منبرٌ أعرج للمتغيرات الكبرى
تختلف وجهات نظر السوريين حول ماهية الدور ومعيار التقييم المتعلقين بأداء الوسائل الإعلامية السورية، على اختلاف أنواعها وتوجهاتها ومصادر تمويلها، إلا أن اتفاقهم على الضرورة الوطنية، المتمثلة بوجود إعلام متطور وقوي وقادر على مواجهة التحديات الوطنية والمهنية،
يفتح الباب واسعاً أمام مناقشة عميقة للدور الذي يكتسي أداء الإعلام اليوم. لا سيما أن الفترة المقبلة هي فترة حل سياسي يتطلب التجهيز لها التفكير جدياً بمراجعة هذا الأداء.
مؤسسة من جهاز يتطلب التغيير
في تلك اللحظات التي قاطع فيها الإعلامُ السوري كلَّ صوتٍ من شأنه أن يتجاوز خطوطٍ حمراء رُسمِت لكوادره مسبقاً، والتي قاطعته فيها أكثرية من حملوا لواء «المعارضةِ» واحتكروه، وحدها بعضُ قوى المعارضة الوطنية هي من أصرَّت على عدم استبدال المنابر العرجاء بالمنابر غير الوطنية، فكثَّفت من ظهورها الإعلامي على الشاشات السورية كلما سنحت لها الفرصة القيام بذلك. وبالتأكيد، لا ينضوي هذا الإصرار على ورديةٍ تجنحُ نحو تقديس كل ما هو محلي، وبالتالي القبول بالسياسات الإعلامية على ما هي عليه اليوم، إنما هو ترسيخٌ لقناعتين اثنتين، الأولى وهي الإدراك بأن المؤسسة الإعلامية برمتها هي إحدى مؤسسات جهاز الدولة التي بات الحفاظُ على تماسكها وتطورها مرهوناً بإنجاز التغيير الجذري والشامل في بنيتها، وهنا تتبين ضرورة التعامل مع المؤسسة الإعلامية على أنها المنبر الطبيعي للسوريين جميعاً من جهة، ومن جهة أخرى مواجهة نزعة قوى الفساد الكبير الهادفة إلى جرِّ الإعلام ليلعب الدور المعاكس لدوره الطبيعي. والثانية هي حقيقة أن الخطوط الحمراء التي أزاحها كلاً من الدستور السوري وقانون الإعلام الجديدان، قانونياً على الأقل، لن تُمحَ على أرض الواقع إن لم يرضخ ويُحرَج ويُجبَر أولئك المتمسكون بالعقلية القديمة السائدة على التخلي عنها، والانتقال إلى إجراءات تنفيذية تلتزم بالجديد الآتي كثمرة للحركة الشعبية السلمية.
يبقى الكلام عن كون الإعلام هو ذاك المنبر الذي يشكِّل صوت السوريين جميعاً نثراً في الهواء، ما لم يرتبط بالعمل للإضاءة على كل ما فيه مصلحة ومنفعة وطنية للشعب السوري من جهة، بالتوازي مع فضح ممارسات من يفتك بتلك المصلحة من جهة أخرى. فإن كانت قوى الفساد الكبير هي من يعمل على تهميش الأكثرية الشعبية أكثر فأكثر، هل لنا أن نتساءل: كيف تصرف الإعلام السوري مع الفساد الكبير؟ وفي أي الساقيتين صبَّت محصلة أدائه منذ ما قبل الأزمة وحتى اليوم؟؟
مصلحة (الناس/الفساد) هي البوصلة
يساعد الإعلامُ الفساد الكبير مرتين، مرة في قلة حركته وتثاقله بخطواته أثناء سيره باتجاه تطوير أدائه ليتمكن من التحول إلى مؤسسة جامعة للسوريين ومُثبِّتة للهوية الوطنية السورية خارج زغب ثنائية (موالاة ـ معارضة) الوهمية. ومرة أخرى حين يعمل على تشويه صورة قوى المعارضة الوطنية المُشاركة في الحكومة الائتلافية، حتى بات تناول الوضع الاقتصادي إعلامياً، على سبيل المثال، مرهوناً بمدى القدرة على استثماره في مساعدة قوى الفساد الكبير الساعية إلى تحميل النائب الاقتصادي مسؤولية المشكلات الاقتصادية كافة، ولا ضير عند بعض هذه الوسائل أن تجتزأ وتحرَّف وتقتطع وتحيد عن ضوابط العمل الإعلامي إن كان ذلك سيحقق لها ما تريد.
إن كان انتقال الإعلام إلى الطور الأكثر نضجاً من أطوار تقدّمه هو رهن لإنجاز التغيير الجذري في المجتمع، فعلينا كذلك أن نتيقن من أن للإعلام دوراً مهماً مكملاً ومساعداً في تسريع أو عرقلة هذا التغيير. وإذا كان هناك ما يمكن اتخاذه كمعيار لتقييم مدى توافق الطرح الإعلامي مع أحد هذين الخيارين، فلتكن دراستنا لمدى تغير الأداء الإعلامي وفقاً لتقلبات مزاج قوى الفساد الكبير هي البوصلة في ذلك.