لمحة علمية عن تقنيات «استمطار السُّحب»
استمطار السُّحب نوع من تعديل الطقس لتغيير كمية أو نوعية هطول الأمطار، عن طريق تشتيت مواد في الهواء تعمل لتكثيف السُّحب، أو كمكوِّن للنوى الجليدية، والتي بدورها تُغيِّر العمليات الفيزيائية الدقيقة داخل السحابة. يمكن أن تُسْتَمطَرَ السُّحب بطرائق عديدة (الثلج الجاف، ويوديد الفضة، ويوديد البوتاسيوم) وهي المواد الكيميائية الثلاث الأكثر استخداماً. وتُسْتَمطَرُ السُّحب لتعزيز هطول الأمطار في منطقة ما، وتشتيت الضباب والغيوم بحيث يبقى المكان جافاً، وتقليص الغطاء السحابي، وتنقية الهواء من التلوُّث، والمساعدة بإطفاء حرائق الغابات.
تلخيص: قاسيون
ندرة الوصول للمياه العذبة عالمياً
الماء أهم مورد متجدِّد طبيعياً. وتُعدُّ الأنهار والخزانات والمياه الجوفية المصادرَ التقليدية الأساسية للمياه، إضافة للبحيرات والأنهار. هذه الموارد في خطر بسبب الطلب المتزايد، وتغيير أنماط استخدام الأراضي والتوسُّع السكاني.
شهد توافر المياه تدهوراً مطّرداً في أجزاء كبيرة من العالم في السنوات الأخيرة. وتشارك العديد من الدول التي تقع في الأجزاء شبه القاحلة في مشاريع هندسة المناخ على أمل توسيع وصولها إلى موارد المياه العذبة.
يغطي الماء حوالي 70% من سطح كوكبنا. ولكن المياه العذبة التي نشربها، ونستحمُّ بها، ونستخدمها لري حقولنا الزراعية نادرة للغاية؛ إذ إنّ 3% فقط من المياه على الأرض مياه عذبة، ومن هذه الـ 3% ثلثاها محبوسة في الأنهار الجليدية، أو يتعذَّر على البشر الوصول إليها. لهذا السبب، هناك ما يقرب من 1.1 مليار شخص حول العالم لا يحصلون على المياه، وما مجموعه 2.7 مليار شخص يعانون من ندرة المياه لشهر واحد على الأقل من السنة. ويؤثِّرُ الصرف الصحي غير الكافي على 2.4 مليار شخص، وهو مشكلة أخرى؛ لذا، فإنَّ هؤلاء الأفراد معرَّضون لخطر الإصابة بالأمراض التي تنقلها المياه، مثل: الكوليرا، وحمى التيفويد من بين أمراض أخرى. تسبب أمراض الإسهال وحدها في كلِّ عام وفاة مليوني شخص، معظمهم من الأطفال.
تكوين السحابة
تتكوَّن السُّحب نتيجةً لبخار الماء الناتج عن ارتفاع درجة الحرارة على الأرض. وحينما يرتفع البخار يبرد. والجسيمات المحمولة بالهواء من أنواع مختلفة تصطدم بالبخار، الذي يتكثَّف حولها في عملية كيميائية تعرف باسم تكثيف النوى. وتنتج هذه العملية جزيئات أكبر من قطرات الماء. وتستمرُّ قطرات الماء خفيفة الوزن بالطيران وتشكِّل الغيوم التي نعرفها. تتطلَّب هذه العملية لتشكيل السحب ظروفاً جوية معينة، من أهمِّها: الرطوبة النسبية العالية بين 60% إلى 100%.
منهجية استمطار السحابة
تحدث العاصفة الممطرة حينما تتجمَّع الرطوبة حول الجسيمات المحمولة في الهواء بصورة طبيعية، كالغبار والرمل، ممَّا يوصل الهواء إلى نقطة التشبُّع التي عندها لا يعود بإمكانه الاحتفاظ بالرطوبة، فتتساقط القطرات على صورة مطر. يؤدِّي استمطار السُّحب إلى تسريع العملية، وذلك عن طريق إضافة مزيد من «النوى» التي يمكن أن تتكثَّف حولها قطرات الماء. وكنواة يمكن استخدام الأملاح (يوديد الفضة، ويوديد البوتاسيوم) أو الجليد الجاف (ثاني أوكسيد الكربون في حالة صلبة)، وهذه هي المركبات الأكثر استخداماً في عملية استمطار السُّحب. يمكن أن تُنتجَ بلورات ثلجية عند درجات حرارة أعلى من يوديد الفضة. وأصبح استخدام المواد الاسترطابية، مثل: ملح الطعام، أكثر انتشاراً نتيجة للأبحاث الإيجابية. حينما تتراوح درجات الحرارة داخل السُّحب بين 7 و20 درجة مئوية، يحدث مزيد من تساقط الثلوج أثناء استمطار السُّحب. ويحدث تجميد النوى بسبب إدخال مادة كيميائية (مثل يوديد الفضة) ذات بنية بلورية مماثلة للموجودة في الجليد.
تُسْتَمطرُ السُّحب بواسطة ثلاث طرائق متميزة (حسب الظروف الجوية للغيوم، ونوع السُّحب المستهدفة): استمطار سحابة استرطابية، واستمطار سحابة ساكنة، والاستمطار الديناميكي للسُّحب.
