أنقذوا صناعة الألبسة وعمالها (2)
في العدد الماضي أوردنا القسم الأول من لقائنا الطويل والعميق مع صهيب الملقب «أبو عصام المقصدار»، كواحد من أهم الكوادر الفنية والمهنية في قطاع صناعة الألبسة الجاهزة. ولا تأتي أهمية الرجل من خبرته الطويلة التي امتدت لأكثر من أربعة عقود وحسب، بل من مستوى إدراكه ووعيه الطبقي والمهني والسياسي أيضاً. فنحن لم نتقصد الولوج لعالم الاقتصاد والسياسة خلال الحوار معه، لكن فهمه للأمور ومواكبته التاريخية لصناعة النسيج، واحتكاكه المباشر بالصناعيين وتجار الأقمشة والأسواق والمعارض، واطّلاعه على أحدث البرامج الحاسوبية الخاصة بالتصميم والتفصيل والقص، ومتابعته اليومية للحداثة العالمية، فعلت فعلها بطريقة تفكيره. فكيف إذا ما أضفنا تموضعه الطبقي والتصاقه ببيئته الطبقية من العمال، سواء بوجوده بالمعامل والورشات التي عمل بها أو من ناحية المنطقة السكنية التي يقطنها، والتي تعتبر خزاناً بشرياً للطبقات الأشد ضعفاً بشكل عام وللطبقة العاملة بشكل خاص.
أكد أبو عصام في حديثه على دور الدولة في دعم الصناعة وأضاف: «فكرك ليش الصين وصلت لهون؟ اليوم الصين أقوى دولة وبسمّوها مصنع العالم، وفيها تتحكم بالسوق العالمي إيمتى ما بدها وكيف ما بدها. وهالشي ما كان ممكن يصير لو ما الحكومة خططت وقادت الصناعة بذاتها. يا رجل، الصين بتعمل فستان سهرة بعشرة دولار! تخيل، من كم سنة فاتوا على خط العبايات الشرقية، صاروا ينتجوا منتجات كانت حكر علينا وعلى مصر وتركيا. ماشيين على منهج وخطة، وفوق منها دعم حكومي كبير: مناطق صناعية كبيرة. الإدارة عنا كانت تحكيلنا عن زياراتها للصين وقت يطلعوا يوصّوا على طلبيات قماش وإكسسوارات ومكنات وقطع غيار. تخيّل أنو بمنطقة وحدة بتلاقي كل شي بتحتاجو بالألبسة، بتنظيم عالي وتنافس وأسعار. يعني شو بدك بتلاقي. هالمدن هي مين خطط ومين نفذ؟ الحكومة طبعاً. خود الكهربا والموانئ والشحن والنقل والقروض والإعفاءات من الضرايب، كلو مخطط ومنفذ ومراقب صح. يعني بالمختصر، الحكومة عندهم عملت كل شي وقالتلهم تفضلوا اشتغلوا يا صناعيين. وهالشي تقدم مو بس للمعامل الكبيرة، لا حتى للورشات الصغيرة. حسب علمي أنو بالسنين الأولى كانت هالدفشة الصناعية على حساب العمال، بس بالتدريج بلشت الأمور تعتدل والبطالة تخف بالتدريج والرواتب تتحسن. وشوف لوين وصلوا: الفقر راح والاقتصاد والمعيشة طلوع. وفي معلومة مهمة كمان هي التطور: يعني تكنولوجيا عالية كتير متل أوروبا وأمريكا وأحسن، واللي ما بيعرفوه بيتعلموه وبيبعتوا مهندسين وطلاب لأوروبا وأمريكا بيتعلموا وبيرجعو للبلد وخود على تطوير وشغل. أما عنا هون، خليها لربك أحسن شي».
