في خدمة «داعش» وأخواتها!

في خدمة «داعش» وأخواتها!

يمكن تقسيم المسلّحين المشاركين في الاقتتال الناشئ على الأرض السورية إلى ثلاثة أقسام رئيسية، أولهم المسلحون السوريون ممن لهم مطالب حقيقية، وقادتهم الظروف، على اختلافها، إلى حمل السلاح،

وثانيهم المسلحون القادمون من أصقاع العالم للمشاركة في القتال، بإيعازٍ من بعض الأطراف الدولية، ذوات الأجندات التفتيتية إزاء منطقتنا. وثالثهم الجزء من المسلحين السوريين الخاضعين كلياً لهذه الأجندات.

غيبت بعض أوساط التشدد داخل النظام السوري هذا الفرز ما بين المسلحين من خطابها السياسي، وهذا ما انعكس في سياسة وضع المسلحين كلهم في سلَّة واحدة، السياسة التي اتبعت على طول عامين كاملين من الأزمة السورية، دون أن تحسب عواقبها الحقيقية على أرض الواقع. إذ بات مصطلح «العصابات الإرهابية المسلحة» هو تلك السلة الجامعة لكل من حمل السلاح.
إنقلاب الدعم.. للمنفذ الأكثر كفاءةً
وكان إطلاق هذه التسمية هو حجر الأساس لما بعده، وهو إضفاء شرعية لهروب قوى التشدد في النظام من الحوار والحل السياسي، تحت قاعدة «تحريم الحوار مع الإرهابيين الملوثين بالدماء السورية»، وكانت هذه قاعدة الانطلاق الأولى لسلسلة العراقيل والعقبات التي وضعتها هذه القوى أمام الحل السياسي الذي من شأنه أن يلجم نار الفتنة، ويخفف من حدة الاحتقان الناشئ عند غالبية من حمل السلاح في سورية.
لم تدم عملية تسليح الدول المعادية للشعب السوري للمسلحين السوريين المنضوين تحت تشكيلات مسلحة كـ «الجيش السوري الحر» وغيره طويلاً. إذ انتقلت هذه الدول للطور الثاني من أطوار مخططاتها، وهو التوجه نحو تسليح الفصائل الأكثر قدرة على تنفيذ هذه المخططات، وتلبية مطامع المعلِّم المشغِّل بشكلٍ أفضل كـ «جبهة النصرة» أو حديثاً «الدولة الإسلامية في العراق والشام» (داعش). وقد أدى قطع التمويل والتسليح عن المسلحين السوريين غير المرتبطين بالمشروع الأمريكي والغربي بأدواته الرجعية العربية إلى وقوفهم أمام أحد سيناريوهين أحلاهما مر، فإما الإنضمام إلى «داعش» وأخواتها، كونهم باتوا يشكلون الفصائل الأكثر تنظيماً وتدريباً وتسليحاً وتمويلاً، وهذا ما يخالف قناعات جزءٍ كبيرٍ من هؤلاء المسلحين الرافضين لتلك الأجندات بالمطلق. وإما التوجه نحو تسليم السلاح، دون أي ضمانات حقيقية تعزز لديهم القناعة والثقة بصحة هذا الخيار، ما دفع بغالبيتهم إلى اتخاذ القرار الأول أو اعتماد «حلول» أخرى كالنزوح خارج البلاد وخلق مسار عيش آخر. ومن بقي منهم في الداخل فهو غالباً يصطدم في معاركه اليوم بهذه الفصائل والتنظيمات غير السورية. و ذهب الحال في بعض المناطق حدّ الاقتتال معها.
هل تتحول المعركة وطنيةً؟؟
إن ما سبق يضع أمام القوى المتشددة في طرف «الموالاة» مهمة إعادة تقييم الطريقة (الإجمالية) السابقة التي تعاملت فيها هذه القوى مع ظاهرة التسلح ككل، إذ تقتضي المصلحة الوطنية اليوم توحيد الجهود  ضد التدخل الخارجي والأجندات التي تعمل التنظيمات التكفيرية على تنفيذها، وإن الخطوة الأولى الكفيلة بتحقيق هذه المهمة هي تأمين الضمانات الحقيقية للمسلحين السوريين الراغبين بإلقاء سلاحهم وتحييدهم، وأكثر من ذلك، مساعدة الراغبين منهم بالانخراط في مقاومة نفوذ التكفيريين على الأرض السورية.
يعيدنا هذا الواقع إلى صحة الطرح القائل، منذ البداية، ببطلان الثنائية الوهمية ما بين «موال ـ معارض»، إذ يبين لنا بأنه كلما ازدادت الصورة وضوحاً في سورية، كلما ضعف تمسّك أبنائها بهذه الثنائية، وما تخلفه من نتائج كارثية على الأرض، فاليوم نشهد فصلاً آخر من فصول تلاشيها، فوحدهم الشرفاء والوطنيون في الموالاة والمعارضة هم المتخوفون من عربدات التكفيريين في بلادنا، ووحدهم اللاوطنيون في الطرفين يُطرَبُون لعربداتهم في سورية، فيمنعون الضمانات عمن يريد أن يحول بندقيته لتلعب دورها الوطني والتقدمي. مقدمِّين مصلحة «النصرة» و«داعش» وأخوتهما على المصلحة الوطنية العليا.