الاقتصادية لحل الأزمة بشكل عام. هل تعتبر أن حل الأزمة الاقتصادية هو الحل المناسب؟ أو أن المشكلة هي في مكان آخر؟ هي سياسية تتعلق ربما بموقع سورية الجغرافي، بتشابك المصالح بين مجموعة من الدول المجاورة لسورية؟

إذا قرأنا البيان الوزاري جيدا نجد أننا عوّلنا بالدرجة الأولى على موضوع المصالحة الوطنية. وهي كانت أولا في البيان وأُفرد لها مساحة واسعة في البيان. وبعدما تحدثنا عن الظروف: الحصار والعقوبات والوضع الداخلي والأزمة في الداخل وأهمية المصالحة الوطنية، وتكلمنا قليلا في البيان الوزاري على المهمات المتوسطة والبعيدة المدى وطريقة رؤيتنا لها، ذهبنا مباشرة إلى القضايا المستعجلة التي تتطلب الحل خلال الأسابيع والأشهر القليلة المقبلة. وهذا كان مركز الثقل في البيان الوزاري. هذه الأسابيع والأشهر القليلة المقبلة لم تنقضِ بعد. ولذلك أعتقد أن برنامجنا لا يزال قائما ولن يجري فيه تغيير يُذكر. ولكن البيان بحد ذاته بداية انعطاف في السياسة الاقتصادية الاجتماعية للحكومة السورية.

بالحديث عن المداخل الممكنة للحل. قلت سابقا إن رحيل الأسد لن يحل المشكلة، لكن البعض مقتنع كثيرا بأن رحيله سيكون بداية الحل. بماذا تردّ؟

أقول إن الحل يجب أن يكون توافقيا بين أطراف الأزمة. الرحيل هو شرط مسبق. الحوار يفترض وضع جميع الأمور على الطاولة بما فيها قضية الرحيل. لماذا لا توضع قضية الرحيل على الطاولة للنقاش؟ وضعها شرطا مسبقا يعني عدم بدء الحوار، وهذا مطلب تعجيزي عمليا. إذا كنا نريد مخرجا، نجلس على طاولة الحوار. وطاولة الحوار يجب أن تعكس حتما تناسب القوى الجديد الذي نشأ في سورية بعد 15 آذار. تناسب القوى السياسية والاجتماعية قبل 15 آذار شيء، وبعد 15 آذار شيء آخر. وبالتالي الذين يريدون مخرجا آمنا للأزمة السورية مقتنعون أنه يجب الذهاب إلى الحوار. وغير المقتنعين حتى هذه اللحظة يضيعون الوقت علينا، وهم أنفسهم سيقتنعون أنه يجب الذهاب إلى الحوار. وفي الحوار لا يوجد محظورات. كل القضايا مفتوحة. في الحوار يمكن أن يُبحث الدستور والتعديلات عليه. وفي الحوار يمكن أن يُبحث قانون الأحزاب والتعديلات عليه. في الحوار يمكن أن يبحث قانون الانتخاب والتعديلات عليه. في الحوار يمكن أن يطرح موضوع انتخاب رئيس الجمهورية وطريقة انتخابه. كل هذه القضايا مطروحة.

ماذا يعني الحوار في النهاية؟ أعتقد أن ثقافة الحوار ضعيفة في بلادنا. الحوار يعني أن يكون كل طرف قادرا على القيام بالتنازل المطلوب  منه.. الجميع قادرون على القيام بالتنازل المطلوب منهم للوصول إلى توافق. التوافق هو فن الوصول إلى قواسم مشتركة. إذا أردنا أن نتجنب سفك الدماء فلنذهب إلى طاولة حوار. وطاولة الحوار في هذه اللحظة حينما يلعلع الرصاص يصبح أخذ قرار بالذهاب إليها في حاجة إلى شجاعة أكبر بكثير من حمل السلاح وإطلاق الرصاص. الذهاب اليوم إلى طاولة الحوار يتطلب شجاعة سياسية وشجاعة شخصية أكثر من حمل السلاح.

ما الذي يمنع الرافضين من اتخاذ هذه الخطوة؟ ما العوائق؟ ما المخاوف؟

أنا برأيي الرافضون ضُحك عليهم من قبل الغرب الذي كان وضع رسمة محددة للأزمة السورية ونهاياتها هي نسخة عن الأزمة الليبية، وكانوا يريدون تنفيذ الشيء نفسه في سورية. فأتى الموقف الروسي الصيني المفاجئ لهم وغيّر المعادلة وغيّر التوازنات وأصبح الوصول إلى الرسمة الليبية مستحيلا في ظل الظرف الدولي الجديد. لذلك استعاض الغرب الأوروبي والأميركي عن موقفه بدعم التدخل المباشر برفع منسوب دعم التدخل غير المباشر بالسلاح والأموال والإعلام. لذلك لدى السوريين اليوم فرصة تاريخية في ظل وجود توازن دولي جديد معيّن أن يستطيعوا الوصول إلى حل داخلي. والحل الداخلي يتطلب قبل كل شيء عزل القوى المتشددة التي لا تريد الحوار وهي موجودة في كل مكان. إذا أردت أن أكون أكثر دقة، موجودة في المكانين: موجودة في النظام وفي الشارع. هذه القوى عمليا تورط البلاد في عملية معقدة لا مخرج منها. ثم إذا كانت التجربة هي معيار الحقيقة، فسنة ونصف من المواجهات أثبتت أنه لا يمكن حل الأزمة السورية بالسلاح. اليوم الشعب السوري يريد إسقاط كل أنواع السلاح وجعل سلاح الجيش فوق الجميع، جعل السلاح الشرعي الحكم الوحيد بين الأسلحة إذا وُجدت.