«مجزرة الغوطة» والهروب من الحل السياسي..

«مجزرة الغوطة» والهروب من الحل السياسي..

يعود التصعيد العسكري والسياسي، في مناطق مختلفة من البلاد، ويتجدد خلال الأسابيع الماضية بشكل متزايد: فمن المواجهات في حلب والجزيرة السورية، بين القوات الكردية وبين القاعدة، إلى المجازر الطائفية في ريف اللاذقية، إلى الحملة العسكرية في ريف دمشق، ومجزرة الكيماوي في الغوطة الشرقية، وقذائف الهاون التي تنهال على دمشق وضواحيها بشكل يومي..

يبرز هذا التصعيد عبر أشكاله المعهودة: مجازر، إثارة التناقضات الطائفية والقومية، الحرب الإعلامية- النفسية المرافقة، إطلاق بعض القوى السياسية لمواقف متشدّدة، تحركات دولية تغذّي التوتر الناشئ..آلخ. أي لا شيء جديد من حيث الشكل، إذ أن كل ما مرّ خلال الأسبوعين الماضيين يشبه إلى حد كبير أوضاعاً سابقة مرّت على البلاد، كالمجازر الطائفية في الغاب وحمص وغيرها التي تزامنت مع انعقاد اجتماعات لمجلس الأمن لبحث الوضع السوري في وقت مضى.
أما من حيث المضمون فيوجد فارق نوعي وكبير ما بين الوضع الراهن والأوضاع السابقة، إذ أن ما مرّ سابقاً من لحظاتِ تصعيدٍ شديد جرت في الطور الأول من الأزمة السورية، أي الطور الذي كانت فيه الطرق العسكرية هي الطرق الرئيسية في الصراع. أما التصعيد الحالي فيجري في الطور الثاني من الأزمة السورية الذي أصبح واضحاً فيه أن الحل السياسي هو الحل الوحيد للأزمة السورية، وذلك باعتراف الأطراف الدولية الكبرى التي توافقت على هذه المسألة بالذات. فإذا كانت كل الأطراف قد توصلت إلى الفكرة التي تقول باستحالة حل الأزمة السورية بالسبل العسكرية، فلماذا يعود طرفا النزاع إلى تصعيد الوضع العسكري إلى درجة شديدة؟
الجواب ببساطة، ولدى هذه الأطراف بالذات، هو: مؤتمر جنيف. فعلى العكس من المنطق البسيط الذي يفترض أن اللحظات التي تسبق المؤتمر الدولي ستكون الأقل توتراً، يجري تصعيد كبير من جانب طرفي النزاع وجميع الأطراف المتداخلة بالشأن السوري، بهدف كسب الأوراق قبيل التفاوض.
فإذا أخذنا الحملة العسكرية على ريف دمشق نموذجاً عن معارك التصعيد، لوجدنا أن النظام حاول من خلالها السيطرة ما أمكن على مناطق من الريف مستخدماً قدراته العسكرية الخاصة، أي قدرته على استهداف مجموعات من المعارضة المسلحة، من على مدى بعيد، تمهيداً للتوغل في مدن وبلدات الريف المختلفة، فإذا تحقق هذا الأمر فسيعزز ذلك من وضع النظام في عملية التفاوض لاحقاً. وفي المقابل فإن المعارضة تلجأ إلى ورقة «ملف السلاح الكيميائي» عبر اتهام النظام باستخدامه في الغوطة الشرقية، وتلوّح بهذه الورقة لممارسة الضغط على الطرف المقابل، وتمهّد لطرحها لاحقاً على طاولة التفاوض، بالرغم من أن لا أحد يستطيع حتى الآن تحديد الجهة المسؤولة عن هذه المجزرة.
أما عن مجزرة الغوطة الشرقية، فإن تراشق الاتهامات بين المعارضة والنظام حول المسؤولية عنها، يذكّر الشعب السوري، مرة أخرى، بتدنّي المسؤولية الأخلاقية والوطنية لكلا الطرفين المتشددين، إذ يتضح لأي متتبع لسلسلة المجازر الطويلة التي ارتكبت بحق الشعب السوري، منذ بداية الأزمة، أن من يرتكب هذه المجازر يهدف إلى خلق ضغط سياسي وأخلاقي على طرفي الصراع وعلى الشعب السوري، وأدوات الضغط هذا هي طرفي الصراع ذاته، عبر عملية تراشق الاتهامات هذه. إلا أن المعارضة والنظام يتعاطيان مع حدث بحجم «مجزرة الغوطة الشرقية» بأعلى درجات الانتهازية التي تقوم على إقصاء الآخر وتحميله مسؤولية كل الجرائم والأخطاء،  في محاولة لإبعاد (شبح) الحل السياسي، وذلك في الوقت الذي بات مطلوباً فيه أن تغذ جميع الأطراف السير بإتجاه الحل السياسي الشامل الذي يخلق الإمكانية الحقيقية لمجابهة قوى التدخّل الخارجي المسؤولة عن مثل هذه الجرائم.