مراجعات لكتب حديثة عن أزمة الدولار والرأسمالية (1)
نشر الباحث الاقتصادي المعروف مايكل روبرتس مراجعات لبعض الكتب المنشورة حديثاً الصادرة خلال العام الجاري 2025 حول اتجاهات الاقتصاد العالمي وأزمة الدولار الأمريكي. فيما يلي بعضٌ ممّا جاء فيها.
تعريب وإعداد: د. أسامة دليقان
دعونا نبدأ بكتابين يتناولان الهيمنة الاقتصادية الأمريكية والدولار. نشر الاقتصادي كينيث روغوف (وهو من التيّار السائد) كتاب «دولارنا، مشكلتكم»، الذي يشير عنوانه إلى التصريح الذي أدلى به وزير الخزانة الأمريكي آنذاك، جون كونالي، عام 1971 والذي قال لنظرائه الأوروبيين: «الدولار عملتنا ولكنه مشكلتكم»، عندما قررت الولايات المتحدة السماح للدولار بالانخفاض بنسبة 20% لتحسين حسابها التجاري الذي كان يتجه إلى العجز.
يجادل روغوف في كتابه بأن تفوق الدولار، أو ما يسميه «عصر الدولار السلمي»، في الأسواق العالمية قد يقترب من نهايته. لكن روغوف، متبنياً وجهة النظر الترامبية الحالية، يزعم أنّ هذا ليس بسبب تراجع حصة الولايات المتحدة من التجارة العالمية في السلع. ويتجاهل روغوف أيّ علامة على احتمال أن تحلّ العملات الأخرى محلّ الدولار في التجارة أو التمويل.
ديون القطاع العام في الولايات المتحدة تتجه الآن نحو 125% من الناتج المحلي الإجمالي للولايات المتحدة. استنتاج روغوف هو أنه «إذا استمرت سياسة الديون الأمريكية الجامحة في الانهيار في مواجهة أسعار الفائدة الحقيقية المرتفعة وعدم الاستقرار الجيوسياسي، وإذا قيَّدتْ الضغوطُ السياسية قدرةَ الاحتياطي الفيدرالي على ترويض التضخم باستمرار، فستكون مشكلة الجميع».
لطالما كانت مسألة الدين العام هي خط روغوف. وهو مشهور (أو بالأحرى سيِّئ السمعة) بكتابه «هذه المرة مختلفة»، الذي كتبه بالاشتراك مع كارمن راينهارت، والذي ينسبُ الأزمات الاقتصادية والمالية إلى الديون كسبب لها وخاصة ديون القطاع العام، وأنه عندما تصل نسبة الدين العام في بلد ما إلى مستوى معين، تنشأ أزمة عملة، مما يؤدي إلى انهيار الاقتصاد. ولكن تكمن المفارقة في هذه الحجة في أنّ العمل التجريبي الذي أجراه روغوف وراينهارت لدعم هذه الأطروحة قد تم الطعن فيه بشكل قاطع واكتُشِفَت الأخطاء فيه بواسطة أحد طلّاب الدراسات العليا.
والأهم من ذلك: أمران. أولاً، هل الدَّين العام المرتفع هو الذي يسبّب الأزمات أم العكس؟ إنّ النمو البطيء والركود سيؤديان إلى انخفاض الناتج القومي وزيادة عجز الحكومة. ارتفعت نسب ديون القطاع العام بشكل حاد في جميع الاقتصادات الكبرى بشكل رئيسيّ بسبب الأزمات في القطاع الخاص، مما أدى إلى انهيار البنوك والركود. ثم تقوم الحكومات بإنقاذ البنوك والشركات المتعثرة عن طريق إصدار الديون و/أو طباعة النقود (التيسير الكمي) وبالتالي ينتقل عبء انهيار القطاع الخاص إلى القطاع العام ثمّ إلى العمّال من خلال تدابير التقشف المطبَّقة لمحاولة خفض الدين. ثانياً، ما يترتب على ذلك هو أن ارتفاع ديون القطاع الخاص هو الخطر على عملة أيِّ بلد. يتجاهل روغوف هذا الأمر لكيلا يوجِّهَ أيَّ كلمات سيِّئة للقطاع الرأسمالي.
أفول الإمبريالية الأمريكية
يقدم الخبير الاقتصادي الاشتراكي جاك راسموس تفسيراً أفضل بكثير للتراجع النسبي للإمبريالية الأمريكية والدولار. سيتوفر كتابه «غروب الإمبريالية الأمريكية» اعتباراً من تشرين الأول المقبل. وفيه يغطي التراجع التدريجي الذي أصاب هيمنة التصنيع الأمريكية منذ السبعينيات فصاعداً ممّا أدّى إلى فكّ ارتباط الدولار الأمريكي بسعر ثابت للذهب وتصريحات كونالي.
