التآمر تحت شعار (مواجهة المؤامرة)
يختلف مفهوم «المؤامرة» في خطاب قوى الفساد الكبير جذرياً عن حقيقة المؤامرة التي تتعرض لها البلاد، فهذا المفهوم يستخدم لديهم لمواجهة كل القوى التي تعادي مصالحها، وعلى رأسها القوى الشعبية المعارضة لها ولنفوذها في جهاز الدولة والمجتمع، والتي تتوزع بين جمهوري الموالاة والمعارضة.
إن نقطة الانطلاق لدى قوى الفساد الكبير في صياغة مفهوم المؤامرة، وتوظيفه، هي مصلحة ومستقبل القلّة من الفاسدين الذين لا يزالون حتى الساعة ينهبون جزءاً واسع من ثروات البلاد، وليس الحرب الشاملة التي تتعرض لها البلاد بهدف تصفية جهاز الدولة والجيش ووحدة سورية. وإذ يدّعي الفاسدون الدفاع عن جهاز الدولة، فذلك لنية لديهم في الإبقاء على الجانب الرجعي فيه، الذي يضمن لهم نمط توزيع الثروة الحالي، والمعدلات الفلكية للنهب وسرقة المال العام. في حين أن الحفاظ على جهاز دولة يؤدي وظائفه الحقيقية يتطلب بالضرورة تغيير ذلك الجانب الذي يحفظ لهم مصالحهم.
لعل هذه الحقيقة تفسر إلى حد بعيد الموقف الاقتصادي لقوى الفساد الكبير. فهذه القوى التي يحلو لها أن تزايد وتعربد في ضرورة «سحق ومحق» المؤامرة عسكرياً، تراها تتحول إلى «حمامة سلام» عندما يجري الحديث عن ضرورة التصدي للمؤامرة اقتصادياً، ويصبح طرحٌ كـ «العودة إلى بعض إجراءات مرحلة الثمانينات» - بمعنى منع الحيازة والاتّجار بالعملات الأجنبية- ضرباً من التخلّف و«الديكتاتورية» غير المحبَّذة لدى هذه القوى.
نمت قوى الفساد الكبير في جهاز الدولة تاريخياً مع تطوّر العلاقات الاقتصادية والتجارية مع الغرب وتركيا والخليج، وذلك في مرحلة ما سمّي «اقتصاد السوق الاجتماعي» وتبني السياسات الليبرالية الاقتصادية. وكان استيلاؤها على القرار الاقتصادي مدعوما من تلك البلدان بالتحديد، التي كانت تتحين فرصة للانقضاض على جهاز الدولة السوري، وتمهد لذلك عبر البوابة الاقتصادية وفريقها المنفّذ. ولما جاءت هذه اللحظة، مع تفجّر الاحتقان السياسي والاقتصادي- الاجتماعي، أسفر الغرب وحلفاؤه في المنطقة عن حقيقة مخططاتهم، وظهرت المواجهة العسكرية كجزء من هذه المخططات، ما دفع قوى الفساد الكبير في النظام إلى التلطّي وراء القوى النظيفة فيه، في محاولة تحقيق هدفين: الأول هو تثبيت سلطة قوى الفساد الكبير من خلال تجيير التصدي للمؤامرة لصالحها، والثاني هو ضرب قوى التغيير الجذري في المجتمع وجهاز الدولة تحت الشعار نفسه.
ولكن ومع اشتداد الحصار الاقتصادي الغربي- الرجعي العربي، أصبحت قوى الفساد في موقع ضعيف، إذ بدأ يتضح شيئا فشيئاّ طابع العلاقة الجوهرية بين هذه القوى وبين الغرب. ولم تستطع قوى الفساد الكبير إخفاء ذلك الالتقاء بالمصالح والموقف مع بعضهم البعض. وهذا يدفع بقوى الفساد إلى تبديل «الطربوش» بمعنى إيجاد غطاء سياسي جديد يختلف عن غطاء الوطنية الذي بات يفضح حقيقتها بدلاً من أن يخفي مصالحها، ولعل مجريات الحل السياسي المقبل قد تفضح التحالف الموضوعي بينها وبين الغرب.