افتتاحية قاسيون 829: اللاعب المتسلل... كرت أحمر!
منذ أن دخل الطرف الروسي بشكل مباشر على خط الأزمة السورية، وإصراره على أن يقرر الشعب السوري مصيره بنفسه، عبر الحل السياسي التوافقي، بدأت الدول الأوربية المركزية، تتخوف من أن تخرج من «المولد بلا حمص»، ليتعزز هذا الخوف ويصبح قلقاً كلما تقدم الحل السياسي إلى الأمام، الأمر الذي يفسر «المبادرة الفرنسية» الجديدة بشأن سورية، التي تعتبر إحدى محاولات التسلل إلى الميدان السوري، من بوابة الحل السياسي، بدلالة أن هذه المحاولة الفرنسية، جاءت في سياق التراجع الذي اتسمت به مواقف أغلب الدول الغربية والإقليمية، لاسيما وأن الموقف الفرنسي كان أحد أكثر المواقف الدولية تطرفاً.
لقد ارتسمت معالم الحل السياسي للأزمة السورية بشكلها النهائي، في ظل توازن دولي جديد، وعبر مسار أساسي وهو مسار جنيف، وبدعم مسارات أخرى، مثل: مقررات فيينا، ومخرجات أستانا فيما يتعلق بالوضع الميداني، التي لعبت دوراً تمهيدياً لدفع العملية السياسية، فالثابت والأساسي في عملية الحل السياسي، هو: مقررات جنيف المتلاحقة وخصوصاً القرار 2254، والمفاوضات التي تجري على أساسه، وبالتالي فإن أية مبادرة أخرى، لا معنى لها إذا لم تكن داعمة لتنفيذ هذا القرار، وأية اجتهادات جديدة في هذا السياق، لا قيمة لها، إذا لم تكن تخدم استكمال هذا المسار الذي بات محل إجماع دولي وإقليمي وسوري، ومن المكان الذي وصل إليه، لا بل من الممكن أن تصبح أية مبادرة طارئة مجرد ألغام لتعطيل وتأخير جديدين.
تأتي هذه المحاولة الفرنسية، امتداداً للثقافة الاستعمارية الغربية، بشكليها القديم والجديد، وضمن المحاولات اليائسة ببقائها مركز تجميع الثروة العالمية، عبر شفط ثروات العالم، واستثمارها، وفي ظل تثبيت خيار الحل السياسي، كحل وحيد للأزمة السورية، وبعد أن استطاعت القوى الدولية الصاعدة فرضه على القوى المتراجعة، وبعد تواتر الحديث عن عملية إعادة الإعمار، والتخطيط لها، تحاول البراغماتية الغربية أن تحافظ لها على موقع قدم في هذه العملية، وذلك في محاولة يائسة، للحفاظ على آليات أدوات النهب التقليدية.
إن إعادة الإعمار المستحقة في سورية، لن تكون إلا إعادة إعمار وطنية سورية، وكما فشل المشروع الاستعماري الغربي في التحكم بمسار الأزمة السورية، عبر التدخل المباشر وغير المباشر، يجب أن تفشل في حصاد نتائج الحل السياسي للأزمة السورية، وعلى الغرب الاستعماري أن ينسى حل أزماته على حساب شعوب العالم، في ظل التوازن الدولي الجديد، الذي يقدم بشكل يومي دلائل جديدة على أنّ تغيرات عميقة تطال بنية العلاقات الدولية السابقة بات أمراً مؤكداً، وسورية التي كانت النموذج في التحرر الوطني من الاحتلال العثماني، والاحتلال الأوربي قد تصبح من خلال الحل السياسي لأزمتها نموذجاً في إطفاء بؤر التوتر أيضاً، وتمتلك كل المقومات كي تصبح نموذجاً جديداً، في الانفكاك من التبعية الغربية التي يراد استمراراها من خلال عملية إعادة الإعمار، واستمرار تقاسم نهب ثروات السوريين بين الناهبين الدوليين والمحليين.