مهمة «جنيف2» الأساسية!
يكثر الحديث في بعض الأوساط المتشددة، من الطرفين ومن خلال ظهورهما الإعلامي المكثَّف، عن مؤتمر جنيف2. بما يحمله هذا الحديث من محاولاتٍ حثيثةٍ للهجوم على المؤتمر، من زوايا مختلفة، بهدف تفريغه من محتواه.
وكما كانت تصاغ أكثر الشعارات بريقاً ولمعاناً لمواربة الأهداف الحقيقية، الكامنة وراء هجومها على استحقاقات الحل السياسي، خلال الأزمة. استمرت قوى التشدد هذه الطريقة بنفسها لمهاجمة استحقاق جنيف2. فكانت أسهل الطرق لذلك تكمن في العزف على نغمة السيادة الوطنية، المعبَّر عنها عموماً بشيطنة المؤتمر الدولي، وتصويره على أنه ذاك الاستحقاق الذي سيصادر قرار الداخل السوري، وسيمنع عن السوريين حقَّهم في تقرير مصير بلادهم « ليجعل مصير سورية وشعبها معلقاً بأيدي الشياطين الدوليين».
يعتمد هذا المنطق، في شقِّه الأول، على أداته المتمثلة بالخلط المقصود بين جنيف2، وما قد يتلوه من مؤتمرات دولية تمهِّد للحل في سورية من جهة، والحوار الوطني الجامع الذي من مهامه إنجاز الاتفاق على تفاصيل الحل السياسي بين السوريين، من جهة أخرى.
فإذا كان من مهام جنيف2 الاساسية وقف التدخل الخارجي والتوصل إلى صيغة تلتزم فيها الأطراف، الداخلية والإقليمية والدولية، بإيقاف العنف ومنع تهريب السلاح، كخطوة أولى تتيح للسوريين الجلوس على طاولة الحوار والحل السياسي، فإن الحوار والحل السياسي أبعد من ذلك، ولا يمكن قولبتهما وحصرهما في استحقاقات دولية تهدف، فقط، لتمهيد الطريق والأجواء المناسبة لهما.
أما في الشقِّ الثاني، فيتغاضى أصحاب منطق «نسف جنيف من باب السيادة الوطنية» عن الأولويات السيادية الأخرى. حيث أن حرمة الدم السوري، كقضية ذات أولوية سيادية، مرتبطة ارتباطاً مباشراً بإيجاد حل حقيقي يضمن منع العنف وتدفق السلاح والمسلحين. والليرة السورية كرمز من رموز السيادة الوطنية السورية، بات إنقاذه مرتبطاً، أيضاً، بوقف العنف والحصار الاقتصادي على سورية. وغيرها العديد من القضايا السيادية الأخرى، التي سيؤمن لها جنيف2، وما قد يتلوه لاحقاً، الممهدات الأساسية لإنقاذها، يجري اليوم التغاضي عنها ونسفها من بوابة الهجوم على جنيف، بما يمثله في الجوهر.
وإذا كان جنيف2 يمثِّل الحالة التي ستفتح الباب أمام الوزن الداخلي للقوى السياسية السورية، أي سيعيد الكلمة للداخل السوري، فمن الطبيعي أن تجاهد بعض التكتلات السياسية «المعارضة»، المبنية في أساسها على آمال التدخل العسكري الخارجي، لعرقلته بشتى الوسائل والأدوات المتاحة بين يديها. وبما أنه سيضع اللبنات الأولى الكفيلة بإنقاذ رموز السيادة الوطنية السورية، يصبح من المفهوم جيداً محاولات قوى الفساد الكبير في جهاز الدولة، إلى جانب تجار الأزمة، المستفيدين الجدد من تدهور الاقتصاد السوري خلال الأزمة، الساعية إلى تقويض جنيف2، عبر استخدام شعار السيادة الوطنية، لتؤكد مجدداً على قصور معرفي وعدم إدراك سياسي لما يمكن أن يلعبه موتمر جنيف من دور للحفاظ على الدولة السورية عبر مهمته الرئيسية لوقف التدخل الخارجي بكل أشكاله.