سورية والمهام التاريخية
الدورة التاريخية للجماهير: إن تاريخ البشرية ومراحلها المختلفة بتشكيلاتها الاقتصادية الاجتماعية، مليئة بوقائع الانفجار الاجتماعي والصراع الطبقي التي تشكل عصب التاريخ البشري ومحصلته التاريخية.
وفي العصر الراهن، أي خلال حياة التشكيلة الاقتصادية الاجتماعية الرأسمالية، شهد التاريخ تكرر حالة نزول الجماهير إلى الشوارع معبرة عن مصالحها سياسياً بشكل دوري تقريباً، وهذه الحركة الدورية للجماهير ونشاطها السياسي الكثيف والطاقة الهائلة التي تطلقها أثناء انفجارها تتكرر كل خمسين إلى مائة سنة حسب بعض الباحثين، وهذه الحركة لا تنتهي موضوعياً إلا بعد تحقيق مطالبها المتراكمة دون حل، والتي سببت حركة متصاعدة للجماهير الشعبية..
ماو تسي تونغ حاضراً 1911:
قبل سبعة عقود، وأثناء احتفال بيوم الشبيبة، خاطب الزعيم الصيني ماو تسي تونغ جماهير الشبيبة الصينية بكلمات حللت الوضع السياسي في الصين أثناء الثورات والانتفاضات التي اشتعلت فيها في أوائل القرن العشرين، ومنها ثورة عام 1911 التي كان نتيجتها إسقاط الإمبراطور الصيني وعائلته الإقطاعية، وقال: «انظروا لقد طردت ثورة عام 1911 الإمبراطور، ألم يكن هذا نجاحاً؟ أما الفشل في ثورة 1911 فهو أنها اقتصرت على طرد الإمبراطور، فبقيت الصين كما هي في السابق تحت نير الاستعمار والإقطاعية، ولم تنجز المهمات الثورية الملحة في البلاد التي تتمثل بمقاومة وتصفية مرتكزات الاستعمار والإقطاعية»
المهام التاريخية سورياً 2011 – 2013:
عام وعشرة أشهر من عمر الأزمة الوطنية العميقة التي هي في الجوهر أزمة النظام الرأسمالي سورياً، وانعكاس مباشر للسياسات الاقتصادية الليبرالية المعادل الاقتصادي للفساد البيروقراطي في البلاد.. ثنائية الفساد والليبرالية التي تشكل ممارسة وثقافة وإيديولوجيا الرأسماليين الجدد الذين صدروا للبلد مشاريعهم في الفترة السابقة، المشاريع التي بلغت أوجها أثناء الخطة الخمسية العاشرة، وسرّعت زراعة مقدمات الانفجار الاجتماعي في البلاد، والذي تجلى بحركة شعبية واسعة في طول البلاد وعرضها..
بعد كل هذه النتائج التي وصلت البلاد إليها بسبب أزمة النظام الرأسمالي سورياً، نتساءل: لماذا انفجرت الأزمة في سورية ولم تنفجر الأزمة في ألمانيا مثلاً؟ رغم أن النظام الرأسمالي العالمي يعاني من أزمة عضوية منذ سنوات، السبب يكمن في أن الأنظمة الرأسمالية في الشرق «الجنوب الفقير» ضعيفة رأسمالياً، وهذه الرأسماليات الطفيلية بطبيعتها تابعة للأنظمة الرأسمالية الأقوى «الشمال الغني» التي تقوم بنهب البلدان الرأسمالية الضعيفة عبر إغراق اقتصاداتها والإجهاز عليها فيما بعد عبر حاضنة داخلية تسهل إجرائاتها «الفريق الاقتصادي السابق»، هذه الإجراءات هي التي سببت انفجار الأزمة.
إذاً، ومن خلال ما سبق، تواجه سورية منذ بداية سنة 2011 ولا تزال، مهاماً تاريخية يجب تحقيقها، وهي العودة نهائياً عن السياسات الليبرالية الرأسمالية التي تمثل جسر العبور للرأسمال الخارجي، ومواجهة كل المشاريع المرتبطة بها تحقيقاً لمطالب الحركة الشعبية الجماهيرية التي أثقلت تلك السياسات كاهلها. وموضوعياً، لن تنتهي الحركة الشعبية، بل ستتطور إلى حركة ثورية في مواجهة السياسات التي سببت إفقار الجماهير وتجويعها
تسعى الإمبريالية الأمريكية والصهيونية العالمية والرجعية العربية، أثناء تدخلها السافر في شؤون البلاد إلى هدف استراتيجي واحد، وهو منع الحركة الشعبية من التطور إلى حركة ثورية كي لا تحقق مهامها التاريخية، وهي نسف واجتثاث السياسات الليبرالية الرأسمالية، لأن في ذلك انتقالاً للأزمة إليهم، لذلك فهم يصدرونها إلينا اليوم وبشكل عنيف بلا كلل، لكي يبقى التهديد بعيداً عن بنية الرأسمال العالمي عبر حماية ممثلي الرأسمالية السورية، مسببي الأزمة الوطنية، أزمة الرأسمالية سورياً. بالنسبة لهؤلاء، فإن الوطن والشعب مجرد غنائم مؤقتة سرعان ما يحملون حقائبهم ويهربون بها إلى الخارج مثلما حدث ويحدث الآن أثناء الأزمة.
المهام التاريخية التي ينتظر حلها سورياً، هي نقل البلاد من تشكيلة اقتصادية اجتماعية غير عادلة إلى تشكيلة اقتصادية اجتماعية أقل جوراً وظلماً، ونحو نظام جديد يصنعه الشعب ويحقق الحرية والسلام والعدالة الاجتماعية المنشودة لكي تتطور الحركة الشعبية إلى حركة ثورية..