لا سيادة وطنية دون تأميم المركزي!
نشر صندوق النقد الدولي في العام 2006، وفي البند الرابع من تقرير مشاوراته السنوي بشأن التطورات الاقتصادية في سوريا. ومن بين التوصيات التي قدمها الصندوق في ذلك التقرير اقتراحات لتغييرات على النظام المصرفي السوري. وجاء في التقريرتحت العنوان العريض «تعزيز إطار عمل السياسة النقدية والقطاع المالي» ما يلي:
«على الرغم من التقدم في تفعيل السياسة النقدية في العامين الماضيين، لا يزال إطار السياسة النقدية في سورية بدائياً وبحاجة إلى تعزيز كبير للسماح للبنك المركزي باستخدام الأدوات غير المباشرة للرقابة النقدية من أجل العمل بفعالية في نظام مالي سيصبح مستنداً على السوق بشكل متزايد.. التقدم نحو هذا الهدف على المدى المتوسط ينبغي أن يبدأ من خلال سيطرة البنك المركزي الكاملة على الأدوات القائمة مباشرة.... وفضلاً عن ذلك، يجب أن يحدد بوضوح دور ومسؤوليات البنك المركزي ووزارة المالية في ممارسة الرقابة على البنوك. وفي حين يمكن للحكومة أن تلعب دورا قياديا في اختيار مجلس الإدارة وإدارة البنوك العامة، ينبغي أن يكون لدى بنك سورية المركزي السلطة لتقييم سياسات البنوك والموافقة عليها، وعلى الإجراءات المتصلة بالائتمان والاستثمار. وعلاوة على ذلك، ينبغي أن يكون لبنك سورية المركزي الاستقلال التشغيلي والقدرة المؤسسية على ممارسة الرقابة المصرفية الفعالة. في الواقع، في ظل غياب الرقابة المصرفية الفعالة، يمكن للنمو الائتماني القوي والانفتاح السريع للنظام المصرفي أن يهدد سلامة القطاع المالي. لذا، تحثّ البعثة السلطات على:
• إعطاء البنك المركزي السلطة على: (أ) معالجة عدم الامتثال، والمخاوف التي قد تساوره بشأن سلامة ومتانة بعض البنوك. (ب) ضمان بلوغ معايير لائقة ومناسبة في تعيين كبار الموظفين في المصارف العامة والخاصة وأن السياسات الائتمانية تتسق مع أفضل الممارسات الآمنة والسليمة.
• تخصيص الموارد الكافية لمواصلة بناء قدرات الرقابة المصرفية. • استكمال إطار الرقابة المصرفية بما في ذلك دليل الترخيص لضمان سياسة ترخيص حكيمة وشفافة.
وفيما يتعلق بإعادة هيكلة بنك الدولة، ينبغي إعطاء الأولوية لتنفيذ عمليات تدقيق الحسابات والتقييمات التشخيصية بشكل مستقل ومفصل بما يتفق مع المعايير المقبولة دولياً. هذه المراجعات يمكن بناءها على الدراسة الأخيرة الممولة من بنك الاستثمار الأوروبي, والتي سلطت الضوء على ضعف الحوكمة وخاصة في هذه البنوك وانخفاض مستوى كفاءتها.. بين هذه الخيارات، تدعو البعثة السلطات للنظر في موضوع فتح رؤوس أموال بعض هذه المصارف لمستثمرين استراتيجيين, والذين ينبغي تسليمهم السيطرة الكاملة على الإدارة...»
انتهت الاقتباسات
وهكذا، فإننا نجد في ما سبق مخططاً لتحويل البنك المركزي السوري من كيان مملوك للحكومة إلى كيان يقود الحكومة. إذا منحت لمصرف سورية المركزي السلطة لتقييم سياسات البنوك والموافقة عليها، وعلى الإجراءات المتصلة بالائتمان والاستثمار.وحتى لو كانت الحكومة قادرة على اختيار مجلس الإدارة والإدارة، فسيصبح القوة المستقلة الوحيدة المسؤولة عن توسيع أو رفض الائتمان، والتضخم / الانكماش، وعمليات الإنقاذ، وتنفيذ تدابير التقشف. أي أنه إذا تمت خصخصة مصرف سورية المركزي، فسوف يتحول إلى ما يعادل النسخة السورية من مجلس الاحتياطي الفيدرالي في الولايات المتحدة.
ومن المثير للاهتمام أن نلاحظ بأن بلدان أفغانستان والعراق وليبيا والسودان, التي وقعت ضحية لغزوات وزعزعة استقرار مدعومة من حلف شمال الاطلسي منذ العام 2001، كانت لدى كل منها بنوك مركزية مملوكة للحكومة. وأن نلاحظ بأنه ليس «صدفة» أنه بعد تلك الغزوات أنشئ في كل من هذه البلدان نظام مصرفي جديد مملوك للقطاع الخاص.
لكن السؤال الذي يستحق التفكير جدياً فيه اليوم، وفي خصوصية الأزمة السورية، التي تزامنت مع توازن دولي محدد وبعد فشل التدخل العسكري المباشر، وبالتالي تعذر إمكانية الانتقال إلى مرحلة التعديل الاقتصادي بعد الغزو المباشر على غرار البلدان المذكورة أعلاه، هل تتبع أمريكا والأدوات الإمبريالية ترتيباً مختلفاً لأوراقها في سورية. وهل سياسات بنك سورية المركزي في ظل إدارته الحالية، والتي لا تؤدي عملياً كما يتبين إلا لتأجيل الحلول الحقيقية وتصب مباشرة في مصلحة شركات الصرافة الخاصة والفاسدين داخل الدولة والمجتمع، هل يلعب اليوم دور مصرف خاص؟ هل ينفذ دون خصخصته رسمياً المؤامرة التي كان قد رسمها صندوق النقد الدولي منذ 7 سنوات؟
بنك سورية المركزي الذي أنشئ في 28 آذار 1953 ومثل الاستقلال الاقتصادي لليرة السورية عن عملة المستعمر الفرنسي، كثمرة اقتصادية لثلاثة وثلاثين عاماً من نضالات الشعب السوري من أجل الاستقلال الوطني منذ شهداء ميسلون, لن نسمح بأن يحوله حفنة من الفاسدين والصيارفة إلى مكسر عصا ومعبر لاستعمار جديد!