صور تلسكوب جيمس ويب: هل ستفاقم أزمة «الانفجار العظيم»؟
وقّع 24 من علماء الفلك والفيزياء ينتمون إلى 10 دول على عريضة احتجاج ضدّ قيام منصة arXiv الشهيرة بحظر نشر 3 أوراق علمية ناقدة لفرضية «الانفجار العظيم» السائدة في الكونيات.
تعريب وتلخيص: د. أسامة دليقان
ومنصّة «الأرشيف» المذكورة تعتبر أضخم موقع إلكتروني مفتوح لنشر الأوراق العلمية في هذا المجال وتدار من جامعة كورنيل الأمريكية. ولم يشفع للأوراق المحظورة كون وظيفة المنصة أصلاً نشر مسودّات الأبحاث ولا تشترط خضوعها لتحكيم مسبق أو مراجعة النظراء peer-review بل هي مجرد منبر لعرض هذه الأوراق على المجلات المحكّمة التي قد ترغب بنشرها أو رفضها فيما بعد، وبذلك يفترض أن arXiv منبر ليتبادل عليه العلماء الآراء والاختلافات والانتقادات. ويبدو أنّ الحظر جاء خصوصاً قُبيل الموعد الذي تحدّد مسبقاً من وكالة ناسا والبيت الأبيض لكشف أولى صور تلسكوب جيمس ويب يوم الثلاثاء 12 يوليو/تموز الجاري، ولا سيّما أنّ إحدى الأوراق التي حظرتها رقابة المنصّة حملت عنوان «هل ستنجو كونيّات نموذج لامبدا للمادة المظلمة الباردة LCDM من تلسكوب جيمس ويب؟» حيث إنّ LCDM هي التسمية المختصرة للإصدار السائد حالياً من فرضية «الانفجار العظيم». ولحسن الحظ أنّ أحد المؤلفين قد نشر الأوراق الثلاث المحظورة كاملةً، في 5 تموز الجاري (ولو على نطاق ضيّق في موقع مختبره الخاص إلى جانب عريضة الاحتجاج) مع نبذة موجزة عن محتواها وأهميتها، وبالتالي يمكن أن يقرأها وينتقدها، ويقبلها أو يرفضها، كلّ من يثق بأن العلم لا يمكن أن يتقدّم سوى بالجدال الديالكتيكي بين الآراء والحجج المتناقضة ولكن من الظلم بالتأكيد منع مؤلفيها من نشرها على نطاق واسع. وفيما يلي عرض موجز لأبرز محتويات هذه الأوراق التي قرّرت «محكمة تفتيش» القرن الواحد والعشرين إحراقها بسبب تجرُّؤ مؤلّفيها على «الكفر» بـ«الانفجار العظيم».
خلال يونيو/حزيران 2022 رفضت منصة arXiv نشر ثلاث أوراق من تأليف إريك ليرنر، والدكتور ريكاردو سكاربا (انظر النبذة عنهما في آخر المقال الحالي).
تلسكوب جيمس ويب لن يجد دليلاً على الـ Big Bang
مع أنّ صياغة أخبار الإعلام ووكالة ناسا تقدّم عادةً أيّ أرصادٍ فلكية واكتشافات جديدة وكأنها إثبات أوتوماتيكي مفروغ منه لـ«الانفجار العظيم»، لكن بالعكس، تحت عنوان الفقرة أعلاه يقول إريك ليرنر إنّ الورقة الأولى من أصل ثلاث التي حظرتها arXiv من النشر – بتأليف مشترك من ليرنر وسكاربا، وبعنوان «هل ستنجو كونيّات نموذج لامبدا للمادة المظلمة الباردة LCDM من تلسكوب جيمس ويب؟» – تتحدث عن التوقعات المسبقة لما سوف يرصده هذا التلسكوب الفضائي الجديد JWST فيما لو كانت فرضية الانفجار العظيم صحيحة، وماذا سوف يرصد بالمقابل في حال لم تكن صحيحة؛ أيْ في حال لم تكن هناك «نقطة بداية حارّة كثيفة» للكون قبل نحو 14 مليار سنة. ويقول بأنّ التنبّؤ بالبيانات قبل مشاهدة نتائج الأرصاد يعتبر أمراً حاسماً لاختبار الصلاحية العلمية لأية فرضية وأمراً مركزياً لفائدة العلم.
