الحركة الشعبية.. دروس الماضي واستنتاجات المستقبل (2)
هذه المادة هي استكمال لافتتاحية العدد الماضي من قاسيون ذي الرقم 1134 «الحركة الشعبية ستعود عاجلاً أم آجلاً»، وهي حلقة ضمن سلسلة مقالات ستتبعها.
هذه المادة هي استكمال لافتتاحية العدد الماضي من قاسيون ذي الرقم 1134 «الحركة الشعبية ستعود عاجلاً أم آجلاً»، وهي حلقة ضمن سلسلة مقالات ستتبعها.
ليس سراً أنّ عدداً غير قليل من الشباب السوري، وفي أماكن متعددة من سورية، يخوضون نقاشات يومية حول أشكال التحرك والنضال الضرورية والممكنة والمفيدة، ليس للتعبير عن احتجاجهم وغضبهم ورفضهم لاستمرار الأزمة وتعمقها والتدهور المستمر لأوضاعهم وضياع سني حياتهم هدراً فحسب، بل وأيضاً من أجل التغيير نحو الأفضل.
تواصل قوى متعددة، من المتشددين ضمن النظام، ونظرائهم ضمن المعارضة، محاولاتها لاستباق وإجهاض احتمالات طورٍ جديد من الحركة الشعبية. يجري ذلك بطرق متعددة أبرزها هي تلك التي تكرر القديم على أنه جديد؛ بكلامٍ أوضح، فإنّ أبرزها هي الدفع نحو تكرار الأشكال نفسها من الحراك السابق، وبالشعارات نفسها وطرق العمل نفسها، وخاصة منها المنعزلة عن الناس وذات الطابع المغامر، وضمناً الحديث مرة جديدة عن «عسكر منشق» وما شابه.
تجري خلال الأيام الأخيرة حملة إعلامية- سياسية ونفسية منظمة، يشترك فيها على السواء: المتشددون في كلٍ من النظام والمعارضة، وكأنما جرى كبس زرٍ مركزيٍ واحد.
نقلت وكالة «سبوتنيك» الروسية عن مصادر محلية في دير الزور، أنّ «دوي سلسلة انفجارات سمع في أرجاء القرى والبلدات في محيط حقل «كونيكو» للغاز الطبيعي في ريف المحافظة الشمالي، ناجمة عن قصف صاروخي تعرضت له القاعدة العسكرية اللاشرعية التي يتخذها الجيش الأمريكي في الحقل».
قالت وكالة سبوتنيك الروسية إن مصدراً ميدانياً كشف لها، ليلة أمس السبت، أن البوارج الروسية التي ترسو قبالة السواحل السورية، أطلقت مجموعة من الصواريخ الدقيقة باتجاه مواقع تابعة لمسلحي تنظيم «داعش» الإرهابي في البادية السورية.
لسان حال الأغلبية من السوريين، ونتيجة المعاناة والجور والظلم والتدهور المستمر على كل الصعد، هي أنه «لم يعد هنالك أسوأ مما يجري». لهذه المقولة جانبان متلازمان يعبران عن الاحتمالين الكامنين ضمنها؛ الأول إيجابي يعبر عن استعداد وتأهب للانخراط في العمل من أجل التغيير، للانخراط في نشاط سياسي واسع بأشكاله المختلفة للوصول إلى التغيير. الثاني سلبي يعبر عن اليأس أكثر مما يعبر عن الأمل، وهذا خطير لأنّه يعني إما الانكفاء وعدم الانخراط في أي نشاط تغييري، أو الاندفاع بشكل يائس وغير مدروس...
الاندفاع اليائس غير المدروس هو ما يجري الدفع له بشكل مفضوح من جانب متشددين في النظام والمعارضة، وخاصة من شخصيات ظهرت فجأة وتم وضعها تحت مركز الضوء الإعلامي. الغرض واضح وهو محاولة استباق الحركة الشعبية التي تختمر ظروفها من جديد بشكل متسارع؛ استباقها عبر دفعها إلى الشوارع بشكل غير منظم وغير مدروس وعبر أعداد قليلة من الشبان المتحمسين، والهدف هو أن يجري كسر ظهرها مبكراً وقبل أن تكبر حتى تجري «تربية البقية» عبر الضربات الأولى. في إطار استباق الحركة أيضاً، فإنّ عدداً كبيراً من «المعارضين الطارئين»، لا يحاولون الدخول في صفوفها فقط، بل يسعون إلى التحول إلى مركز قيادتها وتوجيهها، بغرض الاستكشاف المسبق لها تمهيداً لتطويقها وإنهائها، أو لتحويلها مرة جديدة إلى مطية لتجديد العنف والحرب... والهدف بكل الأحوال هو بالحد الأدنى منع التغيير، وبالحد الأعلى إنهاء سورية بشكل كامل.
أمام هذين الجانبين/الاحتمالين، ورغم القهر الذي يعيشه الناس، إلا أنها تظهر قدراً من الوعي يدل على إحساسها السليم الذي اكتسبته من التجربة المرة ودفعت ثمنه عذابات كبرى؛ فمن جهة تعلم الناس أنّ التحرك ضرورة لأنّه لا مجال للتغيير نحو الأفضل إنْ تركت الأمور لمن يتحكمون بها في النظام وفي المعارضة، بل ولا يمكن أن يتوقع المرء من المتحكمين سوى المزيد من الخراب والتدهور. ولكن في الوقت نفسه، وبالاستفادة من التجارب السابقة، تسعى الناس لدراسة خياراتها ولاختيار أشكال تحركها، فلا تحصر نفسها بشكل محدد، التظاهر مثلاً، بل تبحث عن أشكال إبداعية متعددة للنشاط، وتبحث عن تدرج مناسب له، بحيث تتجنب الوقوع في الأفخاخ المنصوبة لها من الداخل ومن الخارج...
تسود الشارع السوري حالة من الغليان المصحوب بالترقب الحذر؛ فالوضع المعيشي للناس وصل حدوداً لا تطاق. وفوقها فإنّ عمليات رفع الدعم وانسحاب الدولة من أداء أي دور اجتماعي جارية على قدم وساق، بل وشهدت نقلة جديدة إلى الأمام بعد ما جرى في مجلس الشعب مؤخراً حيث شهدت عمليات الرفع الرسمي للأسعار موجة جديدة شاملة بينما الأجور الهزيلة على حالها.
تواصل أوضاع السوريين في كل مناطق سورية تدهورها المتسارع، وتختمر بسرعة متزايدة احتمالات انفجارٍ شعبي جديد في كل مناطق سورية.
يعبر عدد كبير من السوريين عن قناعتهم بأنّ ما جرى في مجلس الشعب السوري قبل أيام، وما أثير من ضجة في وسائل التواصل الاجتماعي بالتوازي مع ذلك وقبله وبعد، لا يعدو كونه مسرحية مدارة هدفها «التنفيس».