موجة الحرّ «العربي» بأوروبا تفضح المبالغات بكفاءة الألواح الشمسية
شهد الأسبوع الماضي موجة حرّ استثنائية في عدة مناطق في العالم كان من نتائجها في أوروبا انكشاف حقيقة علمية لم تكن معروفة كثيراً على نطاق واسع وهي أنّ كفاءة ألواح الطاقة الشمسية الشائعة لا ترتفع بل تنخفض مع ارتفاع درجة الحرارة فوق 25 درجة مئوية، وهي معلومة كانت «صادمة» لمعظم الناس، وخاصةً مع تضخيم أهمية الطاقة الشمسية في المزيج الطاقي الذي روّج له عبر سنوات من الشركات والحكومات وأحزاب «الخُضر»، وهي بروباغاندا كانت وما زالت معادية على نحوٍ غير عِلمي وغير مبرَّر لمزيج طاقي أكثر عقلانية تدخل فيه بشكل مهم الطاقة النووية وغيرها.
وفي بلادنا الدافئة والحارة تصبح لهذه المشكلة أهمية خاصة، ولا سيّما إذا علمنا أنّ كريس هيويت، الرئيس التنفيذي لشركة طاقة شمسية في المملكة المتحدة صرّح مؤخراً: «عليكم أن تتذكروا بأن الألواح الشمسية تعمل في جميع أنحاء العالم، والتقنية نفسها التي نركّبها على أسطحنا تُستخدم في مزارع الطاقة الشمسية في صحراء المملكة العربية السعودية»! ومع أنّ الطاقة الشمسية ليست الوحيدة التي تتأثر سلباً بارتفاع درجات الحرارة، لكن هذا لا يمنع من طرح تساؤل مهم: إذا كانت الألواح الشمسية كشفت عن نكسة في كفاءتها في بريطانيا خلال تعرّضها استثنائياً لحرٍّ «عربي»، أفلا يعني هذا بأنّ سوء كفاءتها يمثّل القاعدة وليس الاستثناء في بلادنا؟ مما يستدعي فتح تحقيقات علمية واقتصادية وحتى سياسية بسبب التضخيم والمبالغات والفساد بتجارة الألواح الشمسية وسماسرتها، وخاصةً عندما تصرف عليها أموال طائلة على حساب مشاريع طاقة وطنية أكثر كفاءة وثباتاً.
كان الكثيرون يعتقدون أن الحرارة الحارقة في الأيام القليلة الماضية ستكون ظرفاً مثالياً لأنظمة الطاقة الشمسية الكهروضوئية، التي تحوّل ضوء الشمس مباشرة إلى كهرباء، لكن في 20 يوليو/تموز 2022، قالت الشركة البريطانية Solar Energy UK نقلاً عن بيانات من موقع Sheffield Solar PV Live إن توليد الطاقة الشمسية في البلاد «لبّى حوالي ربع احتياجات الكهرباء في المملكة المتحدة». وأضافت الرابطة التجارية أنه في غضون 24 ساعة «وفرت مجموعة الطاقة الشمسية حوالي 66.9 غيغاواط/ساعة، أو 8.6% [فقط] من احتياجات الكهرباء في المملكة المتحدة».
ونقلت جريدة ديلي ميل البريطانية عن خبراء، تحذيراتهم بأنّ لموجة الحر تأثيراً سلبياً على الطاقة الشمسية رغم زيادة ضوء الشمس، وخاصة على خلفية اندلاع حريق في مزرعة للطاقة الشمسية في «فيروود دورست» مما أدى إلى إتلاف 81 ألفاً و400 لوح شمسي، حيث احترقت قطعة من العشب بمساحة 500 × 330 قدماً لمدة ثلاث ساعات في الموقع الذي تبلغ مساحته 113 فداناً.
ووفقاً للمجموعة التجارية المذكورة، يصل إنتاج الطاقة الشمسية في المملكة المتحدة إلى مستوى إنتاجه الأمثل عند درجة حرارة حوالي 25 درجة مئوية. وحذّر الخبراء من التأثير العكسي لارتفاع درجات الحرارة على توليد الطاقة الشمسية حتى بمقدار يعتبر في البلاد المتوسطية والإفريقية أمراً معتاداً وليس «شديد الحرّ»، حيث ذكروا رقم 32 درجة مئوية في بريطانيا الأسبوع الماضي بوصفه ذا تأثير سلبي على توليد الطاقة الشمسية، مما يطرح إشارة استفهام كبرى: إذا كانوا قد أقروا بالمشكلة عندما ارتفعت درجة الحرارة لديهم لتصبح شبيهة بما عندنا (في البلاد الدافئة والحارة) فلماذا يجرى ترويج وتسويق الألواح الشمسية بشكل مبالغ به في بلادنا؟
في حديثه إلى صحيفة ديلي ميل، قال البروفيسور أليستر بوكي أستاذ الإلكترونيات العضوية في جامعة شيفيلد ورئيس شيفيلد سولار: «الطاقة الشمسية تحب أشعة الشمس ولكنها لا تحب أن تكون ساخنة». مؤكداً: «نحصل دائماً على أفضل أداء في الربيع عندما يكون الهواء بارداً والسماء صافية حقاً». وأوضح أنه من غير المرجح أن نرى تحطيم أية أرقام قياسية في توليد الطاقة الشمسية هذا الأسبوع وذلك ببساطة لأن الجو حار جداً والألواح الشمسية أقل كفاءة في الحرّ. ويجدر بالذكر بأن درجة الحرارة وصلت في عطلة نهاية الأسبوع إلى 40 درجة مئوية في بريطانيا. وأضاف بوكي «لهذا السبب لا نرى أبداً ذروة الإنتاج في منتصف الصيف- ذروة الإنتاج الوطني دائماً ما تكون في أبريل/نيسان ومايو/أيار، عندما يكون الجو بارداً ومشمساً». وحجة باكلي مدعومة بالفعل بالرقم القياسي الحالي لتوليد الطاقة الشمسية في المملكة المتحدة، والذي يبلغ 9.89 غيغاواط وفقاً لشيفيلد للطاقة الشمسية والذي تم تحقيقه في 22 أبريل/نيسان 2021.
