أفق الحل السياسي.. يتّسع!

أفق الحل السياسي.. يتّسع!

يبذل دعاة أوهام «الحسم» و«الإسقاط»، الداخليون منهم والخارجيون، جهوداً كبيرةً في محاولة إخفاء التغييرات الحقيقية الجارية على قدم وساق ضمن الأزمة السورية، وذلك بتوليد كمية هائلة من الضباب و«التحليلات» المشوهة التي يسعون من خلالها إلى تغطية التحولات التي يجرهم الواقع إليها

ولذلك فإن رصد تغيرات الواقع ومتابعتها واستشراف ما سيليها يجب أن يجري في الواقع نفسه، لا في تعبيرات وأقوال وتحليلات المتشددين من الطرفين. وبعد ذلك يمكن الاستفادة من المقارنة بين تحولات الواقع وتحولاتهم لتقييم «مدة صلاحيتهم» المتبقية..! 

وفي صلب التحولات الجارية على أرض الواقع، يظهر جلياً أنّ الانتقال، الذي انطلق فعلياً منذ أشهر طويلة، من الآفاق المسدودة للمواجهات المسلحة والحلول العسكرية باتجاه أفق الحل السياسي، قد بدأ يعطي بعض نتائجه الأولية، وإن كانت عطالة «مرحلة الأوهام» الماضية بانتصار طرف على آخر، قد أعاقت تسارع انفتاح أفق الحل السياسي. 

لكن، وكما كنا نؤكد دائماً، فإن للحياة منطقاً تفرضه على الجميع طال الزمن أم قصر، ويتجسد ذلك المنطق في الحالة السورية بوحدانية الحل السياسي الذي بدأ أفقه بالاتساع بسرعة في الأسابيع القليلة الماضية، بغض النظر عن الضباب الملقى حالياً على نتائج الجولة الأولى من «جنيف-2» والذي يسعى ناشروه إلى إظهار الأمور ساكنةً لا تتحرك ولا تتغير، كمواقفهم كما يصورون. إلا أن مؤشرات التحول السريع الجاري بدأت تتجلى بوضوح في العوامل التالية، حتى الآن:

• انعقاد مؤتمر جنيف رغم جميع محاولات منعه أو تأجيله.

• الإعلان عن تراجع مواقف بعض أهم داعمي العنف، والذي تجلى بـ«القرارات الملكية» السعودية الأخيرة حول «معالجة الإرهاب» و«معاقبة الإرهابيين»، وبإغلاق مكتبين لائتلاف الدوحة في تركيا بالتزامن مع «الانفتاح» التركي- الإيراني، وكذلك في تكريس تراجع وزن قطر في المعادلة السورية، لمصلحة الدور السعودي الذي دخل طور التراجع، هو الآخر.

• التثبيت الواقعي لأفضلية التسويات والهدنات ميدانياً على الحلول العسكرية وبدء انتقال ذلك من المعضمية بريف دمشق، إلى برزة بداخلها، وسط أنباء عن تطبيقها في أماكن أخرى، وبدء ظهور قدرة هذه التسويات على تحقيق ما لم تستطع تحقيقه تلك الحلول طوال أكثر من سنتين.

• انكفاء مهاجمي «جنيف» وتراجعهم، إعلامياً على الأقل، وهو الأمر الذي سيتكرس تباعاً مع تقدم جنيف، بما يعنيه من حلول سياسية.

• بدء تحقيق بعض «الاختراقات» في تخفيف وطأة الكارثة الإنسانية في سورية، ومن أمثلة ذلك الإعلان، ولو كان متأخراً، عن إخراج المدنيين من نساء وأطفال ومسنين من أحياء حمص القديمة.

• وضوح عجز واشنطن عن الاستمرار بفرض صيغتها لوفد المعارضة بسبب ضعف الوزن الحقيقي لائتلاف الدوحة ورداءة أدائه، مما يجعل فكرة أوسع تمثيل للمعارضة السورية بتنوعها وتمايزاتها تشق طريقها موضوعياً نحو التحقق، الأمر الذي يرفع من زخم الحل السياسي ووزنه من خلال إشراك قوىً أوسع تمثيلاً وأكبر تأثيراً فيه.

إنّ المؤشرات السابقة جميعها، تضعنا أمام حقيقة محددة، وهي أن «جنيف الواقع» يسير قدماً، حتى وإن لم يظهر ذلك واضحاً على «جنيف الطاولة»، وهذا الأخير بدوره لن يلبث طويلاً حتى يلاحق تغيرات الواقع، لتصبح كل جولة جديدة منه أكثر نضجاً من سابقاتها، وصولاً إلى نجاحه في تحقيق مهامه الأساسية في وقف التدخل الخارجي بأشكاله المختلفة ووقف العنف وإطلاق العملية السياسية، وكل ذلك في خدمة قضية أساسية، وتزامناً معها، وهي قضية إيقاف الكارثة الإنسانية العميقة التي يعيشها السوريون منذ أكثر من عامين. هذه القضية التي تحولت اليوم إلى معيار وطني وأخلاقي لأية قوة سياسية سورية أيما كان اتجاهها.