الهدنة.. رغماً عن الإرهابيين والمتشددين
يجري خلط إعلامي واضح، ومقصود في أغلبه، بين مسألة الهدنة، وبين مسألة استمرار محاربة الإرهاب، وذلك على خلفية ما جرى من تصعيد خلال الأيام الماضية في مدينة حلب، وما أوقعه هذا التصعيد من أعداد كبيرة من المدنيين على جانبي المتراس.. وهو ما يستلزم توضيح جملة من النقاط الأساسية:
أولاً: إنّ الهدنة، أو «وقف الأعمال العدائية»، لم تشمل منذ الاتفاق عليها وسريانها لا «داعش» ولا «جبهة النصرة»، بل اشترطت في من يدخلها أن يكون موافقاً على الحل السياسي، وأكدت على ضرورة استمرار محاربة كل من يقف ضد هذا الحل بوصفه إرهابياً وعلى رأس هؤلاء داعش والنصرة.
ثانياً: إنّ عمليات خرق الهدنة، وإذ اشتركت فيها فصائل لم يكن أمرها قد حسم بعد ضمن قوائم الإرهاب، وتحديداً «أحرار الشام» و«جيش الإسلام»، فإنّ هذه الفصائل قد كتبت أسماءها بيدها، وبصواريخها وقذائفها، ضمن قوائم الإرهاب، وهي بذلك قد سرّعت وحلّت عملياً واحدة من المعضلات التي كانت تقف في وجه المفاوضات وفي وجه تحول الهدنة إلى واقع دائم، وبالنتيجة فإنّ عمليات الخرق هذه ستؤدي في المحصلة إلى تعزيز الهدنة وتقويتها، لا العكس.
ثالثاً: إذا كانت فصائل مثل «أحرار الشام» و«جيش الإسلام» تريد تعطيل الهدنة ونسفها وصولاً لنسف الحل السياسي، فإنّ ما أظهرته الأيام الماضية في حلب، هو أنّ هنالك في الطرف المقابل من هو سعيد بوجود مثل هذه الفصائل، لأنّ وجودها يشكل له مادة حقيقية لتبرير العودة للعمل المسلح، علّ وعسى أن يؤدي ذلك إلى نسف المفاوضات والحل السياسي الذي لا يخدم مصالحه.
رابعاً: أكدت أحداث حلب أيضاً، أنّ مهمة عزل المتطرفين والمتشددين من جميع الأطراف لا يزال ماثلاً بوصفه المهمة الوطنية الأكثر حيوية وراهنية، لا لإنقاذ حلب وحدها، بل لإنقاذ كامل الشعب السوري من كارثته الكبرى. وإنّ ما جرى خلال جولة جنيف الماضية، واستمرارها وتقدمها رغم كل التصعيدات، يؤكد أن عزل هؤلاء لم يعد ضرورة فقط، بل وبات ممكناً وأمامه آفاق واسعة ليتحول إلى واقع خلال آجال زمنية قصيرة جداً..