خطورة التلوث النفطي لمياه البحر على الكائنات الحيّة
إعداد: نادر شيّا إعداد: نادر شيّا

خطورة التلوث النفطي لمياه البحر على الكائنات الحيّة

يشهد ساحلنا السوري حالياً كارثة تلوّث بيئي خطيرة بمادة «الفيول» النفطية، منذ يوم الإثنين الماضي 23 آب 2021. ويحتوي زيت النفط على العديد من المواد العضوية السامّة للكائنات الحية. ومن أخطرها مركب البنزوبيرين، وهو من الهيدروكربونات المسببة للسرطان ويؤدي إلى موت الكائنات الحية المائية. وتؤدي حوادث تسرب النفط إلى البحر، لنقص كبير في كمية ونوعية المواد الغذائية التي ينتجها البحر، والتي تساهم بدرجة كبيرة في تغذية الإنسان. وفيما يلي عرض موجز حول أهم ما جاء في بعض الدراسات حول تأثير التلوث على المصادر المختلفة للثروة البحرية.

يطفو النفط على سطح الماء مكوّناً طبقةً رقيقة عازلة بين الماء والهواء الجوي، وهذه الطبقة تنتشر فوق مساحة كبيرة من سطح الماء (اللتر الواحد من النفط المتسرّب في البحر يغطّي بانتشاره مساحة تزيد عن 4000 متر مربع من المياه السطحية)، أما من ناحية الحجم فتقول بعض المراجع: إنّ لتراً واحداً من النفط يستطيع تلويث مليون لتر من الماء!
وتمنع هذه الطبقة النفطية التبادلَ الغازيّ بين الهواء والماء، كما تمنع ذوبان الأوكسجين في مياه البحر مما يؤثر على التوازن الغازيّ، وتصبح بمثابة طبقة عازلة تعمل على:
1– تقليل قدرة تبادل الأوكسجين بين الهواء والماء، مما يقلّل من كمّية الأوكسجين المُذاب في المياه.
2– تحول دون وصول الأشعة الشمسية أسفل سطح الماء، بما يعيق «البلانكتون» (العوالق البحرية) عن القيام بعملية التركيب الضوئي، ويترتب على ذلك هلاكه، وفي الوقت نفسه هلاك الأسماك والعديد من الكائنات البحرية.
3– كذلك تعمل هذه الطبقة النفطية العازلة على تقليل معدّلات التبخّر، مما يؤثّر في المناخ ودورة المياه في الطبيعة بوجه عام، فيما إذا لم يتمّ الإسراع بإزالتها.

تأثير التلوث النفطي على الأسماك والصيد

من مظاهر تأثير التلوث النفطي انخفاض إنتاجية المصائد الذي يُعزى إلى انخفاض في العمليات الحيوية كالنمو، أو قد يعود إلى عزوف الناس عن شراء الأسماك خوفاً من أخطار التلوث، أو أنّ الصيادين أنفسهم يتوقفون عن الصيد في المناطق الملوثة خشية تلف معداتهم مما يزيد في النقص الغذائي، كما حدث في خليج تاروت السعودي عندما تسرب حوالي 100 ألف برميل من النفط عندما حصل انفجار في أنابيب النفط سنة 1970 مما أدى إلى عدم تناول الأسماك لرداءة طعمها لفترة ستة أسابيع، وعرقل عمليات الصيد لفترة ثلاثة أشهر تقريباً.
بالرغم من الكميات الكبيرة من النفط التي تدخل العمود المائي عند حدوث تسرب نفطي إلا أنه لا توجد أية إشارة سابقة عن حدوث نفوق واسع بين الأسماك السطحية نتيجة النفط الخام الثقيل، كما أنّ الأسماك تختلف عن الطيور في كون جسمها مغطى بطبقة مخاطية لزجة لا يمكن للنفط الالتصاق بها. ولعل قدرة الأسماك على تحاشي المناطق الملوثة، بالهجرة منها، تقلل من حالات النفوق.
بالمقابل، فإنّ بيض ويرقات العديد من الأسماك مثل: السردين وغيرها من الأنواع التجارية، تكون طافية على سطح البحر أو تقطن الطبقات العليا منه، وبالتالي تكون معرضة لتأثير النفط المتسرب وستعاني من حالات نفوق كبيرة.

