مراجعات لكتب حديثة عن أزمة الدولار والرأسمالية والصين (2)
مايكل روبرتس مايكل روبرتس

مراجعات لكتب حديثة عن أزمة الدولار والرأسمالية والصين (2)

نكمل في هذه المادة استعراض أبرز ما جاء في مراجعات قام بها الباحث الاقتصادي المعروف مايكل روبرتس مؤخَّراً لبعض الكتب المنشورة حديثاً (2025) حول اتجاهات الاقتصاد العالمي وأزمة الدولار الأمريكي، بما في ذلك كتب حديثة عن الصين.

تعريب وإعداد: د. أسامة دليقان

كتاب «المشروع النيوليبرالي وتفكيك الديمقراطية» بقلم كوين سلوبوديان، احتوى على سرد مكشوف لكيفية تحول الاقتصاد الكلاسيكي الجديد، كما قدمه اقتصاديون موضوعيون مفترَضون مثل فريدريك هايك، إلى سياسات نيوليبرالية للخصخصة، وضرب النقابات، وتدمير الخدمات العامة وإلغاء القيود التنظيمية. ويجادل سلوبوديان بأن الليبراليين اليمينيين المناهضين للديمقراطية الحاليّين لا يعارضون التجارة الحرة والأسواق (باستثناء العَمالة المهاجرة) وهم «النسل غير الشرعي لهذا الخط الفكري». هؤلاء الأوغاد يؤمنون بالفصل العنصري: لا ينبغي خلط الأعراق، ويزعمون أنّ العرق الأبيض هو الذي يتمتع بمعدّلات ذكاء أعلى، متذرّعين بتطوُّر تكنولوجيا المعلومات في «الشمال» العالمي. ففي خضم الأزمة العالمية، اضطر ميزس وهايك، وهما من أبناء مذهب «السوق الحرة»/الليبرالية الجديدة، إلى الدعوة للهروب من «الديمقراطية» إلى أطر اجتماعية وسياسية وصائية وحتى قمعية. وكذلك يبدو أنّ أزمة الدولار تجبرهم حتى على الاعتراف باللجوء إلى ما له قيمة حقيقية مثل «الذهب»، حيث ناديا بالتخلّص من أموال الدولة والتوجه إلى «المعدن الثقيل في اليد». ويجدر بالذكر أنّ هايك جادل في كتابه «الطريق إلى العبودية» بأن سيطرة الدولة (ويقصد الدولة الرأسمالية) ستقضي في نهاية المطاف على «الديمقراطية» وحرية اقتصاد السوق.

ذهب هايك إلى تشيلي بعد الانقلاب العسكري الذي نصَّب الجنرال بينوشيه. كما نظَّم اجتماعات جمعية مونت بيليرين الليبرالية المؤيِّدة للسوق الحرة في (فينا ديل مار) في تشيلي عام 1981، في ذروة الديكتاتورية. وأجرى مقابلة مع صحيفة إل ميركوريو المؤيدة للحكومة (لم تكن هناك بالطبع أي صحف مناهضة للحكومة في ذلك الوقت) حيث نُقل عنه قوله «أميل إلى ديكتاتورية ليبرالية وليس إلى حُكومة ديمقراطية حيث تكون كلّ الليبرالية موجودة». يجادل سلوبوديان بأن هذه الآراء انتشرت في القرن الحادي والعشرين مع أمثال جايير بولسونارو في البرازيل، وميلي في الأرجنتين، وسيباستيان كورتس في النمسا، ودونالد ترامب في الولايات المتحدة.

