قدري جميل: إغلاق أقنية الفساد يتطلب تفعيل دور المجتمع وتفعيل الحريات السياسية
لم يتغير بين معارضةٍ اقتصاديةٍ فصيحةٍ لحكومتي العطري المتعاقبتين ولسياسات نائبه الاقتصادي عبد الله الدردري، وبين وصوله مجلس الشعب ثم الحكومة الحالية كنائبٍ لرئيسها للشؤون الاقتصادية ووزيراً للتجارة الداخلية وحماية المستهلك، وكلَّ مرة يحمـل الحـوار في الاقتصــاد الكلـي مـع د. قدري جميل قيمةً مضافة فهو النصير الدائم لقطاعات الإنتاج الحقيقي، والداعي إلى البحث عن المزايا المطلقة في الاقتصاد السوري، والمتفائل ببلوغ نسبة عائدية تصل 50%، يريد أن يزيد مساحة الكعكة ويريد تقسيمها بشكلٍ عادل، ثم يطمئن القطاع الخاص بأن الانعطاف مع بوصلته لن يكون إلا للأمام، فلا عودة إلى الخلف وإن عادت وزارة التجارة الداخلية.
الاقتصاد الحقيقي ينتج سلعة
الراجحُ أن تظهر الملامح الأساسية للتوجهات المتعلقة بتفعيل الاقتصاد الإنتاجي على نحوٍ واضح إثرَ البيان الحكومي الذي من المقرر وصوله مجلس الشعب خلال شهر أيار الحالي. لكن من حيث المبدأ يقول د. قدري جميل: «كوني نصيراً سابقاً وقديماً وأيضاً مستمراً لقطاعات الإنتاج الحقيقية أقول أن التجربة العملية أثبتت أنّ عدم الاعتماد على إنتاج قطاعات الاقتصاد الحقيقية يؤدي إلى كارثة كنّا قد لمسناها على أرض الواقع، وهنا قد يختلف الاختصاصيون على ماهية الاقتصاد الحقيقي غير أن التجربة العملية تثبت بما لا يقبل الشك أن الاقتصاد الحقيقي ينتج سلعة في نهاية المطاف وهذه السلعة ليس بالضرورة أن تكون مادية في عصر الاقتصاد المعرفي، وأصلاً حين مراجعة كلاسيكيات الاقتصاد السياسي كالاقتصاد السياسي الإنكليزي نجد العمل العضلي والعمل الذهني أيضاً إذ لم يستثن أحدٌ منذ 150 سنة العمل الذهني من الإنتاج الحقيقي. لكن بعض الاقتصاديين تعاملوا مع مفاهيم الاقتصاد السياسي بشكلٍ مبتذل واعتبروا أن العمل هو العمل العضلي فقط الذي يقدم إنتاجاً مادياً وهنا مكمن الخطأ، والمهم هو أين تنتج الثروة الحقيقية. أما السياسات الاقتصادية السابقة فقد أدت إلى تراجع الإنتاج الحقيقي وهذا أدى بدوره إلى تراجع الثروة عملياً».