تأثير التلوث النفطي على «الهائمات النباتية» والطحالب

تعتبر الهائمات النباتية (العوالق البحرية، أو البلانكتون) المسؤولة الأولى عن تثبيت الطاقة في البيئة البحرية (بوساطة عملية التركيب الضوئي) وهذه الهائمات تتغذى عليها الحيوانات البحرية بصورة مباشرة أو غير مباشرة. وقد أظهرت الدراسات الحديثة قياس تراكيز النفط الخام اللازمة لحدوث حالات النفوق أو منع انقسام الخلايا على عدة أنواع من الهائمات النباتية، ووُجد بأنّ التركيز الذي يؤدي إلى النفوق يتراوح بين جزء بالمليون إلى 1 ميلي لتر/ لتر، والذي يؤدي إلى تأخر أو توقف انقسام الخلية يتراوح بين جزء بالمليون إلى 0,1 ميلي لتر/ لتر، أما تأثير التلوث النفطي على البلانكتون فهو أقل مقارنة بالأحياء الأخرى بسبب قدرتها على استرجاع قابلية نموها بعد فترة من الزمن، وإضافة فروع جديدة بالقرب من قواعد الفروع القديمة.

التأثير على الرخويات

تعاني الرخويات (كالمحار) من حالات نفوق هائلة عند حدوث تسرب للنفط ووصوله إلى منطقة الساحل. وانسكاب زيت الديزل قرب شواطئ كاليفورنيا والذي أدى إلى قتل أعداد هائلة من المحار خير دليل على ذلك. كما لوحظ من الدراسات أن تراكيز النفط المؤثرة جداً على عملية الإخصاب تراوحت بين واحد إلى ألف جزء بالمليون، ولوحظ أيضاً انخفاض في قابلية وكفاءة هذه الأحياء البحرية على السباحة.

التأثير على القشريات

إنّ مجموعة القشريات (كالروبيان والسرطان) ليست تحت تأثير مباشر للملوثات النفطية المتسربة كسابقتها (الحيوانات الرخوية والقشريات الثابتة غير المتحركة)، لأن هذه المجموعة لها القابلية على الحركة مما يجعلها أكثر قدرة على تحاشي التعرض للتراكيز العالية من النفط عدا صغارها ويرقاتها وبيضها التي لا تستطيع الفرار مما يؤدي إلى حالات نفوق كبيرة.

التأثير على الأحياء البحرية الأخرى

تعتبر شوكيات الجلد وخيار البحر من أكثر الأحياء حساسية وتأثراً بالنفط المتسرب وأسباب التلوث الأخرى، إذ لوحظ اختفاؤها أو انقراضها من بيئات تعرضت لحوادث التلوث النفطي. وفي المنطقة البحرية لدول الخليج العربي حدثت حالات كثيرة جداً من النفوق في الأحياء البحرية أثناء فترة تشكيل بقعة زيت «نوروز» وبقعة النفط من الكويت، وبصورة خاصة الحيوانات الفقرية التي تتنفس الهواء كالأفاعي والسلاحف والدلافين. وقد وجد أن الكثير منها يصعد إلى الشاطئ لتموت هناك بعد إصابتها بضيق في التنفس وبالتهابات جلدية ونزف داخلي.

تأثير التلوث النفطي على الطيور

تعتبر هذه المجموعة من أكثر المجاميع البحرية تأثراً بالتلوث النفطي، إذ لوحظ انقراض أنواع عديدة منها من البيئة التي تتعرض طويلاً لأخطار التلوث، وخير مثال ما حصل على الشواطئ السعودية نتيجة حرب 1991 حيث نفقت العديد من الطيور نتيجة بقعة الزيت التي امتدت على تلك السواحل. كما وتكون مواطن الطيور وأعشاشها في الجزر المتناثرة - مثال جزيرة كبر في الكويت- والتي يغلف النفط شواطئها لفترات طويلة أكثر تضرراً من غيرها.

التأثير على الخدمات الملاحية وجمال الشواطئ

يتسبب التلوث النفطي في شلّ حركة الملاحة بأنواعها مما يؤثر سلباً على اقتصاد المنطقة، فضلاً على أن وجود التلوث النفطي أو غيره يؤثر سلباً على النواحي الجمالية للشواطئ ويحرم مرتادي الشواطئ من التمتع بالنواحي السياحية أو الترفيهية في تلك المناطق (وخير مثال على ذلك الشواطئ الكويتية والسعودية التي تأثرت نتيجة بقعة الزيت في عام 1991).

  • المصادر:
    – «الخصائص البيئية والتلوث البحري في المنطقة البحرية»، إعداد: د. عبد النبي الغضبان، ناهدة الماجد من «المنظمة الإقليمية لحماية البيئة البحرية» (إعداد أحمد الجناحي، الإمارات العربية المتحدة).
    – المحاضرات والدراسات التي عرضت في المؤتمر العربي الثالث للصيد البحري والذي عقد في صنعاء في الفترة من 28 – 30/ 10/ 2002.
    – «الجوانب القانونية لتلوث البيئة البحرية بالنفط»، رسالة ماجستير في القانون، إعداد عباس إبراهيم دشتي، إشراف د. يوسف محمد العطاري، جامعة الشرق الأوسط في عمان، الأردن، 2010.

معلومات إضافية

العدد رقم:
1033
آخر تعديل على الإثنين, 30 آب/أغسطس 2021 23:50