كُتب جديدة عن الصين

صدر كتابان جديدان عن الصين. في كتاب «الصين في صعود: تحوُّل القوة الهيكلية في عصر التعددية القطبية»، يستند إيفي جان جوركان وكان دوندوران إلى مفهوم «القوة الهيكلية» للباحثة الاقتصادية البريطانية الراحلة سوزان سترينغ لتفسير صعود الصين. ولكنهم يحبّون نهج سترينغ للتنمية لأنّ نهجها انتقائي، يجمع بين «رؤى من وجهات نظر مختلفة، بما في ذلك الواقعية والليبرالية والبنائية والماركسية». وصحيح أنّ المؤلِّفَين باستخدام هذا المزيج الفكري جادلا بأن الصين لم تنهض لأنها قوة سياسية عدوانية؛ بل كان صعودها يرجع إلى «التنمية الاقتصادية الهيكلية»، لكن مع ذلك [يقول روبرتس] يبدو لي أنّ الكتاب يفتقر إلى أيِّ رسالة واضحة حول الأسباب العميقة لصعود الصين.

أمّا الخبير الاقتصادي الصيني (شياوهوان لان) فيتّحدث بشكلٍ أكثر دقة في كتابه: «كيف تعمل الصين». هذا الكتاب من أكثر الكتب مبيعاً في الصين. ويجادل مؤلِّفُه بأنّ صعود الصين لا يرجع في المقام الأول إلى صعود قطّاعها الرأسمالي، بل يرجع بشكل رئيسيّ إلى دور الدولة. ولكن مع ذلك يتابع المؤلِّف فيقول إنّ «التأكيد على دور الحكومة لا يعني بالتأكيد الدعوة إلى اقتصاد مخطَّط». ويدَّعي أنه لا يوجد الآن اقتصاد مخطط على الطراز السوفييتي في الصين، وأنّ مثل هذا الحديث «خارج الموضوع». إنّني أجد هذا الاستنتاج غريباً وغير متوافق مع سياسة الحزب الشيوعي، والتي رغم أنها قدنأن لا تكون تخطيطاً مركزياً على الطراز السوفييتي، لكنّها لا تزال سياسةً تقدِّم خطّةً مدتها خمس سنوات لأهداف التنمية في الصين، وتعمل على أن تلتزم بالخطّة كلُّ من جهاز الدولة والقطاع الخاص. يعتقد شياوهوان لان أنّ النظام الاقتصادي الصيني يتكوّن من ثلاثة مكونات: حكومات محلية ذات قدر كبير من الموارد وحرية كبيرة في التصرف، وحكومة مركزية قوية ذات قدرة قوية على التنسيق والتحكم، ونظام بيروقراطي منظم جيداً مع رأس مال بشري قوي. لكنني [روبرتس] أعتقد أنه من المهمّ أن نضيف: قطاعَ التمويل المملوك للدولة والمؤسسات الحكومية الكبيرة في جميع القطاعات.

تناقضات الرأسمالية في القرن 21

نشر الخبير الاقتصادي الفرنسي توماس بيكيتي كتاباً جديداً يروي حواراً بينه وبين مايكل ساندل. بيكيتي معروفٌ لدى كثيرين بأنه الخبير الكبير في عدم المساواة في الثروة في جميع أنحاء العالم، ويشتهر بكتابه السابق «رأس المال في القرن الحادي والعشرين» الذي اقتحم وسائل الإعلام الاقتصادية السائدة منذ أكثر من عشر سنوات.

يُدرّس مايكل ساندل الفلسفة السياسية في جامعة هارفارد، ووُصف بأنه «عالِم أخلاقي لامع» (نيوزويك) و«أكثر فيلسوف حيّ تأثيراً في العالم». (نيو ستيتسمان).

