الائتلاف يفرّخ!.. الحل السياسي ونقنقة الصيصان
كما كان متوقعاً - وكما تنبأ كل من يتعاطى مع السياسة كعلمٍ له قوانينه- بأن الائتلاف كبنية، وكخيار سياسي، مقبل على الانقسام والتشظي، ها نحن بين الساعة والساعة، نقرأ بياناً فردياً أو جماعياً، يعلن رفض بيان الرياض، وتشكيل الوفد الواحد.
بدأت موجة الاستقالات والبيانات والانقسامات الأخيرة التي بدأت بتطنيش رئيس الهيئة العليا للمفاوضات، وعدم دعوته الى اجتماع هيئته، ومن ثم البيان الذي أصدرته شخصيات وقوى أساسية في الائتلاف، من ضمنهم المجلس الوطني الذي يعتبر الأب الروحي لهذه السلالة «العاقّة» كلها، وبمعيّة قائمة اسميّة من كهنة هذه المعارضة.
نعود ونذكر، بأن هذا التشظي، ظاهرة موضوعية بحكم انسداد الأفق أمام المشروع السياسي الذي تبناه هذا الكيان السياسي، وأسلافه، فالجهات التي أصدرت وستصدر هذه البيانات المتتالية، كلها تنتمي سياسياً إلى ذاك القسم من المعارضة السورية، الذي راهن على التدخل الخارجي في إحداث «التغيير» الداخلي، ولأن الخارج بات عاجزاً، عن لعب مثل هذا الدور، فمن الطبيعي أن يكون حال المراهنين عليه في هذا الوضع البائس، وما يزيد البؤس بؤساً، هو أن تعدد الجهات المتبوعة، والتناقضات المحتدمة بين دول الحلف الخارجي الداعم، يلقي بظلاله على المشهد السوري المعارض، ما بين جماعة قطر، وجماعة السعودية، وجماعة تركية وجماعة....الله أعلم! ناهيك عن دور الـ«أنا»، والذاتية المرضية، التي تظهر في فترات العجز والتراجع، فمعظم الموقعين على هذه البيانات، تتبع أسماءهم صفة السابق... «عضو سابق في الهيئة العليا للمفاوضات- كبير المفاوضين السابق - متحدث رسمي سابق باسم الوفد المفاوض، المتحدث السابق باسم وفد آستانا... وغيرهم من السابقين»!
تزامن هذا «التفريخ»، مع عملية تشكيل الوفد الواحد للمعارضة، بما يعنيه، من إمكانية لإجراء مفاوضات مباشرة بين النظام والمعارضة، والدخول في السياق الإجرائي والعملي للحل السياسي، لعل وعسى أن تغطي نقنقة هذه «الصيصان» على صوت قوى الحل السياسي، عبر إبقاء الوفد المشترك، تحت ضغط الإرهاب الإعلامي، ومنع عملية الفرز الجارية في هذا القسم من قوى المعارضة السورية، بين التيار العقلاني، والتيار: «التابع، الفندقي، الجاهل»، المتمترس خلف الشروط المسبقة، كسوقٍ مفترضة لترويج بضاعته...
المشترك الآخر بين بيانات التشظي الائتلافي، هو رفض وجود منصة موسكو في الوفد المشترك، والهجوم عليها: «نؤكد أن وجود منصة موسكو - التي تعتبر الثورة السورية مؤامرة صهيونية إمبريالية - في قيادة الوفد المفاوض، هو إهانة للثورة السورية، ولدماء الشهداء وتضحيات الشعب السوري»، وذلك ضمن حملة الأكاذيب المنسقة، والمنظمة، التي لم تتوقف ضد المنصة وأسلافها من البنى السياسية «حزب الارادة الشعبية، جبهة التغيير والتحرير...» منذ أن بدأ الحراك الشعبي عام 2011، والتي تناوب فيها رهط من هذه المعارضة، ورهط من النظام..
لم تقل منصة موسكو يوماً بأن الحراك الشعبي السلمي الذي بدأ في آذار 2011 مؤامرة، بل رأت فيه ظاهرة موضوعية تاريخية، وأحد مظاهر عودة الجماهير إلى الشارع، بعد أن فقدت ثقتها بالنظام الحاكم، ولكن دون أن تنسى في الوقت نفسه بأن هناك، مشروعاً أمريكياً، وسورية في القلب منه بحكم الجغرافيا السياسية، عنوانه الفوضى الخلاقة، يستهدف بنى الكيانات والدول القائمة، مستفيداً من عجز الفضاء السياسي القديم، في الموالاة والمعارضة، عن صياغة مشروع تغيير وطني ديمقراطي حقيقي، ومن هنا كان الموقف، منذ 2011: يقوم على ثنائية العمل من اجل التغيير الوطني الديمقراطي الجذري والشامل، وفي الوقت نفسه الوقوف ضد التدخل الخارجي، كمهمتين متلازمتين ومتكاملتين، لا يمكن إنجاز إحداهما دون الأخرى، ولعل هذا الفهم هو نقطة الانطلاق التي ميزت منصة موسكو عن الحركة السياسية السورية التقليدية كلها في الموالاة والمعارضة، وهي السبب في أنها كانت في تقاطع نيران الطرفين على مدى سنوات الأزمة.
ليست صدفة، أن يترافق الهجوم على تشكيل الوفد الواحد، بالهجوم على منصة موسكو، وعلى الدور الروسي، فالوفد الواحد هو أداة التفاوض المباشر، وهو العنصر الذي لم يكن متوفراً حتى قبل اجتماع الرياض الأخير، وجاء تشكيل هذا الوفد ترجمة لدور كل من روسيا ومنصة موسكو، باختصار سر هذا الهجوم أن الحل السياسي يدخل طور التنفيذ، أو يكاد، وأن حوامله ينتصرون.