عن الدّولة والأصولية وأشياء أخرى...!
الدولة كبنية فوقية نشأت كضرورة لتنظيم العلاقة في المجتمعات نتيجة عمق وشدة التناقضات..وهي أداة بيد الطبقة والقوى المهيمنة والمسيطرة اقتصادياً..وخلال ذلك تقترب أو تبتعد عن القيام بدورها في التنمية وكشبكة أمان اجتماعي..
بحسب تغير موازين القوى الطبقية في المجتمع.. وقد لعبت الدولة في سورية دوراً مهماً بعد الاستقلال سواء في التنمية المتعددة الجوانب أو في الخدمات وحققت شبه استقرار واستقلالية نسبية في القرار السياسي والاقتصادي الاجتماعي. لكن دورها بدأ بالتراجع منذ منتصف الثمانينيات نتيجة ما سمي بالانفتاح الاقتصادي بدءاً من مرسوم الاستثمار رقم 10 ومن ثم تحرير التجارة والأسعار ومحاولات الخصخصة واللبرلة ووصولاً إلى الخطة الخمسية العاشرة وإقرار مفهوم اقتصاد السوق الاجتماعي مع اتساع النهب والفساد وتشابك المصالح بين البرجوازيتين البيروقراطية والطفيلية وتغول جهاز الدولة كأداة قمع.. مما خلق تراكمات كبيرة وتراجع التنمية وتدني الإنتاج وارتفاع معدلات الفقر والبطالة وخاصةً بين الشباب .. وولد احتقاناً اجتماعياً وخلق أرضية لقوى التطرف والأصولية التي نمت وترعرعت نتيجة الدعم الداخلي والخارجي وتهميش القوى الوطنية والديمقراطية وقمعها والاعتماد على التوازنات لمكونات اجتماعية ما قبل الدولة الوطنية كالعشائرية.. في لقاء مع أحد المسؤولين قبل انطلاق الحراك الشعبي وانفجار الأزمة بسنتين، جرى حوار مطول ونقاش حول الأوضاع الاقتصادية الاجتماعية واتجاهات تحولاتها أكد في النهاية قائلاً: (أنا قاسٍ في قضيتين: الأولى هيبة الدولة، والثانية الموقف من الأصولية) ويلاحظ من ذلك تعبير هيبة الدولة.. فكان الرد: إننا حريصون على بنية الدولة ودورها في خدمة المجتمع وهيبة الدولة لا يمثلها الفاسدون وإنما تأتي من خلال تلبيتها لحاجات المواطنين وتأمين حقوقهم وبقدر قيامها بدورها كشبكة أمان اجتماعي وقد جرى التراجع عن هذا الدور في العقدين السابقين مما ولد اغتراباً بينها وبينهم، وصارت أداة بيد قوى الفساد ومصدر نهب لهم مع نهب المجتمع..وازدادت الهوة بينها وبين المواطنين .. أما الموقف المتشدد من الأصولية، فإن التعامل مع هذه القضية بالحل الأمني القمعي وحده لن يقضي عليها إذا لم تجفف الأرضية الخصبة لها، وهي الوضع الاقتصادي الاجتماعي والمعيشي.. وهي تترعرع في ظل الهيمنة واللون الواحد والقمع وتولد عنفاً متبادلاً ولا يمكن أن تستمر في ظل أوضاع ديمقراطية تسمح بأوسع مشاركة للقوى الوطنية والديمقراطية والجماهير الشعبية.. واستمرار الأوضاع وعدم إجراء إصلاحات جذرية وشاملة سيفاقم الأمور وستتحول إلى أزمة وطنية .. وجاءت الأيام والوقائع لتؤكد صحة هذا الرأي في رؤيته للأوضاع الاقتصادية الاجتماعية في سورية واتجاهات تحولاتها، ومع ذلك بقي التعامل ذاته هو السائد بل ازداد قسوة وتعنتاً برفض الحلول السياسية والتحول من الحلول الأمنية إلى العسكرية مع العنف والتكفيرعلى حساب كرامة الوطن والمواطن..