افتتاحية قاسيون 615 : جنيف: نفي «إرادوي» أم ضرورة موضوعية؟
ثمة أطراف متعددة، متباينة على نحو صارخ بالشكل، وليس بالمضمون بالضرورة، تردد وتشيع عبر أدواتها الإعلامية والسياسية، لغاية في أنفسها، أن المؤتمر الدولي الممهد لحل الأزمة السورية، المعروف اصطلاحاً بـ«جنيف2»، لن يبصر النور، .
وأن تطور الأحداث السورية وحتى الإقليمية، تجاوزه.
غير أن نظرة متأنية لدوافع هذه القوى في ذلك، من جهة، ولمسار تطور الأوضاع الدولية والإقليمية، وحتى السورية، من جهة أخرى، يوحي بعكس ذلك تماماً!
الإدارة الأمريكية تماطل وتسوّف بهدف صار معروفاً يبتغي جانبين، أولهما إحداث مزيد من الاستنزاف ، الداخلي السوري الشامل للدولة السورية، أكثر منه للنظام القائم فيها حالياً، وثانيهما محاولة التحكم والتأثير بأكبر قدر ممكن في جدول أعمال وبنية ومسارات ومآلات المؤتمر المذكور، وتحديداً لجهة تكبير أوزان ممثليها وأدواتها هي، أي غالبية «معارضات الخارج» وأغطيتها الإقليمية والدولية، في الطرف الآخر من الحوار أو «التفاوض» المنتظر.
بدورها توجد قوى داخل النظام، وفي بنية الدولة والمجتمع، التي يختزلها مصطلح «قوى الفساد الكبير» بشقيها، التقليدي والمستجد على ضفاف الأزمة، تريد، إما لقصور في الإدراك، أو باجتزاء متعمد للوحة العامة، وفقط تثبيتاً لمنظومات نهبها وفسادها على حساب استمرار نزيف الدم المدني والعسكري، أن توهم الداخل السوري، وتحديداً صفوف «الموالاة» وبقية السوريين الخارجين عن الاصطفاف الحاد المفتعل: «مع أو ضد»، بأن مسار العمليات العسكرية للجيش العربي السوري وحده كفيل بحسم «المعركة الوطنية»، وأنه مع بروز سطوة وإجرام «النصرة» و«داعش» ومشتقاتهما من الغرباء والأجانب، وضعف ما تعرف بفصائل «الجيش الحر»، وتبديد صفوف «الحركة الشعبية السلمية»، وتحديداً من يوجد في تلك الفصائل والحركة من سوريين أبدوا رغبتهم بالحوار، فمع من سيجري الحوار في جنيف؟
كما يوجد بين هذا وذاك طيف من قوى سياسية وشخصيات «موالية» أو «معارضة» أو «مستقلة»، يضيع في زحمة الأمور والتفاصيل، ويدلو هو الآخر بدلوه في اليأس أو التيئييس من انعقاد المؤتمر.
إلا أن الوقائع تشير إلى أنه، مع تضييع السوريين لمختلف الفرص المتلاحقة لإدارة حوارهم الوطني الخاص والمستقل نسبياً وصياغة مخرجهم السياسي الآمن، فقد تولى الروس والأمريكيين ملف «إنهاء» الأزمة، كل من موقعه ومصالحه ووزنه، ولكن من ضمن ملفات إقليمية ودولية أخرى يمليها التوازن الدولي الناشئ استناداً إلى الأزمة الرأسمالية الأمريكية تحديداً، وهذا يشمل مثلاً الدرع الصاروخي الأمريكي، والملفين النوويين الكوري والإيراني، والقضية الفلسطينية، وتطورات الأوضاع في الدول العربية والمنطقة، واتفاقيات النفط والغاز، الخ. وبهذا المعنى فإن الحوار أو التفاوض الروسي الأمريكي قد بدأ فعلياً منذ لقاء لافروف - كيري في أيار الماضي، وكانت أحدث جولاته لقاء واشنطن الأخير الذي ضم لأول مرة وزراء الخارجية والدفاع الروس والأمريكيين، ما يدلل على وصول «التفاوض» المذكور إلى مستوٍ جديد، يتضمن سورية و«ملفها» حكماً، ولا يلغي ذلك التباين الإعلامي بين الطرفين بخصوص مواعيد انعقاد «جنيف2» حول سورية كحالة خاصة، والذي يندرج في إطار شد الحبال المذكور أعلاه، مما يعني أن الاتفاق على المؤتمر كإطار هو منجز لتبقى معركة جميع الوطنيين السوريين، أياً كانت مواقعهم، هي التركيز على مهام ذاك المؤتمر، وتحديد سقف التطلعات منه دون إيهام آخر، وهو إطلاق «العملية السياسية» بمعنى «وقف إطلاق النار» وتثبيته لحقن دماء السوريين، وطرد الجماعات التكفيرية الإرهابية الوافدة على سورية ونسيجها الوطني، وتشكيل حكومة الوحدة الوطنية الموسعة التي ينبغي أن تتولى استكمال خطوات الحل السياسي وضمان سيادة سورية ووحدة شعبها وأراضيها واستقلالها الشامل وحرية أبنائها بلقمتهم وكلمتهم، أي النزول عند الرغبات الموضوعية للسواد الأعظم من أبناء الشعب السوري