الاستغلال الناعم
يتابع أبو عصام حديثه عن علاقة الصناعيين بالعمال: «نحنا كعمال صناعة الألبسة بضل وضعنا أحسن بكتير من غيرنا، والسبب بسيط أنو الصناعي عقليتو مختلفة عن التاجر، وبيعرف قيمة المصلحة والخبرة. ورغم الظلم اللي منتعرضلو، بضل أرحم بكتير. يعني الأجور مقبولة بالنسبة لغيرنا لأنو صعب تبدل عمالك كل يوم والتاني، والصنايعي مضطر يدفع بشكل مقبول ليحافظ عالعمال اللي تعودوا عالشغل وبيعرفوا كل تفصيل وبيفهوا كل قطعة وكل موديل شو بدو، وبيطلعوا إنتاج أكبر وبنوعية أفضل. وأي عامل أو معلم بيترك بأثِّر فوراً عالإنتاج، وهالشي بيعرفوا صاحب الشغل والشغيل. فبضل في توازن واستقرار: أقل حدا بالمعمل عنا صرلو ست سبع سنين. إذا بدك قارن بين عمال المعمل عنا وبين الموظفين بالإدارة أو محلات البيع المباشر، نحنا منعتبَر مدللين وثابتين وراتبنا أعلى ومناخد إضافي ومكافآت ووجبة فطور. أما موظفي الإدارة والمحلات، كل يوم والتاني: هاد ترك، هاد رجع، ورواتبهم الشهرية قد أجرة أسبوع. وهالشي طبيعي لأنو ممكن كل يوم تلاقي سكرتيرة او سائق شاطر، بس ما فيك تلاقي بسهولة معلم رشّة أو طباعة. من هون بتلاقي علاقتنا بصاحب الشغل متوازنة: هو رضيان باستغلالنا نص نص، ونحنا رضيانين كمان. أما هلق، بس وقف التصنيع وصرنا موظفين، أي حدا بيقدر يشتغل شغلنا، فصرنا نرضى بكل هالظلم من تم ساكت، وما في حدا يدافع عنك».
«بالأخير كلّو سياسة»
عندما بدأ المعلم صهيب بالدخول لحال الصناعة والعمال ثم البلد، وجد نفسه يتحدث بالاقتصاد ثم السياسة. وعند سؤالنا له عن سبب تناوله مواضيع سياسية، أجابنا: «بالأخير كلّو سياسة. رغيف الخبز سياسة، حبة البندورة سياسة، الرواتب والسكن بالمخالفات والعشوائيات لك حتى المرض سببو سياسي». وأضاف: «شايفين حال البلد؟ ليش راتبي صار قروش؟ وإذا طلعت اشتغل بتركيا أو مصر أو حتى العراق، أقل شي بطلِّع 1500 دولار بالشهر. ابني بتركيا من خمس سنين بيشتغل بالمطاعم بطلِّع أكثر مني. هاد سببو سياسي. اللي خلَّا شركتنا تشتغل بالتجارة وتوقف المعامل، الأوضاع السياسية. لما كان علينا حصار بالثمانينات مثلاً، ما وقفنا شغل، بالعكس يومها اشتغلنا للاتحاد السوفييتي بالأطنان. يعني الروس شغَّلونا، وهي سياسة. وقت حرب العراق كمان اشتغلنا شغل بخوِّف، وبحرب الخليج الأولى فتحولنا السوق الخليجي اشتغلنا كتير. كل هاد سياسة. واليوم إذا هالواقع بدو يتغير، حيتغير بالسياسة مو بشي تاني. شوفوا شو عم يصير فينا: أراضينا ما عم تنزرع، ومعاملنا عم توقف، ونفطنا مدفون بالأرض، والجماعة نازلين توقيع على إنشاء مولات ومدن سياحية واستثمارات خلَّبية ومعارض ومؤتمرات، ونحنا ربطة الخبز صار بدها ميزانية لحالها. بدهم يانا نترك هالمكنات والمعامل ونروح نشتغل كاشيرية مولات وكراسين بالفنادق وموظفين عند الصرَّافين. هاد مو اقتصاد، هاد مكبس عظم حيخلي الغني أغنى والفقير أفقر. فكيف مو سياسة؟ سياسة ونص. وهالبلد بدها تغيير ونفض، بدها تخطيط صح واقتصاد أساسو التصدير مو الاستيراد. وهالشي مو صعب والله إذا بيقعد الصناعي والعامل والفلاح عالطاولة ليطلع معهم أحسن اقتصاد. مو اقتصاد حوالات متل لبنان. إذا بضل الوضع هيك، ما حيضل لا صناعة ولا شغل ولا بلد حتى».
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 1241