الهدنات والتسويات.. أهميتها ودلالاتها!
منذ بداية الصراع المسلَّح في سورية، وتفاقم الأزمة السورية على إثره، وضعت القوى الوطنية السورية مهمة المصالحة الوطنية، كإحدى المهام العاجلة التي من شأنها لجم بعض تأثيرات الحرب، وضمان وحدة البلاد عبر ترسيخ الحل السياسي، على حساب أوهام «الحسم العسكري»
خلال الأسابيع الماضية، وبينما كانت الجولة الثالثة من مؤتمر «جنيف2» في حالة تعليقٍ غير معلن، كانت تسير الأمور في الداخل السوري باتجاه استكمال إنجاز بعض الهدنات والتسويات تحت مسمى مصالحات، والتمهيد لبعضها الآخر. ولعلَّ البعض قد تساءل هنا: في حال كانت المصالحات تشكِّل إحدى إرهاصات الحل السياسي، فما الذي دفع للسير بها في لحظةٍ شهدت تأخيراً في إحدى جولات المؤتمر المُمهِّد للحل السياسي؟
خيارٌ شعبي في مواجهة الحرب
في ظل الحرب التي ما انفكَّت تفتك بمقدرات السوريين، وبمعيشتهم وأرزاقهم، والتراجع الحاد على المستوى الاقتصادي – الاجتماعي، الذي شكَّل بالأصل أولى أسباب الأزمة السورية، برزت مهمة المصالحة الوطنية كخيار شعبي موضوعي، حيث باتت المطلب رقم واحد، لاسيما لدى أولئك المتضررين مباشرة جراء أعمال العنف، من ملايين النازحين داخلياً ولاجئين في دول الجوار وأصقاع الأرض. لدى أولئك جميعاً تشكِّل المصالحات مدخلاً وحيداً لتحقيق مرادهم: العودة إلى المناطق التي هجرتهم الحرب منها، واستكمال النضال الاقتصادي - الاجتماعي والوطني، على أرضية الاستقرار الأمني التي يؤمنها الحل السياسي.
ما يعني أن الحل السياسي باعتباره المخرج الوحيد من الأزمة لم ينضج على المستوى الدولي فحسب، وإنما على المستوى الداخلي أيضاً، وما يؤكد هذه الحقيقة الموضوعية هو بالذات استمرار التسويات والهدنات وثباتها رغم نتائج الجولات السابقة من «جنيف» التي لم تصل إلى اتفاقات لحلول، لكنّها شكلت منصة انطلاق للحل السياسي عبر هذا المؤتمر الذي تحول إلى مؤسسة مستمرة.
المصالحات والجيش.. حماية متبادلة
في كثيرٍ من المناطق التي شهدت مصالحاتٍ وطنية، أو تسوياتٍ ميدانية خفَّفت من حدة الحرب، كان لافتاً دور الجيش السوري في الحرص على استمرار هذه المصالحات. من تابع سير التسويات في عموم المناطق السورية، وريف دمشق خصوصاً، يدرك دور الجيش في ثنيه التجاوزات التي مارستها بعض العناصر المسلَّحة الموالية خارج إطاره («اللجان الشعبية» وغيرها..) لعرقلة التسويات. تلك العناصر التي شاركت، على طول خط الأزمة السورية، في تواطئ موضوعي (وعى بعضها ذلك أم لم يعيه) مع قوى الخارج الساعية إلى زيادة تعقيد الحرب، وإدامة أمد الاشتباك السوري، إمعاناً في إعادة سورية إلى ما قبل عصر الدولة الوطنية.
ينطوي الدور الإيجابي للمصالحات فيما يخص الجيش تحديداً على عاملين اثنين. أولهما، في حفاظه حتى الآن على المصالحات الممهِّدة لعودة الناس إلى مناطقهم، ولو اضطر في بعض الأحيان أن يكون في مواجهة مزدوجة مع الإرهاب الخارجي وغيره من مسلحي الطرفين.
أما العامل الثاني، فيتجلى بالدور الذي تلعبه المصالحات في مساندة الجيش السوري، وتسهيل مهمته في حربه ضد الإرهاب القادم من الخارج. كذلك، فمن شانها أن تفتح باب مواجهة الإرهاب، لأولئك المسلحين السوريين ممن لم ينخرطوا في الأجندات الخارجية، وقادتهم الأحداث، على تعقيداتها، إلى العمل المسلح لأسبابٍ عديدة.
يتزايد يوماً بعد يوم، الميل العام الشعبي باتجاه تأييد المصالحات كخيارٍ من شأنه وضع حدٍّ للمأساة التي يقاسيها السوريون، على اختلاف انتماءاتهم الثانوية، ويمهِّد الطريق للحل السياسي الذي يأملون به بديلاً لأوهامٍ أثبتت فشلها. حلاً سياسياً شاملاً سيؤمِّن له «جنيف2»، بما يمثِّل، سكة العبور إلى سورية.