ويوضّح ليرنر بأنّ إحدى التوقّعات الحاسمة لفرضية «الكون المتوسَع عن الانفجار العظيم» هي أنّه وبسبب الانخداع البصري، يفترض بالمجرات البعيدة جداً ألا تظهر لنا أصغر فأصغر حجماً بل أكبر فأكبر. حيث إنّ انخداعاً بصرياً سينجم عن المجرات التي يفترض – بموجب «الانفجار الكبير» – أنها كانت فيما مضى أقرب إلينا عندما بدأ الضوء بالانبعاث منها، وبالتالي ستبدو الآن أكبر حجماً، أما لو كان الكون لا يتوسّع، فسوف يحدث العكس، وتبدو لنا المجرات أصغر كلما كانت أبعد عنا، أي تماماً كما يحدث في المكان العادي المألوف.
ويشير ليرنر إلى أنّ أوراقاً بحثية سابقة من تأليفه وتأليف سكاربا وزملاء آخرين من مرصد Renato Falomo في بادوفا (في إيطاليا) قد استخدمت بالفعل بيانات تلسكوب هابل لكي تبرهن أنّ التوقع الموافق لاعتبار الكون غير متوسّع هو الصحيح، وأنه «تم إثباته وصولاً لأعلى الانزياحات الحمراء redshifts وأقصى المسافات المرصودة بواسطة تلسكوب هابل الفضائي» ويحيل ليرنر قرّاءه، كمثال على هذه الأبحاث، إلى إحدى أوراقه المنشورة سابقاً في إحدى المجلات المحكّمة الرائدة في علوم الفلك والفيزياء الفلكية والكونيات، وهي مجلة «الملاحظات الشهرية للجمعية الفلكية المَلَكية» MNRAS التابعة لجامعة أوكسفورد البريطانية.
ويقول ليرنر بأنّ الورقة الجديدة ذات الصلة بالموضوع نفسه، والتي رفضت منصة arXiv نشرها «تتنبّأ بثقة بأنّ الاتجاه نفسه سيلاحظ أيضاً مع تلسكوب جيمس ويب الفضائي JWST وسيعطي مشاهدات رصديّة لمجرّات ستظهر أصغر كثيراً من أنْ تبدو ممكنةً فيزيائياً فيما لو كانت فرضية الكون المتوسّع صحيحة، بينما سيبدو حجمها الصغير ظاهرياً موافقاً تماماً لما هو متوقّع وفق كونٍ عديم التوسّع [أي بلا انفجار عظيم]».
تنبّؤ آخر بما سيرصده «جيمس ويب»
يقول ليرنر أيضاً إنه لو كانت فرضية الانفجار العظيم صحيحة فإنّ تلسكوب جيمس ويب يفترض أن يستطيع رصد أولى النجوم الباكرة جداً التي تشكّلت في وقت يقع ما بعد «الانفجار العظيم» ولكن قبل الحقبة التي يكون قد أتيح فيها الوقت الكافي لأيّة انفجارات لسوبرنوفا (مُستعِرٍ أعظم) أن تَنشُرَ في الفضاء العناصرَ الأثقل، كالكربون والأوكسجين والسيليكون والحديد، ولكان ينبغي للأطياف المرصودة من الكويزرات أن تبدي مزيجاً أنقى فأنقى من الهيدروجين والهيليوم فقط (عناصر خفيفة). أمّا لو لم يكن هناك توسّع للكون (ولا انفجار عظيم) فإنّ تطوّر المجرّات الحاصل على مدى فترات زمنية أطول ممّا تسمح بها فرضية الانفجار العظيم، والكويزرات (أشباه النجوم) البعيدة الناتجة، يفترض أن تظهر أدلة وافرة على وجود عنصر كيميائية ثقيلة، مثلما أظهرت أرصادٌ سابقة بالفعل بالنسبة لأكثر الكويزرات بعداً.