تشخيص الكتلتين النقدية والسلعية
يكشف التشخيص الذي يسوقه لنا النائب الاقتصادي د.قدري جميل أن الاقتصاد السوري يعاني مشكلتين في آن أولهما أن الكتلة النقدية غير متناسبة مع الكتلة السلعية وثانيهما أن الكتلة السلعية تنكمش بسبب الأوضاع وبالتالي فإن هذه العملية تسير باتجاهٍ عكسي في الحالتين. ثم يضيف: «مرّد الأمر أن الإدارة المالية لا تستطيع أن تتحكم على نحوٍ دقيق بالكتلة النقدية حيث تعوزها الحسابات الدقيقة للكتلة السلعية عدا عن أن طريقة حسابها مضخّمة وخاطئة من حيث المبدأ وبالتالي ثمة ضخ لكتلة نقدية أكثر من حاجة السوق، والطامة الكبرى عندما تتراجع الكتلة السلعية المحسوب على أساسها وبشكل خاطئ الكتلة النقدية، وأنا لا أتفق هنا مع بعض الآراء الاقتصادية التي تربط هبوط القيمة الشرائية بمستوى سعر الصرف فقط. لأن مستوى سعر الصرف هو انعكاس للتوازن بين الكتلة السلعية والكتلة النقدية، وللأسف فإنه من غير الواضح اليوم كيفية حساب معادلة الكتلة النقدية الموضوعة في التداول التي تربطها علاقة في جانب آخر مع طريقة حساب الناتج المحلي الإجمالي، أما طريقة حساب الناتج المحلي الإجمالي ومنذ الخمسينيات فهي مبنية على حسابٍ مكرر أي حسابٍ مضخّم يضع أساس الاقتصاد الفقاعي لأنه وعند وضع قطاعات الإنتاج الحقيقية من زراعة وصناعة مع قطاعات المال والتأمين ثم حسابها جميعاً تظهر زيادة 6% مثلاً لكننا نجد في معدلات النمو أن الزراعة -14% مثلاً والصناعة -2% أما قطاع المال فنجده +30% وحقيقة الأمر أن القطاعات الحقيقية تكون قد شهدت تراجعاً وجرى نقل قيمة منتجة مجدداً أي قيمة مضافة فعلية بأشكالها المالية من قطاعات الإنتاج الحقيقي إلى القطاعات الفقاعية بحيث تعطي انطباعاً إيجابياً لكنه مخالفٌ لحقيقة الأمر».
الزيادة ليست الآن بل بعد انتهاء الأزمة..
يجزم لنا النائب الاقتصادي بأن الحديث عن زيادة الناتج المحلي الإجمالي في ظروف الأزمة الراهنة هو أمرٌ عبث. كوننا نتحدث عن دينٍ عام وانكماشٍ وتراجعٍ في الإنتاج المادي جرّاء الأوضاع السياسية والأمنية. ثم يشرح: «الحديث عن نمو الناتج المحلي الإجمالي يكون في ظروفٍ عادية وفي ظروف أشبه بظروف الحرب لا يمكن الحديث عن تقدمٍ أو زيادةٍ في الإنتاج المادي حيث لدينا مشكلة في الصناعة وفي الزراعة وفي النقل وفي البناء ولدينا مشكلة في كل القطاعات كما جرى في هذه الظروف تراجعٌ كلي، وأعتقد أن الحديث عن زيادة الناتج المحلي الإجمالي مترافق بالضرورة مع الحديث عن استتباب الوضع السياسي والأمني والمصالحة الوطنية وإيجاد مخرج آمن من الأزمة كونها تنعكس بشكل أعمق على الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية وعند نقطة معينة من الهبوط تصبح معالجة هذه الأوضاع صعبة للغاية لذلك يجب وبسرعة إحداث انعطاف باتجاه استقرار الوضع وإيجاد مصالحة وطنية للوصول إلى حلًّ سياسي».
بلوغ 50% عائدية ليس مستحيلاً؟!
