«رأسمالية الرقابة» والمُجمَّع الرقمي- العسكري
جون بيلامي فوستر جون بيلامي فوستر

«رأسمالية الرقابة» والمُجمَّع الرقمي- العسكري

المعلومات الواردة في هذا المقال هي مختارات من تفاصيل أوفى وردت في مقال طويل للباحث الماركسي والمحرر في «مونثلي ريفيو» جون بيلامي فوستر، بعنوان «رأسمالية الرقابة» Surveillance Capitalism يعود إلى 1 تموز 2014، وهي تبيّن لنا أنّ كلّ الحديث عمّا يسمى «خصوصية» على الإنترنت يبدو أنه محض خداع، في ظلّ سيطرة الرأسمالية الاحتكارية، والتي– وللمفارقة المضحكة– تزعم أنها نظام «احترام الفرد وحرياته» ولطالما اتهمت «الديكتاتوريات الشيوعية» بما تقترفه هذه الرأسمالية بالذات من انتهاكات عبر عمالقة شركات التكنولوجيا والحكومات وعلى رأسها الأمريكية، حيث يظهر لنا المقال مقتطفات من التاريخ الطويل للانتهاكات وذلك على الأقل منذ ولادة شبكة «أبرانت» التي هي سليفة شبكة الإنترنت الحالية. لمحات تبدو أمامها الفضائح الجديدة التي ظهرت، مثل تطبيق التجسس «الإسرائيلي» بيغاسوس، أو انتهاكات فيسبوك وغيرها، ليست سوى «رأس جبل الجليد».

ترجمة وإعداد: قاسيون

تعزّزت أموَلَة الاقتصاد بشكل مذهل بوساطة شبكات الكمبيوتر عالية السرعة، والتي أصبحت آليات حاسمة لأسواق المضاربة المُنشأة حديثاً. لكن تأثير ذلك على «رأسمالية المُراقَبة» مضى أعمق بكثير. وكما في قطاع الإعلان، كان الأمن القومي بحاجة ماسة إلى البيانات. اعتمد توسعها المربح بشكل كبير على السجلات التي تنتجها بطاقات الائتمان والبطاقات المصرفية وبطاقات الخصم وحسابات الإنترنت والتسوق عبر الإنترنت وإيصالات السفر والتأمين الصحي، والتي ارتبطت بإنشاء ملفات رقمية في قواعد بيانات الشركات. بحلول عام 2000 كانت جميع الشركات الكبرى تقريباً في الولايات المتحدة تبني قواعد بيانات ضخمة، وكانت مرتبطة بمؤسسات «التنقيب عن البيانات».

أمثلة على وهم «الخصوصية»

