محطة الضبعة النووية نموذج لإعمار غير غربي

محطة الضبعة النووية نموذج لإعمار غير غربي

انطلقت في 20 يوليو/تموز 2022 عملية بناء الصبّة الخرسانية لأول وحدة بمشروع «الضبعة» للمحطة النووية المصرية المدعوم روسياً. وصرّح أليكسي ليخاتشوف المدير العام لمؤسسة الطاقة الذرية الروسية الحكومية (روساتوم) بأنّ هذا «من أكبر المشاريع بين روسيا ومصر منذ إنشاء السد العالي بأسوان». كذلك سبق للسفير الروسي في مصر، جيورجي بوريسينكو أن شبّه المشروع بأنه «من حيث الأهمية، يقارن بمشروع بناء السد العالي الكهرومائي في أسوان، الذي تمّ بين بلدينا في العهد السوفييتي في ستينات القرن الماضي». تضيء المادة التالية على بعض تفاصيل هذا المشروع الذي يستحق التعلّم منه كنموذج لمشاريع مستقبلية للطاقة من أجل إعمار سورية الجديدة ما بعد الحلّ السياسي.

يهدف المشروع إلى بناء 4 وحدات من الطراز الروسي للجيل الثالث المطوّرVVER-1200 (AES-2006) من مفاعلات الماء المضغوط، بقدرة 1200 ميغاوط لكل وحدة (بإجمالي 4800 ميغاواط للوحدات الأربع)، في مدينة الضبعة بمحافظة «مطروح» على ساحل المتوسط (130 كيلومتراً شمال غرب القاهرة). وتوجد في روسيا نفسها 4 وحدات نووية عاملة من الطراز نفسه، اثنتان منها في محطة نوفو- فورونيج واثنتان في محطة لينينغراد.

ميزة العقود مع «روساتوم»

لن يقوم الجانب الروسي ببناء محطة الضبعة فحسب، بل سيزودها أيضاً بالوقود النووي الروسي لدورة حياتها بأكملها، إضافة إلى تدريب الموظفين والصيانة خلال 10 سنوات الأولى من تشغيلها، وبناء حاويات لتخزين الوقود النووي المستهلَك. وفي حين نشر معهد واشنطن انتقاداً بعنوان «المشروع النووي المصري باهظ الثمن» تناول القرض الروسي لمصر– كشف الدكتور المصري يسري أبو شادي (الذي كان أستاذاً ورئيس قسم الهندسة النووية بجامعة الإسكندرية حتى عام 1982 وكبير المفتشين السابق في الوكالة الدولية للطاقة الذرية، وعضو المجلس المصري للشؤون الخارجية حالياً) معلومةً مهمة في تصريح له في آذار 2021 عندما قال: «إنّ الاتفاق الرئيسي كان بقيمة 25 مليار دولار كحد أقصى للمفاعلات الأربعة» أي 6.25 مليار دولار للمفاعل الواحد... ولكن من يعرف تفاصيل العقد سيجد أنّ مصر لن تدفع أيّ ملّيم من هذا القرض إلّا بعد بناء المفاعلات كلّها وتشغيلها بنحو 3 سنوات. أي إنّ المفاعلات سوف تستعيد ثمنها خلال 5–6 سنوات...». كما أنّ العمر التصميمي للمحطة هو أنْ تعمل لأكثر من 60 عاماً، وسيقتصر مصروفها خلال ذلك على ثمن الوقود والصيانة فقط.

مراحل التنفيذ الثلاث

أولاً: انطلاق تجهيز موقع الإنشاء منذ ديسمبر 2017 والمدة 2.5– 4 أعوام. ثانياً: أعمال البناء والتشييد وتدريب العاملين استعداداً لبدء باختبارات ما قبل التشغيل، والمدة 5.5 عاماً. ثم المرحلة الثالثة والأخيرة: اختبارات ما قبل التشغيل الفعلي وتستمر حتى التسليم المبدئي للوحدة النووية وإصدار ترخيص التشغيل، وتصل مدة اختبارات ما قبل التشغيل إلى 11 شهراً.

«مدرسة متفوّقين» نووية في الضبعة

وفقاً لمجلة الطاقة النووية المصرية (العدد الثاني، أبريل 2021) تأسست عام 2017 قرب المحطة النووية بالضبعة «المدرسة الفنية المتقدمة لتكنولوجيا الطاقة النووية بالضبعة»، الأولى من نوعها في مصر والشرق الأوسط لتخريج كوادر فنية للطاقة السلمية النووية لصالح الدولة. المساحة 8.5 فدان تضم مبنىً تعليمياً بسعة 375 طالباً (15 فصلاً)، و10 معامل و3 ورش فنية، على 3 آلاف و260 متراً مربعاً، إضافة إلى سكن الطلاب والمعلمين.
وتقبل الحاصلين على الشهادة الإعدادية، على ألّا يزيد عمر المتقدم على 18 عاماً، وبشروط مسبقة: الحصول على 95% على الأقل في الرياضيات واللغة الإنكليزية والعلوم، وإتقان استخدام الحاسب الآلي واجتياز الكشف الطبي واختبار السمات الشخصية من التفكير الإبداعي والذكاء، والنجاح بالمقابلة.
حتى 2022 مضى على عمل المدرسة 5 أعوام تقريباً (وهي مدة الدراسة للتخرج منها أيضاً) وفيها ثلاثة تخصصات فنية (كهرباء- ميكانيك- إلكترونيات) بدعم وتدريب مختصين في الهيئات النووية الثلاث التابعة لوزارة الكهرباء والطاقة المتجددة المصرية (هيئة المحطات النووية لتوليد الكهرباء، وهيئة الطاقة الذرية، وهيئة المواد النووية).
ووفقاً للمجلة: «يتم تدريس اللغة الروسية لطلاب مدرسة الضبعة النووية، ليتمكنوا من التعامل مع الخبراء الروس المسؤولين عن بناء وتأسيس المحطة النووية الأولى في مصر بالإضافة إلى المزايا التي تضيفها هذه اللغة إلى خبراتهم في التعلم والفهم لكل ما يدور في المحطة النووية، بالإضافة إلى فرصة استكمال الدراسة في موسكو، حيث من المنتظر ابتعاث مجموعات من الطلبة المتفوقين للتدريب والدراسة هناك، في المستقبل القريب كنوع من التحفيز والتأهيل للطالب في مختلف مراحل وأساليب العمل في المجالات السلمية للطاقة النووية بحيث لا يقلّ خبرةً أو تأهيلاً عن العمالة الفنية في الدول المتطورة في استخدامات الطاقة النووية، وبما يجعل هذه المدرسة مصنعاً حقيقياً لكفاءات فنية متطورة ستخدم مستقبل مصر».