استمطار سحابة استرطابية
يُشير مصطلح استرطابي إلى قدرة المادة على امتصاص رطوبة الماء من الهواء، ويستخدم استمطار سحابة استرطابية في السُّحب الدافئة، السائدة في الإمارات العربية المتحدة، والتي تستخدمها لأنَّ السُّحب عبارة عن ركام الحمل الحراري. وتستخدم هذه المنهجية معادن الملح، مثل: الصوديوم والبوتاسيوم والمغنيسيوم، والتي يعتقد أنها الأجنَّة التي تتكوَّن منها قطرات المطر، إذ أنها تزيد من حجم القطرات، ممَّا يسرِّع من التكثيف الكيميائي، ويزيد احتمالية هطول الأمطار.
استمطار سحابة ساكنة
يتم نشر يوديد الفضة في السُّحب، المعروف أيضاً بالجليد الجاف. وعلى عكس استمطار السُّحب الاسترطابية، تطبق هذه الطريقة على السُّحب ذات الأساس البارد بدرجات حرارة تتراوح من سالب 10 إلى سالب 25. ومن ثمّ يجب استخدام المواد الجليدية في هذه المنهجية؛ لأنّهَا تزيد من تركيز بلورات الجليد في السُّحب، إمَّا عن طريق تكوين بلورات جديدة، أو عن طريق تجميد قطرات باردة. ولا يتضمَّن الاسم «استمطار السُّحب الساكنة» حركة الهواء؛ لأنَّ جميع الظروف مستقرة أثناء العملية. هناك قيود على الظروف الجوية التي يجب أن تكون موجودة حتى يُرى استمطار السُّحب الساكنة. ولا يمكن تطبيق هذه المنهجية في كل مكان، والحصول على نتائج ناجحة في منطقة ما لا يضمن أن يحدث الشيء نفسه في منطقة أخرى، ما لم تشبه ظروف الغلاف الجوي.
الاستمطار الديناميكي
لعلَّ الفرقَ الرئيس بين استمطار السُّحب الساكنة والديناميكي الذي يؤثِّر على العملية تأثيراً كبيراً هو حركة الهواء. إنَّ الهدف من استمطار السُّحب الديناميكي هو زيادة التيارات الهوائية العمودية، ممَّا يسمح بمرور كمية كبيرة من قطرات الماء عبر السُّحب، وبالتالي، يزيد من فرص هطول الأمطار. وتطبق هذه الطريقة على السُّحب الباردة أيضاً، والمواد المستخدمة جليدية أيضاً. ومع ذلك، يتطلَّب الاستمطار الديناميكي للسُّحب مواد أكثر بكثير من الطريقة الساكنة. والاستمطار الديناميكي للسحب منهجية معقَّدة تتضمَّن قائمة طويلة من الخُطُوات، يجب تنفيذ كلٍّ منها بصورة صحيحة، أو يجب تكرار العملية بأكملها.
مزايا استمطار السُحب
قد يكون الاستمطار الطريقة الوحيدة لإنتاج المطر في المناطق الجافة وقليلة الأمطار. ويفيد بزيادة النشاط الاقتصادي والزراعي وتحسين الظروف المعيشية في المناطق القاحلة بصورة كبيرة. وفي تنظيم الطقس والتحكم به في منطقة معينة. فالاستمطار يفعّل ما هو أكثر من إنتاج المطر، حيث ينظِّم بخار الماء، ويمنع الأضرار التي تسبّبها حبّات البَرَد المدمِّرة والعواصف. كما ويجعل الأماكن الجافة قابلة للعيش وصالحة للسكن والسياحة.
عيوب استمطار السُحب
أولاً: احتمال ضرر المواد الكيميائية المستخدمة في استمطار السُّحب، فلديها القدرة على الإضرار بالبيئة، ولا سيَّما النباتات التي تهدف استمطار السُّحب إلى حمايتها. لم يكن هناك بحث مهم في الآثار البيئية لليود الفضي. هنالك نوع من تسمُّمٍ يسبِّبه اليود، إذ يعاني المريض من سيلان الأنف، والصداع، والطفح الجلدي، وفقر الدم، والإسهال من بين أعراض أخرى. اكْتُشِفَ لاحقاً أنَّه شديد السميَّة للأسماك والماشية والبشر.
ثانياً: يستلزم استمطار السُّحب وجود غيوم ممطرة، ولن يعمل على تشكيل سحابة أخرى، وقد تنتقل السُّحب المستمطَرة إلى موقع آخر، وتتسبَّب في هطول الأمطار في غير الموقع المقصود.
ثالثاً: إنتاج مطر صناعي مكلف للغاية، إذ يجب نقل المواد الكيميائية إلى الهواء عبر الطائرات، والتي يصعب الوصول إليها في المناطق ذات الدخل المنخفض. قد تكون هناك حاجة لاستمطار السُّحب في المناطق المنكوبة بالفقر، التي تعاني من الجفاف أو المجاعة.
رابعاً: إذا لم تُنظَّم أو يتم التحكم بها بصورة صحيحة، فيمكن أن يؤدِّي استمطار السُّحب إلى ظروف مناخية غير مرغوب فيها، مثل: الفيضانات، والعواصف، ومخاطر البَرَد، وما إلى ذلك. لا تحتوي الأماكن التي لا تسقط عليها أمطار غزيرة أو التي لا تسقط فيها على الإطلاق عادةً على البنية التحتية للتعامل مع كثير من الأمطار. هذه المناطق قد تغمرها المياه بسرعة نتيجة استمطار خاطئ للسُّحب.
المصدر: مراجعة بعنوان «استمطار السحب» بقلم الدكتور غسان سالم، صادرة عام 2022 عن مركز البيان للدراسات والتخطيط (مؤسسة بحثية غير حكومية مقرّها في بغداد، العراق).
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 1084