على سبيل المثال تجاوزت بيانات بطاقات ماستركارد 35 تيرابايت. وتمتلك شركة التسويق الأمريكية العملاقة أكسيوم 23000 خادم كمبيوتر يعالج ما يزيد عن 50 تريليون معاملة بيانات سنوياً. يحتفظ في المتوسط ​​بحوالي 1500 نقطة بيانات عن أكثر من 200 مليون أمريكي، بشكل «ملفات رقمية» لكل فرد، ويميز كل شخص برمز مكون من 13 رقماً يسمح بمتابعتهم أينما ذهبوا، وجمع البيانات عنهم سواء كانوا متصلين بالإنترنت أو «أوف- لاين». يتم الآن جمع الكثير من البيانات من وسائل التواصل الاجتماعي، مثل فيسبوك. وتنظم أكسيوم هذه المعلومات فيما يسمى «رؤى سلوكية مملوكة من الدرجة الأولى». يتم تصنيف كل شخص أيضاً في واحدة من سبعين مجموعة من أنماط الحياة، مع التركيز بشكل خاص على الطبقة التي ينتمي إليها وعادات الإنفاق والموقع الجغرافي. وتقوم أكسيوم ببيع هذه البيانات لعملائها لتمنحهم وصولاً متنوعاً إلى بنوك البيانات الخاصة بها، ومن بين عملائها كبريات شركات بطاقات الائتمان والتأمين والإعلام والاتصالات والبنوك.
منذ أيلول 2001، عملت أكسيوم بشكل وثيق على مشاركة البيانات مع مكتب التحقيقات الفيدرالي FBI والبنتاغون والأمن الداخلي. في عام 2001 عينت أكسيوم في مجلس إدارتها الجنرال ويسلي كلارك، القائد الأعلى السابق لحلف شمال الأطلسي في أوروبا في حرب كوسوفو والذي كان المرشح الرئاسي الأمريكي المستقبلي، ودفعت الشركة لكلارك أكثر من 800 ألف دولار، وبدأت من خلاله العمل مع وكالة الأبحاث المتقدمة DARPA، مما ساعد على إنشاء الأنظمة التكنولوجية للمراقبة الكاملة للولايات المتحدة وسكان العالم. هناك عشرات الجهات الخارجية التي تتعقب تحركاتك. مثلاً، معظم الـ 50 مليون شخص الذين قاموا بتنزيل تطبيق Brightest Flashlight Free على هواتفهم الذكية لم يدركوا أن الشركات التي أعطته لهم مجاناً كانت تستخدم التطبيقات لتتبع كل حركة تقوم بها وتمريرها إلى شركات أخرى. وبالمثل تتشارك الشركات والوكالات الحكومية معلومات الناس المستخدمين لتطبيق Path Social على iPhone، والذي يبدو أنه تم تصميمه لهذا الغرض، في حين أنه ظاهرياً لمساعدة الأشخاص على مشاركة الصور والذكريات مع أصدقائهم، في دفاتر العناوين الرقمية وقوائم جهات الاتصال الخاصة بالمستخدم. تمتلك شركة وسيط البيانات Epsilon قاعدة بيانات تسويقية تحتوي على أكثر من 8 مليارات معاملة استهلاكية. وتحتفظ شركة «تشويس بوينت» التي تعمل كـ «سمسار» للبيانات، والتي أصبحت الآن جزءاً من عملاق البيانات Elsevier، بـ 17 مليار سجل عن الشركات والأفراد، والتي باعتها إلى حوالي مئة ألف عميل، بما في ذلك العديد من الوكالات الحكومية.

«الإنترنت» كرأسمال احتكاري

كانت شبكة مشروع الأبحاث المتقدمة الأمريكي «أربانيت» ARPANET المرتبطة بالمجمع الصناعي العسكري عبارة عن رأس مال احتكاري مرتبط فقط بتلك الجامعات وأقسام علوم الكمبيوتر الخاصة بها التي لديها تمويل من وزارة الحرب الأمريكية وتصاريح أمنية. مع نجاح النظام، كانت أقسام علوم الكمبيوتر في الجامعات والصناعة الخاصة حريصة جميعاً على الاتصال بالشبكة.
أنهت ARPANET أعمالها في عام 1989، لتخلي المكان في أوائل التسعينات لتطوير شبكة الويب العالمية، مما أدى إلى زيادة فلكية في المستخدمين، وتسويق الإنترنت بسرعة. تبع ذلك تطورات رئيسية منها خصخصة ولبرلة الاتصالات ووسائل الإعلام عبر قانون الاتصالات لعام 1996 مما مهد الطريق لمزيد من التركيز والمركزية لرأس المال في هذه الصناعات، وقانون تحديث الخدمات المالية لعام 1999، الذي روّج له رئيس مجلس الاحتياطي الفيدرالي آلان غرينسبان، ووزير الخزانة روبرت روبين، ونائب وزير الخزانة لورانس سومرز تحت إدارة كلينتون، حيث تم تحرير القطاع المالي من الضوابط التنظيمية في محاولة لتغذية الفقاعة المالية التي كانت تتطور.