في كتابهما المشترك «المساواة: معناها وأهميتها»، يناقش بيكيتي وساندل كيفية الحدّ من (أو القضاء على) عدم المساواة في العالم. لكنهما يريان بأنّ الطريق إلى ذلك ممكن عبر ضوابط على رأس المال لمنع الأغنياء والشركات من إخفاء ثرواتهم في الملاذات الضريبية عالمياً، كما يدعو بيكيتي إلى العودة إلى الضرائب التصاعدية على الدخول التي ألغتها تدريجياً الحكومات النيوليبرالية منذ 40 عاماً. فيبدو أن بيكيتي وساندل يتفقان على شكل من أشكال «الاشتراكية الديمقراطية»، والتي تتلخّص في زيادة توفير الخدمات العامّة، بما في ذلك الصحة والتعليم، وإدخال تمثيل أقوى للعمّال في مجالس إدارة الشركات «لتوسيع المشاركة والانخراط في عملية صنع القرار في جميع أنحاء الاقتصاد». ولكن بالنسبة لي [مايكل روبرتس]، يبدو أنّ هذا يعود إلى سياسات الديمقراطية الاجتماعية، وتحديداً محاولة الإصلاح التدريجي للرأسمالية عسى أن تصبح أكثر عدالة وسهولة في الإدارة؛ وهي سياسات فشلت فشلاً ذريعاً في سبعينيات القرن الماضي عندما انتهى العصر الذهبي للرأسمالية بعد الحرب. فالمشكلة هنا إذاً تكمن في عدم رؤية التناقض الذي يفسّر السبب العميق لوجود عدم المساواة. وكان هذا أيضاً بالمناسبة أحد مَواطن الضعف في العمل الضخم الذي قدّمه بيكيتي في عام 2014. إنّ السبب العميق لعدم المساواة في الرأسمالية ينشأ من استغلال رأس المال للعمل [هذا هو التناقض الأساسي]، وبالتالي لن يتم التخلّص من عدم المساواة أو حتّى الحدّ منه بشكل كبير، بمجرّد الاكتفاء بمحاولة إعادة توزيع الثروة والدخل بواسطة سياسات الضرائب التصاعدية أو تحسين الخدمات العامة فقط، فاستمرار التراكم الرأسمالي سيؤدي بالضرورة إلى المزيد من الاستغلال وتفاقم عدم المساواة.

الأزمة التاريخية: نهاية الرأسمالية أو نهاية البشرية

وأخيراً، يقدم ويليام آي. روبنسون تحليلاً «للصورة الكبيرة» للأزمة العالمية للرأسمالية، في كتابه، «الأزمة التاريخية: استنزاف الرأسمالية العالمية»، الذي سيُنشر في أكتوبر الجاري (2025). ويعتقد روبنسون أنّ التناقضات المتنامية في الرأسمالية تتفاقم وتخرج عن نطاق السيطرة، في حين أن قدرة الرأسمالية على تحقيق التجديد الرأسمالي العالمي قد استنفدت. تفقد الرأسمالية قوتها الإنتاجية وتدخل في أزمة غير مسبوقة ومتعددة الأبعاد. يقدم روبنسون أدلة نظرية وتجريبية على حد سواء ليجادل بأن هناك تراجعاً لا رجعة فيه في قدرة الرأسمالية على إعادة إنتاج نفسها. قد تؤدي التقنيات الرقمية الجديدة (الذكاء الاصطناعي وما إلى ذلك) إلى تجديد حياة الرأسمالية العالمية ولكن لفترة مؤقتة فقط. الإطار الزمني لمثل هذا الاستنزاف لن يتجاوز بضعة عقود على الأكثر. ويستعرض روبنسون المبادئ الأساسية للاقتصاد السياسي الماركسي ونظرية الأزمة والمكونات السياسية والبيئية لهذا الاستنزاف. تنبع الأزمات الهيكلية/البنيوية من ظهور عقبات أمام عملية التراكم المستمرة، أي تحقيق الربح. أزمات التراكم هي في الواقع نتيجة للتراكم المفرط؛ أو الإفراط في إنتاج رأس المال بالنسبة للربحية. ويحذّر روبنسون من أنّه إذا لم تتم مواجهة الرأسمالية بنضال طبقي للإطاحة بها، فإنّ النظام قد يستمر على هذا الوضع لعقود قبل أنْ ينهار المحيط الحيوي وتنهار إعادة الإنتاج الاجتماعي على نطاق واسع. ولذلك من المستحيل فصل السياسة عن الأزمة التاريخية للرأسمالية العالمية.

معلومات إضافية

العدد رقم:
1246