إذاً ثمة حجم أدنى وحجم أعلى وحجم أمثل لنسبة التوظيفات الاستثمارية في قطاعات الإنتاج الحقيقي من الدخل الوطني والأرقام السورية إلى الآن تقول إن هذه النسبة لا تزال في الحدود الدنيا. عن هذا يشرح د. قدري جميل: «يجب الانتباه إلى أن الإنفاق الاستثماري قد ينصرف بعضه على قطاعاتٍ استهلاكية ولا ينصبُّ كلّه في خانة الإنفاق الاستثماري على القطاعات الإنتاجية الحقيقية التي تنتج سلعة يتم طرحها في السوق وهذا يجب أن يكون في حدود 25% من الناتج المحلي الإجمالي والأرقام السورية لم تصل بعد إلى هذا الحد، ومن الممكن بلوغه بقليلٍ من الإرادة السياسية والتخطيط وأقصى ما يمكن بلوغه من التوظيفات الاستثمارية المنتجة للسلع هو 30%، لكن وفي ظل نسبة عائدية منخفضة لليرة السورية على التوظيفات الاستثمارية فإن تلك النسبة لا يمكن لها أن تؤدي إلى نتيجة ذلك أن نمو الناتج المحلي هو نسبة التوظيفات مضروباً بالعائدية فإذا كان لدينا توظيفات 20% من الناتج المحلي الإجمالي وعائدية 15% يكون معدل نمو الناتج المحلي 3% وإن رفعنا التوظيفات إلى 25% ورفعنا العائدية إلى 50% تكون نسبة النمو حينها 13,5% لذا ينبغي التوجه إلى رفع العائدية وهي في الاقتصاد السوري منخفضة إذ قالت الخطة الخمسية العاشرة أن نسبتها بلغت 14% وتاريخ الاقتصاد السوري يشهد بأن العائدية وصلت في أحسن أحوالها إلى 42% أيام الخطة الخمسية الرابعة بعد حرب تشرين. إذاً رقم 50% عائدية ليس مستحيلاً. لذا يجب إحداث انعطاف في رؤية الدولة ودورها وتفاعلها مع القطاع الخاص خاصةً في المشاريع المتوسطة والصغيرة، والمشكلة أن الاقتصاد السوري اعتمد في تطوره طوال نصف القرن الماضي وخصوصاً في نهضته خلال السبعينيات والثمانينيات على المزايا النسبية للاقتصاد السوري، وهذه المزايا النسبية لها علاقة بالقطن والقمح والنفط والفوسفات وجاءت بنتيجة لكنها آنية أو مرحلية لأننا في هذه الحالة لا نحدد السعر وإنما البورصة العالمية هي التي تحدده وبالتالي لا يمكن التحكم بمثل هذا التطور».
الحل في المزايا المطلقة للاقتصاد السوري
إن كان بلوغ 50% عائدية لليرة السورية متاحَ التحقق. فإن النائب الاقتصادي يقترح بدراية العارف التوجهَ نحو المزايا المطلقة في الاقتصاد السوري. إذ يقول: «المشكلة أن الاقتصاد السوري ونتيجة طابعه الريعي والفقاعي أدمن على الاستيراد والتصدير ثم أصبح من يؤمن أرباحاً ريعية من الاستيراد والتصدير له مصلحة في تخفيف الإنتاج المادي. لكن الصائب هنا هو التوجه نحو المزايا المطلقة للاقتصاد السوري وهي عديدة وهامة وموجودة في كل المحافظات وتنتمي إلى فئة المشاريع الصغيرة والمتوسطة ويكون دور الدولة بالدرجة الأولى تأمين الخارطة الاستثمارية المتضمنة بحثاً لتحديد مكامن المزايا المطلقة وتحديد النظام التمويلي الذي يمكن للدولة أن تعتمده من خلال مصارفها، وعندما كنت أدرّس في معهد التخطيط أجرينا دراسة على الأعشاب البرية التي تستخدم لأغراضٍ طبية ووجدنا أن تجار الأدوية من الخارج يشترونها بكميات كبيرة جداً وبأسعار بخسة للغاية وأظهرت الدراسة أن ريعيتها تصل إلى 123 مرة أي 12300%، والوردة الشامية مثالٌ آخر على المزايا المطلقة. كذلك الفستق الحلبي الذي يذهب خاماً، والغنم العواس الذي إن منع تهريبه وجرى استثماره داخلياً فإن عائديته في حال تصديره تصل إلى 30 مرة يعني 3000% وكذلك عائدية الحجر البازلتي، وهذا ينسحب على كل المحافظات التي تحوي عشرات الميزات المطلقة غير المستثمرة وإن جرى استثمار كل الميزات المطلقة فإن هذا يؤدي إلى السيطرة على الأسواق العالمية. إذاً يجب البحث عن المزايا التي نتفرّد بها وبالتالي نحتكر إنتاجها حتى نفرض السعر الذي نريد في السوق العالمي».
30% حصة الفساد؟!