ويتحدّى ليرنر وزملاؤه بنظريّتهم عن كونٍ أزليّ وأبديّ بلا بداية ولا نهاية في الزمان والمكان، فرضية «الانفجار العظيم» والتوسع الكوني، معتبرين أنّ صور تلسكوب جيمس ويب الأعلى دقة والأفضل التي ستُنشر تباعاً ستمثل اختباراً لهاتين النَّظرَتَين المتناقضتين إلى الكون، أيّهما ستثبت صحّتها وأيّهما ستثبت خطأها.
وبما أنّ هؤلاء العلماء «الهراطقة» بالنسبة لـ«كهنوت» الرقابة على المنشورات الناقدة لـ«الانفجار العظيم» لم ينشروا بعد تحليلاتهم للصور الجديدة التي بدأت تظهر تباعاً بالفعل اعتباراً من 12 تموز الجاري، فإنّ من المشوّق انتظار فيما إذا كان سيثبت تلسكوب جيمس ويب الجديد أنهم على حق، بصوره الجميلة التي رأيناها وتلك التي لم نرها بعد. ولكن تبقى هناك خشية وتساؤل محقّ: هل يمكن لتلك العقلية الرقابية على العلم التي منعت نشر أوراق ليرنر وزملائه أن تكون «انتقائية» وتمنع أيضاً نشر صورٍ قد يلتقطها التلسكوب الجديد وتحتوي على معلومات مفاجئة ومناقضة لـ«الانفجار الكبير»؟ لننتظرْ ونرَ...
معلومات عن مؤلّفي الأوراق المحظورة
إريك ليرنر Eric J. Lerner: مدير وكبير علماء شركة LPPFusion لأبحاث طاقة البلازما، باحث في فيزياء البلازما وطاقة الاندماج النووي الساعية لإنتاج طاقة نظيفة واقتصادية باستعمال جهاز «بؤرة البلازما الكثيفة». وأبحاثه في الفيزياء الفلكية تتضمن تطوير نموذج كهرومغناطيسي للكويزرات (أشباه النجوم quasars) والتي ساهمت بدراساته في الاندماج، كما ساهم في تطوير نظريات تشكل «البنى الكونية كبيرة النطاق» والبحث في منشأ العناصر الكيميائية الخفيفة، وإشعاع الخلفية الكونية، وظواهر أخرى، والمستندة جميعها على نموذج كونٍ بلا انفجار عظيم ولا بدايةَ له في الزمان (أزليّ). ألّف عام 1992 كتاب «الانفجار الكبير لم يحدث أبداً».
ريكاردو سكاربا Riccardo Scarpa: فلكي في معهد الفيزياء الفلكي في كانارياس (إسبانيا). يعمل على تلسكوب GRANTECAN الذي يعتبر اليوم أضخم تلسكوب بصري في العالَم. حصل على الدكتوراه من جامعة بادوفا عام 1992 وانتقل إلى «معهد علوم التلسكوب الفضائي» لمستوى ما بعد الدكتوراه. عام 2000 عَمِل كفلكي في «مرصد الجنوب الأوروبي». إضافة لأبحاثه على النويّات المجرّية النشطة ANG والمجرات الراديوية والكويزرات وغيرها، يهتم بنظرية جاذبية بديلة ويدعم فرضية «الديناميك النيوتوني المعدّل» MONOD كبديل عن الفرضية القائلة بأنّ حركية المجرات تحدّدها «هالات من المادة المظلمة الضخمة غير المرئية».
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 1079