يجادل راسموس بأنّ التناقضات الداخلية داخل الاقتصاد الأمريكي هي التي أضعفت قدرته على الاحتفاظ بهيمنته العالمية. في القرن الحادي والعشرين، لجأت الولايات المتحدة بشكل متزايد إلى الحروب للدفاع عن هيمنتها في مواجهة تحدي تكتل البريكس وقوى المقاومة الأخرى. وصلت الإمبراطورية الأمريكية إلى ذروتها من حيث الهيمنة الاقتصادية العالمية وإلى قمة القوة الجيوسياسية والعسكرية في منتصف العقد الأول من القرن الحالي. منذ ذلك الحين، دخلت الإمبراطورية الأمريكية بجميع أبعادها الرئيسية (الاقتصادية والسياسية والاجتماعية والتكنولوجية وحتى الثقافية) في حالة تراجع. الآن، يُركِّز ترامب أكثر على نصف الكرة الغربي والمحيط الهادئ، ويُعيد ترتيب الأولويات الاستراتيجية كالاستعداد للانخراط مع دول البريكس والصين وروسيا اقتصادياً وغير ذلك، وتأمين مصادر تمويل للتقنيات العسكرية والدفاعية من الجيل التالي.
الرأسمالية والحرب والقطاع الخاص
«الدم والكنز» هو كتاب جديد من تأليف دنكان ويلدون، الذي يُنشر الآن في مجلة الإيكونوميست. يُجادل ويلدون بأن الحرب قد تكون مُكلفة، لكنها كانت ضرورية في بعض الأحيان أيضاً من أجل اكتساب الدول مكانة عالمية بارزة. في الأساس، ما يُحرِّك الحربَ هو الاحتياجات الاقتصادية للدول ونُخبِها. في الواقع، يُمكن لتاريخ الحرب أنْ يُساعد في تفسير الاقتصاد الحديث، كما يُجادل ويلدون. بالنسبة لي، فإنّ التحول الحالي للاقتصادات الكبرى من الرفاهية إلى الحرب ليس مصادفة، بل هو نتيجة الضعف المتزايد في هذه الاقتصادات.
لطالما كانت الرسالة القوية التي وجَّهها الاقتصادي اليساري ستيف كين، بعد كينز، هي أنَّ ما يحدث في القطاع الخاص أكثر أهمية من القطاع العام في أسباب الأزمات والانهيار المالي. إنَّ كين ليس ماركسياً - بل إنه أنفق بعض الحبر على رفض قانون القيمة لماركس واعتبَرَه باطلاً. وبدلاً من رؤية التغيرات في الربحية كمفتاح للأزمات الرأسمالية، فإنه ينظر إلى الديون الخاصة «المفرطة». مع ذلك قدم كين نقداً رائعاً للاقتصاد السائد في كتابه «فضح الاقتصاد». والآن لديه كتاب جديد بعنوان «المال والنمو الاقتصادي الكلي من المبادئ الأولى» لإيلون ماسك ومهندسين آخرين، حيث يفند أفكار إيلون ماسك الاقتصادية، المستندة إلى اقتصاديات السوق الحرة الليبرالية لميلتون فريدمان. وكما يقول كين، فإن الإقراض المصرفي الخاص أكثر خطورة على الاستقرار الاقتصادي من الإنفاق الحكومي. يعتقد كين أن الأزمة المالية العالمية لعام 2008 كانت بسبب فقاعة ديون خاصة. وفي هذا، فهو محق ظاهرياً. ولكن لماذا أصبح الائتمان الخاص «فقاعة» انفجرت؟ من وجهة نظري، كانت هناك قوى في الاقتصاد «الحقيقي» للتراكم والإنتاج كانت الأسباب الكامنة، وهي التغيرات في ربحية رأس المال.
مع تفاقم أزمات الاقتصاد العالمي، يتزايد منتقدو «السوق الحرة» والاقتصاد الكلاسيكي الجديد. ومن أحدث هذه الانتقادات كتابث نات داير «حلم ريكاردو: كيف نسي الاقتصاديون العالَم الحقيقي»، حيث ينتقد الاقتصادَ الحديث لفقدانه الصلة بمخاوف العالَم الحقيقي التي حفزت في الأصل الاقتصاديين الكلاسيكيين مثل ديفيد ريكاردو، الذي درس توزيع الثروة والتجارة وديناميكيات العمل بعبارات ملموسة. بدلاً من ذلك، يجادل داير بأنّ الاقتصاد المعاصر أصبح تجريدياً بشكل مفرط، تهيمن عليه نماذج رياضية تتجاهل الحقائق التاريخية والسياسية والاجتماعية. يدعو داير إلى وجوب أن «يستعيد الاقتصاد الاتصالَ بالتاريخ وعلم الاجتماع والعلوم السياسية» - تماماً مثل نهج ريكاردو. حجج داير ليست جديدة، حيث طرح العديد من المؤلفين الذين سبقوه النقاط نفسها. لكن كتابه يوفر رحلة ممتعة للقارئ.
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 1245