افتتاحية قاسيون 617 : محكومون بالانتصار..
تستمر الولايات المتحدة في سيرها القلق على بحيرة جليد الملف السوري. فبعد تصعيد سياسي وإعلامي كبير، واستنفار عسكري وقتالي عالي المستوى، بدأت دول أوربا بإلقاء نفسها من السفينة الأمريكية.
وإن كان هذا الهروب الأوروبي غير ذي تأثير عالٍ على احتمال العدوان نفسه إلا أنه يحمل دلالات مهمة سياسياً، فهو سيترك لواشنطن وجهها القبيح عارياً دون أية تغطية.
اثنا عشر دولة من حلف الناتو رفضت الاشتراك بعدوان محتمل على سورية، وبريطانيا انسحبت في اللحظات الأخيرة. اليونان وإيطاليا والنمسا تبتعد أكثر من ذلك عن واشنطن فترفض استخدام أجوائها- التي لن تستخدم أصلاً- في أي هجوم أمريكي على سورية.. وفي الضفة المقابلة، هدوء سياسي روسي رزين مترافق مع أعلى أشكال الاستنفار والتحضير العسكري، إلى جانب موقف إيراني صلب.
وبحسبة بسيطة، فإن أمريكا خاسرة بكل الاحتمالات. فإذا انكفأت وامتنعت عن القيام بالهجوم فهذا يعني اعترافها بتوازن القوى الدولي الجديد، وقبولها بدور جديد بحجم جديد ضمن عالم جديد، ويعني أيضاً– في الخاص السوري- ذهابها إلى جنيف صاغرةً وبتنازلات أعلى من كل ما أعلنته سابقاً.. وهذا احتمال قائم وإن كان أقل حظاً من غيره مع أنه الأكثر عقلانية والأقل خسارة بالنسبة لواشنطن..
وفي حال قيام أمريكا بغاراتها على سورية، ضمن تصور تغيير ميزان القوى على الأرض، فإنها ورغم التكاليف الكبيرة البشرية والمادية التي ستدفعها سورية إلا أن تغييراً حقيقياً لميزان القوى لن يجري دون موافقة إقليمية ودولية، أي أن العمل على احتمال من هذا النوع يعني القرار بفتح حرب إقليمية دون أن يعلم أحد إلى أية حدود ستصل تلك الحرب. ووفقاً لحقيقة ميزان القوى الدولي ذاته فإن الخاسر الأكبر سيكون أمريكا ومعسكرها وفي مقدمتها «إسرائيل». وفي حال كانت الضربة محدودة ولم تغير شيئاً في ميزان القوى، فإن سيناريو التراجع عن الضربة لن يختلف كثيراً عن سيناريو ضربة مصغرة إلا في كونه أكثر كارثية بالنسبة للولايات المتحدة..
إن احتمال انزلاق واشنطن إلى الرمال السورية المتحركة يزداد يوماً بعد آخر، وبشكل خاص بعد سير الأمور في مصر بالطريقة التي سارت فيها والتي تتعارض مع المصلحة الامريكية بشكل حاد.. وإن وضعاً دولياً خاصاً ينشأ اليوم، يدفع بالذاكرة إلى مرحلة ما قبل الحرب العالمية الثانية، فالإمبريالية وفي أزمتها المتعاظمة تبحث عن حروب واسعة لتفريغ أزماتها، وفي إطار سعيها تولد قوىً رديفة لها– النازية في حينه- لاستخدامها في هذه الحروب، لكن كرة النار سرعان ما ترتد على مطلقها وتضطره إلى التحالف مع أعدائه لمواجهتها!.. إن جناح أمريكا الفاشي الجديد المتمثل بتنظيم الإخوان المسلمين العالمي المولد والمنظم والمنسق العام للتنظيمات الإرهابية الموازية من «القاعدة» وما شاكلها، سرعان ما سيتحول إلى عدو تتحد ضده جميع القوى العالمية العاقلة، وفتح أمريكا للاحتمالات المتشددة بالهجوم العسكري على سورية سيسرع التحالف ضد هذا العدو، وسيفقد أمريكا أحد أهم أدوات وجودها وصراعها في منطقة الشرق العظيم، مما يعني أن الشعب السوري الذي تحتدم المعارك اليوم، بلحمه ودمه، هو بنهاية المطاف محكوم بالانتصار.