خصوصية التدخل الخارجي في الحالة السورية..

خصوصية التدخل الخارجي في الحالة السورية..

ما برحت الساحة السورية، على طول شهور الأزمة، مسرحاً استثمره الساعون للعمل، بشتى السبل والوسائل، على إجهاض فاعلية الدور الإقليمي الذي لعبته سورية في المنطقة.

والمتمثل في الموقف المبدئي من القضية الوطنية والقوى المقاومة للكيان الصهيوني المستند في نهاية المطاف إلى ثوابت وطنية مترسخة في الشعب السوري، لا يمكن لأي نظام، مهما تنوعت رؤاه السياسية، الاستمرار فيما لو حاد عنها. فكان التدخل الخارجي إحدى أدوات الأطراف الدولية صاحبة المنفعة من إجهاض الدور السوري هذا، وهنا تجدر الإشارة إلى أن التدخل الخارجي في هذه الحالة، لا يقتصر على التدخل العسكري المباشر، بل يمتدُّ ليشمل مجموع المحاولات التي قامت بها قوى الغرب، بالمعنى السياسي لا الجغرافي، في سبيل تحقيق هذا الهدف، سواءً بشكل مباشر، أو غير مباشر، مستفيدة في ذلك من حالة الاحتقان الداخلية التي عبَّرت عن نفسها بظهور الحراك الشعبي السلمي في سورية..

تدخل تقدمي أم رجعي؟؟

لا بد من تحديد هوية ما يمكن أن يرشح عن المحاولات الحثيثة للتدخل في الشأن السوري. فتاريخياً، كان من البديهي أن تحمل الدول الساعية للتوسع، شيئاً ما من نمط إنتاجها المتقدم، في طبيعة الأحوال، عن الدول النامية التي تواجه هذا الغزو، ولذلك فإن عمليات الاحتلال التي مارسها ما يسمى الآن بالاستعمار القديم، كانت رغم الخراب الهائل الذي حملته للمجتمعات التي احتلتها، فإنها في زاوية ما من زوايا احتلالها كانت تقدمية من حيث الشكل، أي أنها حملت ظاهرياً على الأقل قيم المدنية والعلمانية والديمقراطية شكلاً للحكم في المستعمرات.. 

فيما لو انطلقنا من هذه الجزئية المُبَّسطة، للوصول إلى تحديدٍ واضح لمعالم التدخل الخارجي في الشأن السوري، نستنتج أنه (أي التدخل) رجعيٌ بالمطلق. فالقاصي والداني اليوم، يدرك أن بنية الدول الساعية للتدخل مأزومة، وقد وصلت إلى مراحلٍ متقدمة من تراجعها الاقتصادي المحتم، هذا ما يدلل على أن الترجمة الفعلية والوحيدة لتدخلها هذا لا يمكن أن يرشح عنها إلا إعادة الدولة السورية، التي هي بأمس الحاجة إلى تغيير تقدمي حقيقي، إلى بنية ما قبل الدولة الوطنية، أي إعادة إحياء، واستثارة الشعور الديني والقومي والعشائري، بما يُفضي إلى تحقيق الهدف غير المُعلن، والمتجسد في تحويل سورية إلى دولة فاقدة للمكانة الاقليمية والدور الفاعل الواقف كحجر عثرة أمام المشاريع اللاوطنية في المنطقة.

من خلال ما سبق لنا أن أسلفناه، لا يمكن بحالٍ من الأحوال، إضفاء طابع أو حتى ملامح التقدمية على التدخلات الخارجية التي واكبت شهور الأزمة، فلا البنية التي تحكم الدول الساعية لقلب الأوراق في سورية تسمح لها بذلك، ولا هدفها غير المعلن يمكن له أن يشق طريقه عبر تقدم سورية، بل بتراجعها وتآكلها كدولة وطنية.

عن الهدف والأداة..

للاقتصاد أيضاً دوره في الحروب، إن لم يكن هو المحرك الأساسي، ولهُ الدور الأبرز. إذا ما أردنا استخلاص المنفعة الاقتصادية التي تحرك الدول الساعية للتوسع، يمكن استنتاج أن إعادة اقتسام الأسواق فيما بين هذه الدول، بما يحمله هذا الانقسام بدوره من إعادة تقاسم النفوذ فيما بينها أيضاً، يشكل هدفاً حقيقياً ماثلاً أمام هذه الدول. من هنا، ينظر لسورية على أنها سوق، يجب البحث عن سبل لاستثماره بشتى الوسائل..

وفي ظل هكذا هدف، تكمن عملياً استحالة تحقيقه بأدواتٍ مغايرة للأداة الأمضى في سبيل ذلك، وهي العنف الكفيل بإعادة المجتمع السوري إلى «التعايش» تحت سقف ناظم اجتماعي على أساس التوافق ما بين الطوائف والعشائر والقوميات السورية..

يذهب البعض اليوم إلى تبني الفكرة القائلة بأن الدول المتوسعة على حساب غيرها يمكن لها أن تزاوج ما بين العنف العسكري المباشر، بالإضافة إلى سلة تحسينات تقيمها في البلد الذي تهاجمه، من خلق «التراضي» ما بين الفئات المكونة للمجتمع، إلى استثمار رغبة الفئات هذه في إرساء نظام مدني ديمقراطي، ومحاولة جر هذه الرغبة إلى ما لا يصب إلا في خانة المزيد من الاستغلال السياسي وتثبيت أقدامها في البلد المُحتَل. وهنا تبدو لا واقعية هذه المزاوجة، فإن كان الهدف الحقيقي هي شلّ الدور الاقليمي لسورية، والطريق لذلك يجب أن يمر بإعادة سورية لما قبل الدولة الوطنية، فإن الأداة الوحيدة الممكن استخدامها هو العنف، دون أي نوع من المزاوجات السابقة، لا بل ستعمد لذلك إلى استثارة المتطرفين دينياً الذين، بطبيعة الأحوال، يؤدون المهمة أسرع من غيرهم.