كيف تؤثر درجات الحرارة المرتفعة على الألواح الشمسية؟
على الرغم من أن الألواح الشمسية تمتص الطاقة من الشمس، إلا أن درجات الحرارة المرتفعة تجعلها أقل كفاءة. حيث تعمل الألواح الشمسية الكهروضوئية عن طريق امتصاص الطاقة الضوئية واستخدام الطاقة لإثارة الإلكترونات أو تنشيطها. ثم يتم إنشاء مجال كهربائي عبر طبقات السيليكون في الخلية الشمسية، مما يسمح للإلكترونات بالتدفق ككهرباء. وكلما زادت شدة الضوء، زاد تدفق الكهرباء.
ولكن كلما زادت سخونة اللوح الشمسي، زاد عدد الإلكترونات الموجودة بالفعل في حالة الإثارة قبل أن يضرب الفوتون، مما يقلل من كفاءته. وتؤدي درجات الحرارة المرتفعة أيضاً إلى زيادة المقاومة الكهربائية للدوائر التي تحوّل الشحنة إلى كهرباء.
هل حلّت المشكلة بالتصاميم الحديثة للألواح؟
على الرغم من تصميم الألواح الشمسية الهجينة الحديثة بحيث تعاني بدرجة أقل من الحرارة، لكنها لا تزال مع ذلك تفقد في الأيام الحارة 10% من كفاءتها التقديرية.
ولهذا السبب مثلاً فإنّ «كورنوال» هي أفضل مقاطعة للطاقة الشمسية من بين مناطق المملكة المتحدة، فهي موطن لأكثر من 8000 موقع شمسي. وهي تتمتع بأكثر من 15000 ساعة من أشعة الشمس سنوياً، ولكنها تظل عادةً باردة إلى حد ما مما يسمح للألواح الشمسية بالعمل بكفاءة.
ذكر أحدث تقرير عن اتجاهات الطاقة من وزارة الأعمال والطاقة والإستراتيجية الصناعية في المملكة المتحدة، أن توليد الطاقة الشمسية الكهروضوئية زاد بنسبة 21% عن العام الماضي. وكان هذا مدفوعاً جزئياً بزيادة في السعة بنسبة 2.2%، ولكن في الغالب بسبب 1.2 ساعة شمس إضافية في المتوسط يومياً- وهو أعلى معدل للربع الأول منذ عام 2003.
الطاقة الشمسية ليست الوحيدة المتأثرة بارتفاع الحرارة
شهدت موجة الحر الأخيرة أيضاً حوادث في محطات الطاقة النووية في أوروبا، ففي سويسرا تم تخفيض الإنتاج لمنع درجة حرارة النهر الذي يبرد المحطات من تعريض الحياة البحرية للخطر. وفي 18 يوليو، أفاد القسم الدولي لهيئة الإذاعة السويسرية، نقلاً عن الإذاعة العامة في البلاد SRF، أن محطة الطاقة النووية في بيزناو «خفضت عملياتها مؤقتاً» لوقف ارتفاع درجة حرارة نهر آري «إلى مستوى خطير على الأسماك».
وفي فرنسا تم إغلاق حوالي 30 مفاعلاً، أي أكثر من نصف أسطول المحطات النووية الفرنسية. ولكن معظمها أغلق للصيانة و12 لمشكلات التآكل، وقد تأثر البعض الآخر بالطقس، حيث تهدد درجات الحرارة القصوى قدرات التبريد للمحطات. مما تسبب بخسارة 5.3 مليار يورو في النصف الأول من العام، حيث توفر المفاعلات الفرنسية ما بين 60% و70% من احتياجات الدولة من الكهرباء، ولهذا السبب طرح وزير الطاقة تأميم ما تبقى من محطات نووية ما زالت غير مملوكة للدولة (تمثل 16% من كل المحطات) لإدراكها على ما يبدو أهمية السيطرة عليها وتشغيلها بشكل أفضل، ولا سيّما في ظل أزمة الغاز الأوروبية بسبب عقوباتهم على روسيا.
هل «زرع الصحارى» بالألواح الشمسية فكرة معقولة؟
يقول الخبراء إنّ درجة حرارة اللوح تحددها عدة عوامل: التسخين الإشعاعي الشمسي، ودرجة الحرارة المحيطة وتأثير تبريد الرياح. وفي حال وصلت الحرارة إلى 65 درجة تقدر خسارة الكفاءة بنسبة كبيرة جداً هي 20%. وهذا يعني بأنّ الخسارة بالكفاءة ستكون مهمّة أيضاً بدرجة حرارة الصحارى الساخنة التي قد ترتفع حرارتها عند ذروة منتصف النهار فوق 43 درجة مئوية.
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 1081