افتتاحية قاسيون 637 : لهاث الأيام الأخيرة قبل «جنيف»
مع تكاثف النشاط السياسي والدبلوماسي الدولي والإقليمي الخاص بالترتيبات النهائية لانعقاده، أصبح منع التئام المؤتمر الدولي حول سورية «جنيف2» غير وارد، ولذلك باتت محاولات الراغبين بذلك من كل القوى المتشددة الرافضة للحل السياسي، أو التي تريده مفصلاً على مقاسها حصراً منصبة الآن على العمل على إفشاله، وإجهاض نتائجه مسبقاً
وتأخذ محاولات هؤلاء في الأيام الأخيرة قبل جنيف أشكالاً مختلفة، سواء عبر ممارسة ضغوط معينة على تركيبة الحضور في المؤتمر، أم على أولويات جدول أعماله، بما يؤثر بنهاية المطاف على النتائج المتوخاة منه ودرجة شموليتها التي يفترض بها، وبمجموع موضوعاتها وبنودها، وضع الأسس لكل الآليات الضامنة لعدم إنتاج الأزمة.
فيما يتعلق بتركيبة الحضور، كانت ولاتزال محاولات بعض الأطراف الدولية والإقليمية باستخدام ألسنة بعض الأطراف المحسوبة على المعارضة السورية (ائتلاف الدوحة) تتركز على عدم تمثيل كامل طيف المعارضة السورية والتركيز على بعضها واستبعاد بعضها الآخر، تماماً مثل السعي لاستبعاد إيران من الحضور تحت مبررات مختلفة، أي تعمد استبعاد أطراف وقوى داخلية وإقليمية من مشهد الحل بما لا يضمن قيامه فعلياً وعلى نحو مستدام. وبينما تعكس محاولة إقصاء بعض قوى المعارضة الداخلية تخوف متشددي الطرفين عملياً من تكامل برامجها السياسية، فإن عدم تشميل قوة إقليمية من وزن طهران يلغي لديها نظرياً أي التزام ولو أخلاقي معنوي بنتائج جنيف، وإن هذين العاملين بالمحصلة يضعفان المؤتمر ونتائجه.
وفي هذا السياق، فإذا كانت هذه المحاولات سابقاً تعمل على وضع الشروط التعجيزية وغير الواقعية من ائتلاف الدوحة، واستخدام عدم تلبيتها مسبقاً مسوغاً لعدم مشاركته في جنيف- بغض النظر عن الموقف منه وتقييمه كقوة تستقوي بالخارج أصلاً- فإن اللافت اليوم، بعد اضطرار الائتلاف للمشاركة، هو أن محاولة إفشال المؤتمر، أو أقله تأجيله، باتت تجري عبر بعض المعارضة الداخلية (مواقف وتصريحات هيئة التنسيق) بما يثير الريبة ومختلف التساؤلات..!
وتتساوق مع ذلك بطبيعة الحال محاولات مختلف الأطراف الدولية والإقليمية والداخلية المعنية سحب البساط لطرفها بخصوص ماهية أولويات المهام المطلوبة من جنيف والعمل على التركيز على واحدة منها دون البقية.
إن الثابت المطلوب من جنيف، إذا ما أريد له النجاح، وبمن حضر مبدئياً، هو أن يتضمن جدول أعماله، وخلاصاته، الثلاثية المتسلسلة: وقف التدخل الخارجي بكل أشكاله، ووقف العنف من أي طرف كان، وإطلاق العملية السياسية بكامل مندرجاتها ومفرداتها، وكل ذلك من أجل تعبئة كل الطاقات السياسية والمجتمعية والعسكرية بالتالي لمواجهة ومكافحة خطر الإرهابيين التكفيريين الذين يهددون السيادة الوطنية السورية ووحدة التراب والنسيج السوري، وهذا يتطلب، من ضمن أشياء أخرى، ضمان أوسع تمثيل للمعارضة السورية بكل أطيافها.
وإن أي يوم تأخير في انعقاد المؤتمر، مهما كانت المسوغات، يعني اليوم المزيد من سفك دماء السوريين، وزيادة مختلف أوجه كارثتهم الإنسانية المتفاقمة بحدتها لحظياً، وزيادة تهديد الوجود السوري بالمحصلة عبر استمرار التدخل الخارجي والعنف. وإن أي موقف سياسي من أية جهة سورية كانت لا يرتقي إلى هذا الفهم، إنما لا يرتقي بالعمق إلى حجم المسؤولية الوطنية المطلوبة من هذا الطرف أو ذاك، وأولها بذل كل الجهود لوضع حد للكارثة الإنسانية التي يعاني منها عموم السوريين.