وللنّار أيضاً..  حياة وموت
أسامة دليقان أسامة دليقان

وللنّار أيضاً.. حياة وموت

لا شك بأن حل الأزمة السورية بات مستحيلاً دون مشاركة جميع الأطراف السورية ذات العلاقة. لكن يعمل ضدّ هذا الاتجاه الواقع الدموي المستمر ومعه التآمر الإعلامي ضدّ الحل السياسي من قوى الفساد داخل النظام والمجتمع وقوى الإمبريالية الأمريكية وعملائها في المعارضة، .

إذ تجري محاولات مستميتة من هذين الطرفين لطمس حقيقة تزايد المقتنعين والراغبين بالحل السياسي والتخلي عن العنف بين صفوف السوريين، بما فيهم السوريون في المعارضة المسلحة, إذ أنّ الأغلبية الساحقة من الشعب السوري يعرف أنّه يتكبّد وحده الخسائر البشرية والمادية لهذه الحرب الداخلية/الخارجية على حساب حياته وبنى دولته ومؤسساته الوطنية المدنية والعسكرية. نستطيع أن نميز عدة مراحل عبر تاريخ الأزمة السورية من حيث الآليات التي اتبعتها هذه الأطراف في عرقلة الوصول إلى الحل السياسي: أولاً - خلق «العدو» المسلّح ويتحمل المسؤولية عنه على السواء كلّ من التعامل الخاطئ الذي تعامل به النظام عبر أجهزته الأمنية مع الحراك الشعبي السلمي عبر تخوينه إعلامياً وقمعه عملياً، دون محاورته جدياً أو الاستجابة الحقيقية لمطالبه المحقة. ومن جهة أخرى العامل الخارجي الأمريكي-الغربي والإقليمي التركي والخليجي المحرّض على الاقتتال الأهلي عبر التمويل والتسليح للسوريين، ولطرف ثالث هم الأجانب المرتزقة المجندون سواء من عناصر استخباراتية أو تكفيرية، والذين هم بالفعل العدو الحقيقي المشترك لجميع أبناء الشعب السوري على اختلاف انتماءاتهم، فهؤلاء غرباء عن وطننا، جاؤوا لتدمير الجميع، ويجب أن يتوحّد السوريون في قتالهم حتى إجلائهم عن أرض الوطن. ثانياً - تغذية البيئة الحاضنة في سياسة «العقاب الجماعي» التي مارسها النظام ضد البيئات الاجتماعية التي خرجت فيها مظاهرات سلمية، وتواجد فيها مسلحون معارضون، بغض النظر إن كانت حاضنة أو رافضة لهم، إنما ساعد على استجلاب مزيد من العنف المضاد، بسبب قطع آخر خيوط الثقة المتبقية بين مؤسسات الدولة وتلك البيئات، والتي كانت أساساً خيوطاً ضعيفة وواهية بسبب تدهور الوضع الاقتصادي-الاجتماعي وإهمال التنمية الحقيقية فيها، ولاسيما في سني الليبرالية الجديدة العجاف التي انحدرت فيها سورية إلى مستويات غير مسبوقة من الفقر والبطالة والظلم الاجتماعي. وللأسباب ذاتها استطاعت قوى الفساد داخل النظام أيضاً أن تدفع بمزيد من السوريين إلى دوامة الاقتتال الأهلي، عبر استغلال الانقسام الوهمي بين موالٍ ومعارض، من أجل تسليحهم وتسعير الحرب ونزيف الدماء، لتصبح ميليشيات مسلحة لقوى الفساد تأتمر بهواها ومصالحها، حتى لو كانت تتعارض مع مصلحة الوطن، ومبادئ الوحدة الوطنية بين أبناء الشعب السوري، بل وحتى لو أضر سلوكها بالجيش العربي السوري. بالمقابل كان للأطراف المتشددة في المعارضة وماكينة إعلام البترودولار دور قذر في استغلال تخلي الدولة عن مسؤوليتها تجاه هؤلاء المواطنين لتتلقفهم وتخدعهم بأوهام حرصها «الديمقراطي» على «حقوق الإنسان»، وتسوّق ضرورة «حمايتهم» بالحديد والنار اللذين «أنقذت» بهما الشعب الأفغاني والعراقي والليبي.. ثالثاً - الإيهام بالنصر ربما توهمت الأطراف الفاسدة المحركة للعنف من الطرفين لفترة ما بأنّ انتصارها عسكرياً أمر ممكن، وهذا يعود إلى عدم إدراكها المعنى العميق للتوازن الدولي الجديد بين صعود كتلة دول «البريكس» وتراجع أمريكا وملحقاتها. البعض في النظام فسّر خطأً مواقف السياسة الخارجية الروسية من الأزمة السورية، وخاصة بعد الفيتوات الشهيرة في مجلس الأمن، متوهماً بأنّها دعم للنظام، ولم يدرك بأنها مساعٍ للسلام والحل السياسي وردع للعدوانية الإمبريالية الأمريكية وإجهاض لمساعيها في تفكيك وإضعاف الشرق العظيم، من المتوسط إلى قزوين، بدءاً من الحلقة السورية، التي تكتسب على كل حال أهميتها من مكانة سورية الجيوسياسية والتاريخية الهامة، عالمياً وإقليمياً، ودور شعبها قديماً وحديثاً في مقاومة الإمبريالية والصهيونية، وليس من أنظمتها الحاكمة التي لم ولن يستطيع أي منها أن يستمر دون أن يخضع لضرورات هذه المكانة، ولأعباء هذه المسؤولية التي تتطلب حداً كافياً من الرضا الشعبي المتكامل عن سياساته، في القضايا الوطنية والاقتصادية-الاجتماعية والسياسية الداخلية والخارجية. بالمقابل توهمت بعض المعارضة أنّ النصر «الإلهي» الأمريكي قدرٌ لا رادّ له، وأحرقت المزيد من أبناء الشعب السوري حطباً في القتال من أجل مصالحها التي لا تقلّ ضيقاً وأنانية عن مصالح فاسدي النظام. رابعاً - إجهاض الرجوع إلى السلمية مع إدراك أولئك البطيئين في الاستيعاب في صفوف المعارضة للاضطرار الأمريكي، وبعد عناد وإنكار، نحو القبول بحل سياسي يبتدئ بالذهاب إلى مؤتمر دولي، ومع إدراك الجميع في النظام لجدّية الروس في الحلّ السياسي، لا يبقى لتفسير إصرار المتشددين من الطرفين على إفراغ ما تبقى من الرصاصات سوى ذعرهم من حلّ سياسي يأتي على حسابهم ويضيّق أو يغلق الباب بوجه فسادهم ونهبهم وتسلطهم على الشعب, والذي لن يسوءه ذلك أبداً بطبيعة الحال، بل ويجب أن يسعى لتحقيق ذلك بكل قواه الشعبية والسياسية الوطنية العابرة للاصطفافات الثانوية المؤقتة