هل ستجري معركة أمريكية فنزويلية؟
ملاذ سعد ملاذ سعد

هل ستجري معركة أمريكية فنزويلية؟

تتصاعد التوترات العسكرية المحيطة بفنزويلا بعد نشر الولايات المتحدة الأمريكية عدة مدمرات وسفن حربية قبالة سواحل البلاد مع ارتفاع نبرة السردية الأمريكية المتعلقة بمكافحة المخدرات والتهديد باستخدام القوة العسكرية داخل فنزويلا.

رداً على هذا التصعيد العسكري، أعلنت كراكاس أنها نشرت سفناً حربية ومسيرات في مياهها الإقليمية، وقامت بتسيير دوريات على طول سواحل البلاد، كما أعلن الرئيس الفنزويلي نيكولاس مادورو أن بلاده ستنتقل إلى مرحلة «الكفاح المسلح» بحال تعرضت لأي هجوم من جانب الولايات المتحدة، قائلاً «نحن حالياً في مرحلة كفاح غير مسلح، وهي مرحلة سياسية واتصالية ومؤسساتية. لكن إذا تعرضت فنزويلا لهجوم، فإننا سننتقل إلى مرحلة الكفاح المسلح».

وحشدت فنزويلا قوات كبيرة قدرت بـ 25 ألفاً على طول حدودها مع كولومبيا تحسباً من تسلل أي مقاتلين من تنظيمات يمينية متطرفة موجودة في كولومبيا قد يستهدفون جيشها أو منشآتها بأوامر أمريكية.

وفي خطوة جريئة قامت فنزويلا بإرسال مقاتلتين حربيتين حلقتا فوق سفن تابعة للبحرية الأمريكية في البحر الكاريبي، ليحذر البنتاغون كراكاس من القيام بأي تصعيد إضافي بعد هذه الخطوة «الاستفزازية للغاية»، وهدد الرئيس الأمريكي دونالد ترامب أن قواته ستسقط الطائرات العسكرية الفنزويلية بحال شكلت تهديداً للقوات الأمريكية، وترافق ذلك مع إعلان واشنطن إرسالها 10 مقاتلات من طراز إف 35 إلى بورتوريكو لتنضم بذلك إلى القوات البحرية المحيطة بفنزويلا.

وكان قد أعلن ترامب أن الجيش الأمريكي استهدف قارباً فنزويلياً جنوب البحر الكاريبي بزعم أنه كان ينقل موادَّ مخدرة، وقتل خلال العملية 11 شخصاً على متنه، دون توضيح أية تفاصيل إضافية.

وقالت قناة «سي إن إن» الأمريكية نقلاً عن مصادرها إنّ الرئيس الأمريكي يدرس خيار تنفيذ ضربات عسكرية تستهدف عصابات مخدرات تنشط في فنزويلا، بما في ذلك احتمال القيام بضربات عسكرية داخل البلاد، وقال وزير الدفاع الأمريكي بيت هيغيث أن قرار تغيير النظام الفنزويلي يعود للرئيس دونالد ترامب، مشيراً إلى استعداد الولايات المتحدة بكل قوتها لذلك.

رغم كل هذه التحركات العسكرية من الطرفين، إلا أن المؤشرات حتى الآن لا تدل بالضرورة أن الأوضاع قد تفضي إلى مواجهة عسكرية أمريكية-فنزويلية مباشرة، بمعنى خوض حرب أو عملية عسكرية بإطار معركة مفتوحة زمنياً، بل إنها توضح سعي الولايات المتحدة لتشكيل ضغوطات كبرى على فنزويلا تفضي إلى توتر الأوضاع وإشعالها سواء من داخل البلاد لوحدها، أو مع جيرانها بمواجهة بعض «الميليشيات» التي قد تظهر، وفي هذا السياق من غير المستبعد القيام بضربات جوية أمريكية بعيدة المدى، خاطفة ومحدودة، بغية إضعاف سلطات فنزويلا، دون خوض «اشتباك» مباشر وطويل.

هدف الولايات المتحدة القديم-الجديد بتغيير النظام الفنزويلي لا يعزى للاختلافات الأيديولوجية والسياسية وتأمين «الحديقة الخلفية» من هذه الزاوية وحدها، بل وتحت ضغط التراجع الدولي والخسائر الأمريكية الاستراتيجية بات هناك ضرورة اقتصادية أعلى بالنسبة للولايات المتحدة للسيطرة على هذه الأراضي التي تحتوي على كميات غير قليلة من المعادن النادرة، فضلاً عن غيرها من موارد الطاقة الطبيعية.

رغم ذلك، فإن التحدّي لا يتعلق بحدود فنزويلا وحدها، وهو ما تدركه واشنطن، فالضغط الأمريكي الجاري، واحتمالات التصعيد الحالية أياً يكن شكلها المقبل، قد تكون شرارةً لانطلاق موجة جديدة من «اليسار» الجذري في أمريكا اللاتينية عموماً، وبشكل تضامني منسق بين شعوب دولها، خاصة بعد سيطرة «اليمين» في بعض بلدانها والذي كان نموذجه الأرجنتيني ممثلاً بإدارة خافيير ميللي، مثالاً محفزاً بالفعل: ميللي الذي تمر بلاده حالياً بحالة عدم استقرار سياسي، واحتجاجات شعبية متقطعة بعدما أنهك اقتصاد بلاده بما لا يطاق وسلّمه لواشنطن على بياض.