يقول د. قدري جميل: «البلد يحتاج ورشةَ عملٍ حقيقية علمية ومعرفية وبحثية وزراعية تؤمن النهوض المطلوب. وأنا لا أعطي وعوداً هنا بل أقدم رؤية. أما الانطلاق فإنه يحتاج إلى الموارد حيث يذهب 30% منها ضمن أقنية الفساد التي يجب إغلاقها وثمة أدوات لذلك لكنها معقدة تتطلب تفعيل دور المجتمع والحريات السياسية وهي في آن أدوات للدفاع عن الناس أي يجب على الدولة أن تعتمد على قوى المجتمع وتعود لتؤدي وظيفتها كخادم في جهازها الوظيفي للمجتمع بعيداً عن النظرة المشوهة السابقة القائمة على أن المجتمع يخدم جهاز الدولة، ومهمتنا العاجلة هي وقف بدء انهيار القيمة الشرائية لليرة ووقف تدهور القوى الشرائية للشرائح الواسعة من المواطنين وكذلك وقف تراجع قطاعات الإنتاج الحقيقي وتأمين المواد الضرورية وضمان دوران عجلة الاقتصاد. أما القطاع الخاص الذي يعمل في الإنتاج المادي فلا مبرر لخوفه من عقلنة الوضع الاقتصادي لأن مشكلته ومشكلة البلد واحدة وهي الفساد أولاً. لذلك يجب تخفيفه والقضاء عليه من أجل نمو وزيادة الثروة وهذا فيه فائدة لكل شرائح المجتمع نحن نريد أن نزيد حجم الكعكة وأن نوزعها بشكلٍ صحيح. والقضاء على الفساد بحد ذاته فيه إعادة لتوزيع الثروة كونه يحجب 30% منها في أقنيته».
استمرار الإعفاءات الضريبية لكن بشروط
لا يعتبر د. قدري جميل أن الإعفاءات الضريبية لمشاريع القطاع الخاص الاستثمارية شأنٌ يجب إيقافه بل يعتبر أنه من الصائب قوننتها إذ يوضح: «ينبغي أن يكون ذلك ضمن أولويات نحن من يضعها وضمن النهج العام الذي نريد لتشجيع الإنتاج الحقيقي لذلك فإن الاستثمارات التي نريد ليست على أي نقود ولا على أية رساميل تأتي. نحن نتحدث عن نظام أولويات وسلّم وممكن أن تصل الإعفاءات الضريبية في قمته إلى 100% وفي أسفله من الممكن أن تكون الضريبة عالية جداً وهنا نتحدث عن أدوات تحفيز وكبح لتوجيه الرساميل. ولنتذكر أن الحكومة السابقة كانت تنظر إلى أي مال يأتي من الخارج على أنه جيد، ولم تنتبه إلى أن النقود التي تأتي من الخارج يمكن أن تكون إيجابية أو سلبية من حيث توظيفها لأن النقود الريعية التي أصلها ريعي تذهب إلى مطارح توظيف ريعية وتزيد من الكتلة النقدية وبعد أشهر يرتفع سعر البندورة والبطاطا لأن شراء100دونم أو200 دونم في الصبورة مثلاً وضخ مليار أو مليارين من الدولارات في السوق السورية لشراء عقارات أو أراضي بهدف إقامة مشاريع سياحية أو تجارية ودون أنجاز المشروع فإن ذلك يرفع أسعار الأراضي تضخمياً وحين تصل الكتلة النقدية إلى السوق لا تجد مقابلاً سلعياً وبالتالي يختل التوازن بين الكتلة السلعية والنقدية وتظهر آثاره في ارتفاع أسعار سلع مثل البطاطا والبندورة وهذا يشبه رمي حجر في بركة ماءٍ راكدة. وهنا لا أقصد إلغاء التوظيف في قطاعات الإنتاج غير الحقيقي بل أقول أنه يجب أن يكون متناسباً مع حجم التوظيف في قطاعات الإنتاج الحقيقي لأن القطاع الخدمي يخدم قطاع الإنتاج الحقيقي ضمن السلسلة الإنتاجية الداخلية المرتبطة بهما. والمشكلة أن يتحول الخدمي إلى جزء من سلسلة خارجية أولها خارج سورية وآخرها أيضاً ونكون بالتالي قد ربطنا نمونا بعواملٍ خارجية».
