افتتاحية قاسيون 621 : لماذا «داعش»؟
تشهد العديد من مناطق البلاد ظاهرة جديدة في الصراع الدائر على سورية وفيها، تتجسد في المعارك الدائرة بين الجماعات المسلحة نفسها، التي تمتد يوماً بعد يوم إلى مناطق جديدة في إطار فوضى الحرب الدائرة
واللافت للانتباه هو تسليط الأضواء وإبراز دور ما يسمى بالدولة الإسلامية في العراق وبلاد الشام، المعروفة اختصاراً بـ«داعش»، المرتبطة بتنظيم «القاعدة»، بما يعنيه ذلك من دلالات سياسية، ومحاولات دفع الأزمة باتجاه محدد، استناداً إلى بنية هذا التنظيم ومرجعياته الدولية والإقليمية، تمويلاً ودعماً عسكرياً وإعلامياً، والذي يعتبر أحد امتدادات الرأسمال المالي- الإجرامي العالمي. ومع الأخذ بعين الاعتبار ما يجري بالتوازي مع ذلك على الأرض العراقية واستمرار دوران طاحونة الدم هناك- بما يمنع إعادة قيام دولة، أولاً، وموحدة، ثانياً، بالمعنى الفاعل والجدي للكلمة- يصبح من الواضح أن محاولات إبراز هذا التنظيم وتعزيز مواقعه إنما تستخدم كأداة لإشاعة المزيد من الفوضى، وتعميق الفوالق الدينية والطائفية والعرقية، وصولاً إلى التقسيم والتفتيت سواء كان في العراق أو سورية، للوصول إلى الخرائط الجديدة التي تعمل على تكريسها قوى الحرب والفاشية والعدوان الدولية، والتي تعتبر هذه القوى الفاشية الجديدة المحلية أداتها الرئيسية، وذلك كمحاولة يائسة من تلك المراكز للخروج من أزمتها المستعصية، حيث بالأمس فقط تحدث وزير المالية الامريكية عن أحدث تجلياتها بإمكانية تعرض الولايات المتحدة للإفلاس قريباً جداً.
وبالعودة إلى تحليل الوضع السوري الملموس، ومن دون إعطاء حكم قيمة، فإن محاولات إنهاك وتفكيك كل البنى العسكرية الرسمية والمستحدثة الميليشاوية، بما فيها «الجيش الحر» وإزاحتها عن المشهد لمصلحة «داعش»، إنما تؤكد القناعة بصحة فرضية المهمة المطلوب أداؤها من تلك القوة التكفيرية الإرهابية في هذه المرحلة من تطور الأزمة السورية.
إن الصراع متعدد الجبهات على الأرض السورية، يمكن ويجب أن يأخذ مساره الصحيح، أي إلى صراع وطني بين السوريين بمختلف مواقعهم من جهة، وبين «داعش» وشبيهاتها من أدوات الفاشية الجديدة، أي أن اللحظة تفرض على السوريين– كل السوريين- الذهاب إلى أوسع تحالف وطني للاتفاق على بقاء سورية كوحدة جغرافية سياسية، الأمر الذي لاينفي استمرار صراع سياسي «حضاري» حول شكل النظام اللاحق في سورية وآفاق التطور اللاحق.
تنبع أهمية هذا التحالف اليوم ليس فقط من أنه أحد مقدمات الذهاب إلى جنيف وإنطلاق الحل السياسي ووقف نزيف الدماء السورية، وفتح الآفاق أمام الشعب السوري من أجل عملية التغيير، الأمر الذي طالما انتظره السوريون وطالبوا به منذ أن دخلت البلاد في دورة العنف هذه، بل أن مثل هذا التحالف يكتسب أيضاً أهمية عالمية، على اعتبار أن انتصار هذه القوى الفاشية الجديدة محلياً، يعزز مواقع قوى الحرب والفاشية الممثلة للرأسمال المالي العالمي الإجرامي في المراكز الدولية، ويضعف مواقع القوى العاقلة هناك مما ينذر باحتمال اندلاع حروب عالمية الطابع والاتساع، حسب التجربة التاريخية.. وعليه فإن تحالف السوريين وكسر حلقة الثنائيات الوهمية المضللة، ضد الخطر الأكبر الذي بات يتمثل اليوم بـ«داعش» هي المهمة الأولى، ولاسيما أنه تأكد بالملموس وفي كل المناطق التي تحاول السيطرة عليها بأنها مرفوضة من الشعب السوري من حيث دورها وأدائها وتوجهاتها، عدا عن ممارستها الخارجة عن البنية الأخلاقية والسلوكية والنفسية بحق المدنيين وعناصر الجيش العربي السوري، وحتى بقية الفصائل المسلحة التي لا تتفق مع هواها الإجرامي مما يستدعي تحجيم دورها والقضاء عليها