أفضليات مفاعلات VVER الروسية على بقية مفاعلات الماء المضغوط

تذكر روساتوم معايير أمان عالية استفادت من دروس الحوادث النووية كتشرنوبل وفوكوشيما: (1) تصميم أفقي لمولدات البخار تؤمّن حماية أفضل. (2) قضبان الوقود مجمّعة بشكل مضلعات سداسية تسمح بالتفكيك والتجميع السريع لاستبدالها بحال التسريب. (3) تجنب اختراقات قاع وعاء المفاعل. (4) أجهزة ضغط عالية السعة.
أوّل مَن اقترح مفهوم مفاعل VVER كان عالم الفيزياء النووية السوفييتي سافيلي مويسيفيش فينبرغ S.M. Feinberg من معهد كورتشاتوف، وبدأ التصميم عام 1955 في مكتب التصميم التجريبي الحكومي OKB Gidropress بتنسيق من كورتشاتوف وألكسندروف. اشتغل أول مفاعل سوفييتي بهذا المبدأ عام 1964 في نوفوفورونيج وتوالت تطويراته وصولاً بعد العام 2006 إلى «الجيل الثالث بلس» VVER-1200 وهو الأحدث في الخدمة، وهو نفسه المعتمد في مشروع الضبعة، وقبله أيضاً في عدة محطات في بلدان أخرى، منها مثلاً محطة أكويو التركية (ذات الاستطاعة المساوية تماماً لمحطة الضبعة).

نشأة مفاعلات الماء المضغوط

بدأت الولايات المتحدة بعد الحرب العالمية الثانية أبحاثاً للدفع النووي للسفن، فبنت عام 1953 (لهذا الغرض غير السلمي) أوّل نموذج لمفاعل الماء المضغوط PWR لأوّل غواصة نووية أمريكية (يو إس إس نوتيلوس SSN-571) اشتغلت عام 1955. وأول محطة بمفاعل ماء مضغوط لغرض سلمي فظهرت في Shippingport الأمريكية عام 1957.
أما السوفييت فطوّروا بشكل مستقل نموذجهم الخاص من مفاعلات الماء المضغوط أواخر الخمسينات، وأطلقوا عليها مصطلحهم الخاص وهو VVER (فودو-فوديانوي إينرغيفيشيسكي رياكتور) وتعني «مفاعل طاقة ماء- ماء» للدلالة على استخدام الماء العادي (الخفيف) لوظيفتي إبطاء النيوترونات والتبريد.

السوفييت أوّل من غذّى شبكة كهربائية بمحطة نووية

رغم أنّ محطة اختبار المفاعل النووي الأمريكي المسمى EBR-1 في ولاية أيداهو الأمريكية، كانت أوّل محطة نووية «تولّد الكهرباء» في العالم، ولكنّها ليست أوّل محطة نووية «تغذّي شبكة كهربائية» في العالم. فالمحطة الأمريكية التي احتُفِلَ بتشغيلها عند الساعة 1:50 مساءً في 20 ديسمبر/كانون الأول عام 1951 لم تنتج آنذاك سوى ما يكفي لإضاءة أربع لمبات كهربائية فقط بقدرة 200 واط، ثم لاحقاً حوالي 100 كيلوواط من الكهرباء (ما يكفي لتشغيل المعدّات في مبنى المفاعل الصغير فقط).
أمّا أوّل محطة طاقة نووية في التاريخ على مستوى صناعي قادرة على تغذية شبكة كهربائية لحوالي 2000 منزل، فقد كانت سوفييتية؛ وباعتراف الموقع الرسمي للوكالة الدولية للطاقة الذرية: «في الساعة 5:30 مساءً بتاريخ 26 يونيو/حزيران 1954، في بلدة أوبنينسك، بالقرب من موسكو السوفييتية، تم توصيل أول محطة للطاقة النووية بشبكة كهرباء لتأمين الطاقة للسكان والأعمال». حتى أنّ بناءها بدأ بتاريخ 1-1-1951 وكان تصميم مفاعلها الذي سمّي AM-1 (آتوم ميرني- «الذرة السلمية» بالروسية) نموذجاً أولياً استخدم الغرافيت (بدل الماء) كوسيط لإبطاء النيوترونات، والماء العادي للتبريد، ونسبة 5% يورانيوم مخصَّب. وبقدرة كهربائية إجمالية 6 ميغاواط، وصافي حوالي 5 ميغاواط (5000 كيلوواط)، وناتج حراري 30 ميغاواط. وللمقارنة تقول الوكالة الدولية للطاقة الذرية «تبلغ قدرة محطة طاقة نووية نموذجية اليوم حوالي 1000 ميغاواط، وتكفي لـ 400 ألف منزل».

معلومات إضافية

العدد رقم:
1080