فقاعة «دوت كوم»

شكلت كل هذه التطورات إحدى أكبر موجات اندماج رؤوس الأموال في التاريخ، والمعروفة باسم فقاعة الـ «دوت كوم» dot-com أو «فقاعة الاقتصاد الجديد»، مع مستويات أعلى من قوة الاحتكار. انفجرت الفقاعة عام 2000 ولكن كان قد ظهر كارتل إنترنت، على الرغم من كل الكلام عن «رأسمالية خالية من الاحتكاك» في خطابات بيل غيتس وآخرين. وبحلول نهاية العقد، كانت الإنترنت قد بدأت تلعب دوراً مركزياً في تراكم رأس المال، وكانت جميع الشركات التي حكمت الإنترنت تقريباً هي «احتكارات». بحلول عام 2014، كانت ثلاثاً من أكبر أربع شركات أمريكية من حيث القيمة السوقية (Apple وMicrosoft وGoogle) احتكارات عبر الإنترنت. كانت 12 من أصل 30 شركة الأكثر قيمة في الولايات المتحدة من عمالقة الإعلام واحتكارات الإنترنت، بما في ذلك Verizon وAmazon و Disney و Comcast و Intel و Facebook و Qualcomm و Oracle. استخدمت هذه الشركات تأثيرات الشبكة، والمعايير التقنية، وقانون براءات الاختراع، والحواجز القديمة/ الجيدة للدخول لتأمين قوتها السوقية، واستخدمت الاحتكارات المتدفقة لتوسيع إمبراطورياتها الرقمية. مع هذه القوة الاقتصادية تأتي قوة سياسية هائلة، بحيث لا تواجه هذه الشركات أي تهديد من المنظِّمين في واشنطن. الوسيلة الرئيسية لتوليد الثروة على الإنترنت ومن خلال منصات الملكية مثل التطبيقات هي مراقبة السكان، مما يسمح لعدد قليل من الشركات بجني نصيب الأسد من المكاسب من جهود المبيعات الهائلة في الاقتصاد الأمريكي.

رقمنة الرقابة

لقد غيّرت رقمنة المراقبة بشكل جذري طبيعة الإعلانات. فخلافاً للنظام القديم للمعلنين الذين يشترون مساحة إعلانية أو وقتاً في الوسائط على أمل الحصول على انتباه المشاهد أو المستمع، أتاحت الرقمنة ومراقبة المعلومات الشخصية تصميم الإعلانات بشكل أكثر استهدافاً وجدوى.
ذكر تقرير 2009 الصادر عن المفتش العام لوكالة الأمن القومي، والذي سربه سنودن أنّ الوكالة أقامت علاقات تعاونية مع أكثر من 100 شركة. وزودت مايكروسوفت وكالة الأمن القومي بتشفير مسبق يؤمن «بوابة خلفية» سرّية تتيح الوصول إلى بوابة البريد الإلكتروني الشهيرة Outlook.com، والتنصت على المكالمات الهاتفية عبر الإنترنت عبر Skype والدردشة (التي يستخدمها مئات الملايين عبر العالم) وإلى SkyDrive، نظام التخزين السحابي من Microsoft (الذي يضم 250 مليون مستخدم). وفي حالة Outlook.com لم يستغرق الأمر سوى بضعة أشهر حتى أنجزت شركة مايركووسوف ضمان التعاون مع وكالة الأمن القومي الأمريكي NSA لضمان وصول كامل. وابتكرت وكالة الأمن القومي صيغة معيبة عمداً لتوليد أرقام عشوائية للتشفير. باعت AT&T طواعية البيانات الوصفية على المكالمات الهاتفية إلى وكالة المخابرات المركزية CIA مقابل أكثر من 10 ملايين دولار سنوياً فيما يتعلق بتحقيقات «مكافحة الإرهاب». وقد تم توفير هذه البيانات الوصفية لوكالة الأمن القومي في ظل إدارتي بوش وأوباما.

معلومات إضافية

العدد رقم:
1048
آخر تعديل على الأحد, 26 كانون1/ديسمبر 2021 00:28