افتتاحية قاسيون 771: أوهام للبيع!

افتتاحية قاسيون 771: أوهام للبيع!

يتكئ البعض على الانقلاب الفاشل في تركيا وما تلاه من تحولات سريعة، توازياً مع ما يجري على الساحة السورية، ميدانياً وسياسياً، وفي حلب خاصة، ليعيد تسويق الأوهام ذاتها التي طالما اشتغل على بيعها طوال السنوات الماضية.. وليس القصد هنا أوهام «الحسم» أو «الإسقاط» فحسب، فهاتان البضاعتان وإن جرى ترويجهما بأشكال جديدة إلا أنهما لم تعودا تساويان شروى نقير. 

 

 

المقصود هي بضائع من أنواع أخرى، من شاكلة: أن روسيا والولايات المتحدة متفقتان على «التقسيم»، ولكن الخلاف القائم هو في تفاصيل عملية «التحاصص»، وحين تصل الدولتان إلى «صفقة» مرضية لكليهما، سيجري حل الأمور وإنهاء الأزمة، وسيكون لكل منهما «وصاية» على مساحات من سورية الحالية، وعلى أطراف وشرائح سوريّة بعينها. 

أما ما جرى مؤخراً بين روسيا وتركيا، فهو «مقايضة» تنازل بموجبها كل من الطرفين، قليلاً أو كثيراً، عن مواقفه السابقة تجاه سورية وأزمتها!

ولنبدأ من هذه «البضاعة» الأخيرة باعتبارها الأكثر راهنية، ولأن درجة ترابط الأمور تسمح بالدخول من أي منها للمرور عليها جميعها:

أولاً: إنّ اختصار نتائج لقاء بوتين- أردوغان، والتي لم تتضح بكليتها بعد، باتفاق ما حول سورية، إضافة إلى بعض اتفاقات اقتصادية الطابع، عملاً بنظرية «سورية مركز الكون»، يعكس ضيق أفق ومحدودية لا نظير لهما! فلهذا اللقاء سياقه الدولي والإقليمي، والسوري ضمناً.. وهو في جوهره جزء من عملية إعادة ترتيب العالم بما يتناسب مع توازن القوى الدولي الجديد.

ثانياً: في السياق الدولي والإقليمي ذاته، فإنّ أزمة تركيا ليست إلّا تعبيراً مكثفاً عن أزمة الولايات المتحدة وأوروبا، عن أزمة قوى العالم القديم بمؤسساتها وتشكيلاتها المختلفة. وإنّ اقتراب تركيا من روسيا ومن خطها العام ونهجها في التعاطي مع أنواع الأزمات المختلفة، هو محصلة عملية صراع تخسر بموجبها واشنطن وحلفها، ويزداد معها معدل تراجعها وتسارعه. 

إنّ طبيعة الصراع الدولي القائم، وطبيعة قواه، تغلق الباب أمام «صفقات» و«تقسيمات» و«مقايضات» فيما يتعلق بمنطقتنا، فمنطقتنا بالمعنى الجيوسياسي هي خاصرة «الشرق العظيم» بما فيه روسيا والصين، ولذا فإن الصراع هنا هو صراع «الكل أو لا شيء». و«الكل» هذا يعني بالنسبة للروس والصينيين إنهاء أية إمكانية لمشاريع أمريكا التقسيمية والتفتيتية والتخريبية، التي تستهدفهما في نهاية المطاف.

ثالثاً: إنّ ضمان عدم تمرير مشاريع واشنطن في منطقتنا، يتطلب فرض حالة محددة بما يخص سورية، جوهرها تطبيق القانون الدولي، عبر إنهاء أشكال التدخل الخارجي كلها، بما في ذلك الإرهاب، بالتوازي مع تثبيت استقرار فعلي عبر إطلاق إرادة الشعب السوري الحقيقية ليقرر مصير سورية ونظام حكمها بنفسه، بعيداً عن وصاية أي طرف، سواء جهاز الدولة بمؤسساته المختلفة، أم الخارج بامتداداته المالية والسياسية والعسكرية، أم قوى المال التي تسعى بدورها لخطف إرادة الشعب السوري..

إنّ الواقع الحقيقي الذي يرتسم بملامحه العريضة والتفصيلية بما يتعلق بسورية، هو أن مهمة «الخارج» هي إيقاف تدخله، ومهمة «الداخل» هي البدء بعملية التغيير الوطني الديموقراطي الجذري والشامل والعميق على مختلف الأصعدة.. والمهمتان مترابطتان ومتزامنتان، والطريق مفتوح على وسعه نحو تنفيذهما، ولم يزدد مع الأحداث الأخيرة إلّا اتساعاً.

آخر تعديل على السبت, 13 آب/أغسطس 2016 15:16