هل القراءة من الشاشات أسوأ استيعاباً من القراءة الورقية؟
«كثيراً ما نسمع أو نلاحظ بأنّ القراءة من شاشات الأجهزة الذكية تبطئ معدل القراءة الخاص بنا، وتقلل من قدراتنا وكفاءاتنا التعليمية، وتضعف ذاكرتنا، وتسبب لنا الأرق، فهل يمكن أن يكون هذا هو السبب الذي يجعل الطلاب يفضلون طباعة كتبهم الإلكترونية؟! أجرينا تجربةً حول كيفية استخدام الطلاب للأجهزة الذكية في عملهم. فاتضح من النتائج التي حصلنا عليها بأن العادات والسلوكيات مهمة، وحتى من يفضلون القراءة من خلال الشاشات، هم في الأصل من قراء المطبوعات الورقية، وسيعودون لقراءة الكتب والمطبوعات الورقية مرةً أخرى تحت ظروفٍ محددة».
ترجمة: بيان القحطاني - تغاريد الرويسان
في مكتبة جامعة أوبسالا في السويد يسمى Mobile Academics، عقدنا ندواتٍ عن كيفية استخدام المصادر الإلكترونية الخاصة بالمكتبة عبر الحاسوب اللوحي، ووجهنا بعض النصائح حول أفضل التطبيقات الإلكترونية التي يمكن استخدامها في المذاكرة. الدراسات التي أُجريت على القراءة الإلكترونية في عام 1985 لا يمكن مقارنتها بالدراسات التي أُجريت على الشاشات الحديثة. ولم تتطور الأجهزة فقط خلال هذه الفترة، بل الأفراد كذلك، فبالعودة إلى عام 1980، لم يمتلك الكثيرون أجهزة حاسوبٍ خاصةً بهم كما هو الحال اليوم.
هل للقراءة الإلكترونية مخاطر؟
في السنوات الأولى من إنشاء السكك الحديدية، كان الناس قلقين حول تأثير سير القطار بسرعة تصل إلى 18 ميلاً في الساعة (أو 30 كيلومتراً في الساعة) على جسم الإنسان، وقد نشرت مجلة The Lancet في عام 1862 مجموعة من المقالات حول مخاطر السفر عبر السكك الحديدية على الصحة العامة، وقد كان حينها تشخيص تأثير السفر عبر السكك الحديدية من التشخيصات الشهيرة في هذه الفترة.
قد تكون الاختراعات الحديثة تسهيلاً لحياتنا من نواح كثيرة، ولكنها بالمقابل تسبب لنا القلق والمتاعب سواء في حياتنا الواقعية أو الخيالية، وقد سببت القطارات بالفعل أزمةً في ذلك الوقت، وكذلك التكنولوجيا اليوم لها تأثيرٌ مشابه.
اليوم، قد لا تجد أحداً مصاباً بآلام «العمود الفقري الذي سببته السكك الحديدية»، ولكن هناك المصابون يــ «ألم الرقبة الناتج من استخدام الآيباد»، وكذلك «مشكلات الرؤية الناتجة من الكمبيوتر والمعروفة بمتلازمة الحاسوب»، و «الأرق الناتج عن كثرة استعمال الأجهزة».
هل تصعب القراءة من الشاشة؟
أجرى كريتسشمار وآخرون دراسة في عام 2013، قاموا فيها بمقارنة الجهد المبذول للقراءة عبر ثلاث وسائل مختلفة، وهي القراءة الورقية، والقراءة عبر قارئ إلكتروني، والقراءة من جهاز لوحي، حيث درسوا وقارنوا حركة العين ونشاط الدماغ وسرعة القراءة لكل من الوسائل الثلاث، كما أجاب المشاركون عن بعض الأسئلة التي تحدد مدى فهمهم للمحتوى.
وكان المثير في الأمر بأن المشاركين أجمعوا على تفضيلهم القراءة الورقية، مع أن الدراسة لم تثبت أي دليلٍ على ذلك، وعلى الرغم من كونها متعبةٌ أكثر من القراءة الإلكترونية. وجاءت النتائج معاكسة تماماً لكبار السن المشاركين في الدراسة، حيث اتضح أنهم يقرؤون أسرع وبجهدٍ أقل عبر الجهاز اللوحي؛ وذلك بسبب الإضاءة الخلفية التي تعطي تبايناً أفضل، إضافةً إلى كونها خياراً أفضل لعيون كبار السن، إلّا أنهم رغم ذلك يفضلون القراءة الورقية.
ولكن لماذا جميع المشاركين فضلوا القراءة الورقية؟! يشير المؤلفون في هذا الصدد إلى أن هذا الأمر متعلق بشكل أكبر بتوجهات الناس وليس بتجربة القراءة ذاتها، فيقولون: «تشير النتائج الحالية إلى أن الشكوك التي تحيط بالقراءة الإلكترونية قد تعكس موقفاً وتوجهاً عن هذا النمط من القراءة، فالأمر ليس متعلقاً بالجهد المبذول أثناء القراءة».