سياسة ضريبية أكثر عدالة
الحديث عن سياسة ضريبية أكثر عدالة يختزله د. قدري جميل بالقول: «يجب إعادة النظر بالسياسة الضريبية لتكون أكثر عدالة على مستوى الجباية بحيث يدفع أكثر من يملك أكثر، ويدفع أقل من يملك أقل وهذه المعادلة الآن معكوسة لذا يجب تطبيق الدستور الجديد والبند المتعلق بالعدالة الضريبية تجاه الضريبة التصاعدية على الأرباح، وفي الدول الرأسمالية الكبرى تصل الضريبة على الأرباح الحقيقية إلى 70% ولا يشتكي دافعوها، وفي روسيا تصل الضريبة على الأرباح بعد المليون الأول 30%. لكن أصحاب الدخل المحدود في سورية يساهمون بنحو11% من كتلة الرواتب والأجور أي أن كتلتهم الأجرية 11% ضريبة».
نموذج اقتصادي جديد
يرى النائب الاقتصادي ضرورة صياغة نموذج اقتصادي جديد خاص بسورية. فيوضح: «النموذج الاقتصادي السابق استند إلى السياسات الليبرالية وأثبت فشله الذريع وهي سياسات لا تناسب وضع بلد مقاوم مثل سورية التي تتطلب اقتصاداً مقاوماً على الأقل. وقد يفهم البعض من هذا أننا نتحدث بحنين إلى سياسات اقتصادية سابقة حين كان دور الدولة مركزياً وشديداً. لكني أقول بأن لكل حالة ظرفها التاريخي وكذلك مبرراتها، وما كان صالحاً للأمس مؤكدٌ أنه غير صالح لليوم. لذا حين ندعو إلى القطع مع السياسات الليبرالية وإحداث انعطاف لا نقصد هنا أن تكون وجهته إلى الوراء بل إلى الأمام. لذلك نحن نحتاج نموذجاً اقتصادياً جديداً يأخذ كل التجربة السورية بعين الاعتبار. لأن التجارب الاقتصادية الناجحة في التاريخ هي التجارب غير المنسوخة أي التجارب الإبداعية وهي حتماً تدرس وتهضم كل التجارب لكنها تنتج نموذجها الخاص، وهذا هو التحدي الجديد أمام السوريين، وأعتقد أن ملامحه العامة ضمن معادلة بحدين كانا سابقاً على طرفي نقيض واليوم يجب أن يكونا متممين لبعضهما البعض النمو العالي والعدالة الاجتماعية العميقة، وهذا موقف واقعي ينطلق من الضرورة والسؤال هل يجب أن ننطلق من الضرورة أم من الإمكانية. موظف الدولة ينطلق من الإمكانية لأنه يخاف من المحاسبة أم السياسي الثوري الجدي فينطلق من الضرورة ويكيّف الإمكانية مع الظروف».
عودة وزارة التجارة الداخلية اعتراف بالخطأ
ينظر د. قدري جميل وزير التجارة الداخلية وحماية المستهلك إلى عودة وزارة التجارة الداخلية على أنه اعترافٌ بخطأ سابق عنوانه سحب الدولة من لعب دورٍ في السوق بغية ضبطه. ثم يضيف: «اليوم يجب أن يكون دور الدولة ذكياً يضمن التوازن بين الكتلتين النقدية والسلعية، والعمل على تعظيم الكتلة السلعية ودورها كمنافسٍ على الأرض أما آخر الدواء فهو الكي أي المراقبة التموينية. لكن مشكلة الغاز تكمن في أننا ننتج 50% من حاجتنا له ثم نستورد النصف الآخر، وبسبب العقوبات فإننا نتحدث عن توافر نصف كمية ما يلزمنا من مادة الغاز. أما أن يصل سعر الجرّة منه إلى2000 ليرة فهذا يعني أن سعرها ازداد 5 مرات أي ثمة سوق سوداء فكيف يمكن التعامل معها؟! كما كيف يمكن التعامل مع أصحاب محطات الوقود الذين يفتعلون نقصاً في كمية المحروقات ليبيعوها بسعرٍ أعلى، وهنا أقول بأنه يجب تشديد العقوبات على اعتبار أن البلد يعيش أزمة لذا فإن الحلول يجب أن تكون حلول أزمة، وأقول أيضاً أن ثمة تواطؤ بين جهاتٍ في السوق وبين بعض جهات الدولة وهذه الحلقة يجب كسرها ولا يمكن كسرها بمراقبين نظاميين بل تحتاج إلى مجتمعٍ يسلط الضوء عليها، ويتعلّم كيف يراقب وينتقد لذا يجب رفع الصوت عالياً في أي مكانٍ يشهد اختلالات».
