في طور تراجعها المتفاقم.. وإن اعتدت!

في طور تراجعها المتفاقم.. وإن اعتدت!

في الأيام القليلة الماضية، ارتفعت حدة التصعيد الإعلامي الغربي، وملحقاته في المنطقة، لتعلن عن احتمالات ضربة عسكرية غربية ستستهدف قائمة بالأماكن التي تحتوي، حسب زعمها، الأسلحة الكيميائية الموجودة في سورية.

تناقضات عديدة تكتسي التصريحات الدبلوماسية لعددٍ من المسؤولين الغربيين، حتى بات الجزم بعزم الولايات المتحدة الأمريكية وحلفائها على السير قدماً نحو الاعتداء أو الانكفاء والتراجع عنه، مهمة ليست بالبسيطة.

تختبئ خلف النبرة «التأديبية» لكل من «استخدم السلاح الكيماوي، فاعتدى على القانون الدولي وشرعة الأمم المتحدة وحقوق الإنسان...إلخ»، والتي يجهد الدبلوماسيون الغربيون لإظهار «صدقهم» في تبنيها خلال تصريحاتهم الإعلامية، حقيقةً مفادها بأن هذه الدول باتت في أوج حاجتها لكسر المحصلة الصفرية للتوازن العسكري في الداخل السوري، قبل الذهاب نحو الطريق الإجباري، طريق «جنيف2» والحل السياسي للأزمة السورية، حقيقةً عبر عنها بعض المتفلتين من طوق الدبلوماسية الغربية، فهل يسمح لهم الواقع الموضوعي المترسخ على الجبهات، الداخلية والإقليمية والدولية، بتحقيق ذلك ضمن المسارات المحتملة ضربة كهذه؟؟
سيناريوهات أربعة تجذّر التراجع
إن الكلام عن تراجع الدور الأمريكي والغربي عالمياً، وعن سقوط الولايات المتحدة الأمريكية من مرتبة القوة العظمى الوحيدة في العالم، إلى قوة عظمى باتت محكومة بصعود قوى جديدة تزداد صلابة بالتوازي مع ازدياد تراجع نفوذ «الشرطي العالمي»، ليس كلاماً عاطفياً من موقع المعادي للغرب ومشاريعه في المنطقة، بل بات اليوم واقعاً ملموساً تكرسه حالة الارتباك الواضحة إزاء اتخاذ القرار النهائي بشأن سورية. فإذا ما أردنا تفنيد السيناريوهات المتوقعة للضربة الغربية، من خلال ما تداوله الإعلام في الأيام الماضية، لأمكننا إحصاء أربعة سيناريوهات أحلاها مرّ ويدلل أن الحلف المعادي لقطب الشعوب بات أكثر تراجعاً:
يشكل الاحتمال الأول إمكانية القيام بعدوانٍ واسعٍ وشاملٍ، يطال البنية التحتية في سورية، ويقوض دعائم الدولة السورية، ويفتح الباب لحربٍ إقليمية تخشاها أمريكا، التي لم تستطع حتى اليوم تنظيف نفسها من براثن المستنقعات التي غاصت فيها تاريخياً من فيتنام لأفغانستان والعراق..إلخ. إذ يبدو هذا السيناريو بعيداً حتى عن تفكير الرئيس الأمريكي الذي أصرَّ على تكرار التذكير برفضه الانزلاق نحو القيام بحربٍ واسعة في المنطقة.
وإن كان الاحتمال الثاني يتمثل بالقيام بضربةٍ حقيقية ومحدَّدة، يسعى من خلالها الغرب إلى كسر التوازن الداخلي العسكري الذي أثبتت وقائع الحرب على مدار السنوات الثلاث استحالة كسره قبل تغيير واضح في الميزان الدولي. تبدو الرغبة السياسية الأمريكية ميالة إلى هذا السيناريو بالذات، إلا أن مخاوفها الحقيقية من سهولة قطع الخيط الفاصل ما بين السيناريوهين الثاني والأول، ولا سيما أن المؤشرات أثناء التنفيذ قد تختلف عما تراه اليوم، وقد لعبت الدماثة الدبلوماسية الروسية دوراً كبيراً في زيادة الارتباك الأمريكي والغربي هذا. جملة هذه العوامل قد تحدو بأمريكا والغرب، إلى استبعاد الخيارين الأول والثاني والاتجاه نحو سيناريوهين آخرين أقل تكلفة وأكثر أماناً لها.
حفظ ماء الوجه أم إعلان التراجع؟
إذا ما أرادت الحكومات الغربية أن تنأى بنفسها عن التكاليف باهظة الثمن للاحتمالين سابقي الذكر، فستقودها الحال نحو الخيار الثالث، المتجسد بالقيام بضربةٍ شكلية خاطفة الأثر، ليس لها تأثيرها الجذري لا على الميزان العسكري الداخلي، ولا على مجريات الأحداث بالعموم، وسيكون هدفها حفظُ ماء وجه هذه الحكومات أمام الرأي العام من جهة، والاستثمار السياسي، ما أمكن، على طاولة «جنيف2» من جهة أخرى. وإن لم تكن هذه الحكومات على استعدادٍ للمقامرة أبداً، فسيكون الخيار الرابع المتمثل بـ «التهدئة الدبلوماسية» و«العودة إلى كنف القانون الدولي» ولجم نار الخطابات التصعيدية السابقة هو مصيرها.
انطلاقاً مما سبق، تبدو المفارقة اليوم أن حالة الولايات المتحدة الأمريكية، والغرب بشكل عام، هي حالة التراجع المحتم، أياً كانت الخيارات المتخذة في الشأن السوري. وهذا إن تم فهمه وإدراكه بشكلٍ فاعل، فسيقود للاستنتاج بأن الخطوة الأساسية الكفيلة بكسر أهداف العدوان، إن حصل، والعمل نحو مزيد من هذا التراجع، هي في توحيد صفوف الوطنيين السوريين حول الحل السياسي القادم، وتوحيد بنادقهم باتجاه الهدف الصحيح المتمثل بأمريكا والعدو الصهيوني، وأتباعهم في العالم والمحيط الإقليمي والداخل السوري..