استطاع المواطن السوري البسيط في الشارع، على مدار الأيام العشرة الماضية، أن يدرك حجم التحايل في موضوعتي سعر صرف العملات الأجنبية- وتحديداً الدولار، وارتفاعات أسعار السلع الاستهلاكية، بملاحظته انخفاض الأولى دون انخفاض الثانية مباشرة، من خلال بضعة إجراءات اتخذتها الحكومة وبعض أجهزة الدولة، .
يتراجع الوضع الاقتصادي والمعيشي في البلاد بسرعات قياسية، وينذر في حال استمراره على هذه الحال بأخطار كبرى أهمها وضع مسألة بقاء سورية موحدة أرضاً وشعباً على المحك،..
يدرك المتابع لسير الحدث السوري ضمن سياقه العالمي، وتحديداً ضمن سياق الأزمة الرأسمالية العالمية وأزمة مركزها الأمريكي، والتوازن الدولي الناشئ، أن موقف واشنطن العميق رافضٌ للحل السياسي دائماً وعلى طول خط الأزمة
تضفي التناقضات الداخلية لمواقف الغرب الاستعماري عموماً وفي مقدمته واشنطن، الناتجة أساساً عن أزمتها الرأسمالية البنيوية الشاملة، شيئاً من الالتباس على فهم الخط العام الذي تسير وفقه أمور الغرب ذاته بخصوص الأزمة السورية..
برزت في الأيام القليلة الماضية مؤشرات عديدة تغري قارئها بالوصول إلى استنتاج مبسط مفاده أن المؤتمر الدولي حول سورية مسألة قد طويت ووضعت جانباً، الأمر الذي لا يخفي متشددو الطرفين بهجتهم به، بل وأملهم في تحوله من «استنتاج أولي» إلى واقع. بيد أن الواقع ذاته يشير إلى ما يخالف ذلك تماماً
ترتفع يومياً، منذ اتفاق لافروف- كيري في موسكو بداية الشهر الماضي، أصوات المتشددين عند كل فرصة سانحة في محاولات مستميتة لعرقلة المؤتمر الدولي المرتقب ومنع انعقاده إن أمكن، وإلا فمحاولة تفريغه من محتواه ومنعه من تأدية دوره كفاتحة لانتقال الصراع الجاري من شكل العنف الدموي الحالي إلى الشكل السياسي..
أثبتت الأسابيع القليلة التي أعقبت الإعلان الأمريكي عن الانسحاب من سورية، صحة ما ذهبنا إليه ولخصناه في نقطتين أساسيتين:
لا يزال إعلان ترامب عن انسحاب قواته من سورية قبل أيام، الحدث الأساسي، ليس سورياً فحسب، بل وعلى امتداد المنطقة، إنْ لم نقل على امتداد العالم.
مثّل قرار تشكيل اللجنة الدستورية المنبثق عن مؤتمر الحوار الوطني في سوتشي، ثغرة في جدار الحل السياسي، اضطر الغرب للاعتراف بها، والتعامل معها، مكرساً جهوده لإفراغها من مضمونها لإعادة إغلاق تلك الثغرة، وعودةً إلى نقطة الصفر، سعياً وراء تمديد الحرب إلى ما لا نهاية. !