الحد الأدنى للأجر دستورياًُ
يقول د. قدري جميل نائب رئيس مجلس الوزراء للشؤون الاقتصادية: «إن استطعنا تطبيق الدستور وجعلنا الحد الأدنى للأجر يساوي ضرورات المعيشة فإن الحاجة إلى الدعم تنتفي، وهذا الأمر يتطلبُ دراسة. غير أن أسلافنا حين لم يكن لديهم سلة غذاء أو مكتب مركزي للإحصاء كان الحد الأدنى لأجر اليوم الواحد يساوي ثمن الكيلو الواحد من اللحم، وحين الحديث عن الحد الأدنى للأجر لا نكون هنا بقصد تطبيقه على الجميع بل نتحدث عن وحدة قياس لنعرف من خلالها الحد الأعلى للأجر، وفي سورية الفرق بين الحد الأدنى والحد الأعلى للأجور هو 4 أضعاف وعلى أساس سعر كيلو اللحم فإن الحد الأدنى للأجور يجب ألا يقل عن 24 ألف ليرة في الشهر أما الحد الأدنى الفعلي فهو 10 آلاف ليرة في الشهر والحد الأعلى يجب أن يكون 100 ألف ليرة والوسطي بينهما يجب أن يكون 60
ألف ليرة، وفيما يخص سلة الغذاء التي تشكل 40% من سلة الاستهلاك العامة وفيها 2400 حريرة فإن ثمنها 2 دولار ولعائلة مكونة من 5 أفراد يعني 10 دولار في اليوم الواحد أي 300 دولار في الشهر وهذا يعني حوالي 19 ألف ليرة وهي الحد الأدنى لنحو40% من سلة الاستهلاك إذاً السلة قد تصل إلى 40 ألف ليرة في الشهر».
5 سنوات لإعادة الهيكلة
10% من سكان الولايات المتحدة يصلهم 50% من الثروة و90% منهم يصلهم النصف الثاني. أي أحدهم نصف ثروته أجور والآخر نصف ثروته أرباح. بينما في سورية 25% من الناتج المحلي الإجمالي هو أجور و75% من الناتج المحلي الإجمالي أرباح. يعني أن 10% يأخذون 75% من الناتج المحلي و90% يأخذون 25% الباقية، وهنا يقول النائب الاقتصادي: «هذا يعني أننا رأسمالية مشوهة، وبالتالي فإن إعادة توزيع الدخل يحلُّ نصف المشكلة وتحقيق نموٍ عالٍ يحلُّ النصف الآخر منها، وأعتقد أنه يجب وضع خطة سريعة لذلك لكنها تتطلب مستوى عالياًٍ من الحريات السياسية، ولنتذكر أن إجراء الدعم كان إجراءً مؤقتاً لأن ثمة مشكلة في الأجر لكنه تحوّل إلى إجراءٍ دائم وبقي الأجر منخفضاً. إذاً ثمة مستفيدٌ من بقاء الأجور متدنية لتبرير بقاء أسعار المحروقات مدعومة، ولرفع الدعم ينبغي أيضاً تحرير كل الأسعار حين يكون ثمة إنتاج مادي وإعادة حساب سلة الغذاء على أساس الأسعار الجديدة ثم يعود الدعم للأجر وليس للمادة، وكل ذلك للنقاش لأننا لم نتفق بعد على كيفية تطبيق المادة الدستورية التي تقول بأن الحد الأدنى للأجر يجب أن يتطابق مع ضرورات المعيشة. أما إعادة هذه الهيكلة فإنه يتطلب مدة لا تقل عن 5 سنوات».