وقد أُجريت دراسة في عام 2013 على طلاب الصف العاشر في النرويج، حيث تم تقسيم الطلاب إلى مجموعتين، وقامت المجموعة الأولى بقراءة نصين ورقيين (يتراوح طول النص بين 1400 إلى 2000 كلمة)، بينما قامت المجموعة الثانية بقراءة النصوص نفسها ولكن بصيغة PDF على شاشة الكمبيوتر. وحينما قامت اللجنة باختبار مدى فهمهم للمحتوى، بينت النتائج أن الذين قرأوا النص الورقي قد حققوا نتائج أفضل بكثير من الذين قرأوا النص عبر شاشة الكمبيوتر، وكان أيضاً من السهل عليهم أن يتذكروا ما قرؤوه.
وقالت الباحثة مانجين في هذا الصدد: إن القراءة الورقية تعطيك نقاطاً محددةً تتعلق بالتفاصيل الزمانية والمكانية، كما أن ملامسة الأوراق وتقليب الصفحات تساعد ذاكرتك على تذكر ما قرأته، بعكس القراءة الإلكترونية؛ حيث يتسبب التنقل بين الصفحات بصعوبةٍ تذكر ما قرأته.
هل القراءة الإلكترونية ذات تحصيل معرفي منخفض؟
الدراسات التي تقوم على أساس التحكم بعوامل، مثل: الخبرة والمواقف ليست شائعة لدى الفئة المستهدفة من الدراسة. وفي دراسة أجراها أكرمان ولوترمان عام 2012، على 80 طالباً من طلاب كلية الهندسة، قام الطلاب بقراءة خمسة نصوصٍ إما ورقية، أو من خلال شاشة الكمبيوتر، وبعد قراءة كل نص تم اختبارهم، ولكن قبل ذلك كان عليهم التنبؤ بأدائهم في الاختبار. وقد قام الطلاب بدراسة النصوص خلال ثلاث فتراتٍ زمنيةٍ مختلفة، حيث تم السماح لهم بقراءة النصيين في سبع دقائق فقط (مجبرون على وقت محدد)، وتم السماح لهم بقراءة نصيين بدون تحديد وقتٍ معينٍ (حرية الوقت للقراءة)، بينما تم السماح لهم بقراءة نص أخير دون تحديد وقت معين للانتهاء، ولكن تمت مقاطعتهم بعد سبع دقائق.
ومن واقع النتائج، فقد حصل من قاموا بالقراءة الورقية على أفضل النتائج حينما كان الوقت مفتوحاً، بينما كانت النتائج متشابهة لكلتا المجموعتين عندما تمت مقاطعتهم. وهذا أمرٌ مثيرٌ للاهتمام، لأنه إذا كانت نتائج الدراسات سيئةً لمجموعة القراءة الإلكترونية بسبب كونها إلكترونية، فمن الضروري حينها أن تكون النتائج مماثلة في جميع ظروف الدراسة.
توجد اختلافاتٌ بسيطةٌ بين تنبؤات الأداء ودرجات الاختبار الحقيقية، وهذا يعني بأن الطلاب قد وضعوا معايير دقيقة؛ لأن المعايرة الجيدة تؤدي لنتائج أفضل لأنك لا تتوقف عن البحث والدراسة في الموضوع خلال وقت قصير. وتظهر النتائج بأن القرّاء عبر المطبوعات الورقية ينجحون في وضع معايرة أفضل عن غيرهم من القراء عبر الشاشة، الذين يفرطون عادة في ثقتهم بأنفسهم.
وأظهرت نتائج هذه الدراسة، أن مشكلة القراءة عبر الشاشة مشكلة نفسية أكثر من كونها تقنية، ولكن الدراسة تشير أيضاً إلى أن تفضيلات القراء ذات أهمية، حيث بدا أولئك الذين درسوا بالوسيلة التي يفضلونها أقل فرطاً في ثقتهم بأنفسهم، كما حصلوا على درجات أفضل بالاختبار.
نصائح لتقليل المخاطر
لتخفيف الصداع، والإجهاد، والإرهاق، وجفاف العين، يمكن إغلاق العينين، وإبقاء النظر بعيداً عن شاشة الكمبيوتر من حين لآخر. ويُنصح بأن تغلق جهازك قبل النوم بساعتين، حتى ولو كنت تقرأ فقط؛ لأن الضوء الأزرق المنبعث من الشاشة قد يعيق إنتاج هرمون الميلاتونين من الجسم، وحينها سيضطرب نومك. أو يمكنك تفعيل الوضع الليلي في تطبيق القراءة، أو تثبيت برنامج على جهازك يخفف من الضوء في الليل.
المصدر: موقع «
عُلِّمنا» ollemna.com
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 1000