في ذكرى التأسيس بديهيات اليوم.. وبديهيات الأمس!

في ذكرى التأسيس بديهيات اليوم.. وبديهيات الأمس!

ما هو بديهيٌّ اليوم لم يكن كذلك فيما مضى، والنزوع الدائم لدى الإنسان للانعتاق من القهر بصنوفه المختلفة والمتعددة لايأتي مصادفة أو هبة من أحد، بل تستلزم من يرفع الراية في حالكات الأيام

فحتى أصبحت مفاهيم الوطنية و العدالة الاجتماعية والديمقراطية من البديهيات في الوعي الاجتماعي كان السوريون ينحتون على صفحة التاريخ حضورهم الحيّ فكراً ودماً وسجناً، كان «سيزيف» السوري يحاول ويحاول أن يصل بالصخرة إلى القمة..

تتشكل ملامح الدولة السورية الحديثة بعد انفراط عقد امبراطورية «الانحطاط التاريخي» العثمانية بقرونها الأربعة.... ليأتي غازٍ آخر – غربي- ضاقت أسواقه أمام رغبته بالمزيد من النهب ويستثمر في عذابات السوريين وتوقهم إلى الخلاص ويحتلّ أرضهم باسم المدنيّة، وتتكثف النزعة الوطنية السورية في حضور يوسف العظمة، ويخط الرجل من خلال موقف عملي استثنائي نوعي بداية مرحلة تاريخية جديدة، لتكون عملية الخروج إلى ميسلون هي الموقف والبيان التاريخي والبصمة التي ستشكل الوعي السوري الجديد.
فكر جديد!
في هذه الأثناء، وفي خضم تبلورالوعي الوطني الذي تم التعبير عنه بالثورات على الأرض السورية ضد المحتل الفرنسي، كان فكر جديد يشق طريقه في «البوار» السوري وتنبت سنديانة حمراء، فكر وافدٌ بالمعنى الجغرافي، ولكنه في الوقت نفسه يحاكي ويتوافق مع الوعي الوطني الناشىء ويعطيه بعده الحقيقي، ويتأسس الحزب الشيوعي السوري  عام 1924 ليكون أول حزب سياسي ذي برنامج واضح وصريح، يطرح أفكاراً ومفاهيم جديدة سرعان ما تنتشر في الأرض السورية، متحدية جبروت المستعمر وبقايا الفكر الاقطاعي، وعسف الحكام وجهل الجهلاء، ويثبت ذاته بعد سنوات بأنه قوة سياسية وطنية، سورية الانتماء، أممية الفكر، لم يمر منعطف وحدث في تاريخ البلاد إلا وكان لهو دور فيه، وبصمة، قد يكون تأثيره بارزاً أو غير ذلك، في هذه المرحلة أو تلك، ولكن بكل الأحوال بات رقماً في المعادلة الوطنية السورية يؤرق من يتجاهل وجوده، حاول وعّاظ السلاطين، والسلاطين أنفسهم تغييبه أو تجاهله، ولكنهم غابوا وبقي هو، وتجاهلهم التاريخ السوري، حتى صار ما يطالب به من البديهيات في الوعي الشعبي، قد تكون مقولة الأرض للفلاح فكرة عادية اليوم، ولكنها لم تكن كذلك عندما طرحها الشيوعيون في البداية، وكذابالنسبة لـ«المعامل للعمال»، و«تحرير المرأة»، و«الاشتراكية» يكفيهم شرفاً أنهم أوّل من عمل على تثبيت هذه المفاهيم في وعي الإنسان السوري، ولاينفع هنا تحذلق المتحذلقين، وتهافت الحداثويين، ودناءة الفاسدين من الإساءة إلى هذه الأفكار والمفاهيم تحريفاً لها، أو من خلال محاكاتها والعمل عكسها في الوقت نفسه، ولاينقص من قيمتها التاريخية وراهنيّتها!
الثبات على المبادىء، وإبداع الحلول
الجثث الميتة وحدها تخلو من الأزمات، ولايستطيع أحد أن ينفي ما شاب تجربة الشيوعيين السوريين من أخطاء، وتراجعات وأزمات وانقسامات مؤلمة، لكن ذلك لاينفي عن هذه التجربة دورها، وأهميتها التاريخية، ولايمنع تجددها، واستباط الحلول الإبداعية من رحم التجربة نفسها وهو ماكان من خلال تجربة اللجنة الوطنية التي تتوجت بحزب الإرادة الشعبية، التي تعتبر امتداداً لكل ذلك الرصيد الكفاحي للشيوعيين السوريين، وتجديداً له في الوقت نفسه حسب تطور الحياة التي لاتنتظر أحداً، فأي قصير نظر يستطيع اليوم أن ينكر أن هذا الحزب هو أوّل من تنبأ بما يحدث في العالم والمنطقة وسورية وعمل بما يملك للاستعداد لها ودعا الجميع إلى ذلك، وأيُّ معتوه ذاك الذي يمكن أن يغفل أنه يمكن أن تتجاوز سورية محنتها بشكل حقيقي إلا من خلال البرنامج الذي طرحه هذا الحزب، أليست الإرادة الشعبية هي أول من قالت بأن الحل العسكري وهم في سورية، والحل السياسي التوافقي هو المخرج الوحيد، الأمر الذي يؤكد عليه الجميع اليوم بدءاً من بان كيمون إلى أي ممن يمتلك حساً وطنياً وإنسانياً، ألم يصبح ذلك من البديهيات أيضاً بعد أن حاول من حاول في الداخل والخارج إثبات عكس ذلك، أليس تحقيق هذا الشرط المعرفي واكتشاف التناقضات الأساسية والحقيقية في المشهد السياسي بداية لابد منها لتحقيق أي انتصار حقيقي لأية حركة سياسية جديّة؟؟

آخر تعديل على الأحد, 27 تشرين1/أكتوير 2013 13:17