أوراق مونسانتو عن علوم الشركات

أوراق مونسانتو عن علوم الشركات

تظهر الوثائق الداخلية الصادرة في دعوى قضائية لضحايا السرطان كيف أن العملاق الكيميائي يدمر العلم بنشاط لتعزيز منتجاته وأرباحه.

ترجمة جيهان دياب
عن موقع المناخ والرأسمالية

أوراق مونسانتو هي كنز من الوثائق الداخلية التي صدرت واحدة تلو الأخرى منذ آذار 2017 كجزءٍ من دعوى قضائية أمريكية رفعها مرضى السرطان ضد مونسانتو بسبب مبيدات الأعشاب واسعة الانتشار، الغليفوسات. تشير هذه الأوراق إلى الكثير من نشاط مونسانتو بإفساد العلوم، وذلك لأنّ ممارسات الشركة تسيء باستمرار إلى المكانة الأخلاقية للعلم في دعايتها للدفع باتجاه مصالحها.
تنفق الشركة نحو 10% من رأسمالها في مجال البحث والتطوير لمواصلة تطوير تكنولوجيات زراعية جديدة، وكما ورد في وثائقها: «نعتقد أن الابتكار ينطوي على إمكانية تحقيق توازن بين احتياجات البشرية وموارد كوكبنا».
تتضمن الكشوفات التأكيد على أن الشركة بالكاد اختبرت سُميّة منتجاتها في العالم الحقيقي، وتجنبت بفاعلية متابعة الدراسات التي قد تظهر نتائج غير مرغوب فيها، وأخفت دراسات العلماء المستقلين المفترضين. كما أنها توضح قيامها بشكل منهجي بمهاجمة علماء هددت أبحاثهم أرباحها.
إن صناعة مبيدات الآفات تستخدم حججاً «قائمة على العلم» لإخفاء سياساتها والضغط على السياسيين. فهي تستدعي «العلوم السليمة» بشكل روتيني بطرق مسيسة للغاية، وترفض الأدلة العلمية التي تتعارض مع مصالحها باعتبارها «علماً غير مرغوب فيه». على سبيل المثال: نشر مدير لوبي اتحاد صناعة المبيدات التابع للاتحاد الأوروبي (ECPA) (الجمعية الأوروبية لحماية المحاصيل)، العديد من المقالات حول إعادة سماح الاتحاد الأوروبي باستخدام مبيد الغليفوسات، قال فيها: إن القرارات العامة يجب أن تستند إلى «الحقائق، وليس الخوف»، وأن وظيفة السياسيين هي «أن ننظر إلى العلم»، ليتظاهر بكل خطاب حماسي بأنه وصناعته، ينقذان العالم من الجوع.
إذاً، ما نوع العلم الذي تقوم به شركات المبيدات؟

«العلوم التنظيمية» مقابل العلوم
«العلم التنظيمي» يتضمن الدفاع عن سلامة منتجاتهم للتوافق مع اللوائح العامة ومعايير السموم التنظيمية الدولية. حيث تنفق شركات المبيدات الكثير من الوقت والمال في محاولةٍ للتأثير على القواعد والمعايير العامة للعلوم. على سبيل المثال: تلقى المعهد الدولي للعلوم الحياتية، الذي تموله العشرات من شركات الصناعات الغذائية، الشركات التجارية الزراعية الكبيرة متعددة الجنسيات، الهادفة للتأثير على الهيئات التنظيمية وأساليبها، للتأكد من عدم التدقيق عن كثب في مخاطر المنتجات الصناعية، أكثر من 20% من تمويله من مونسانتو عام 2012.
ولهذا آثار رئيسة في صناعة المبيدات. إذ لا تجري الاختبارات الجادة إلّا على المواد الفعالة، وليس على التركيبات المستخدمة فعلياً. وهذا يعني أن الاختبارات تجري فقط على الغليفوسات في مبيدات الأعشاب، وليس على تركيبات مثل «راوند أب مونسانتو» على الرغم من وجود دليل قوي على أنها أكثر سُميّة منه (لا يستخدم الغليفوسات لوحده كمبيد للأعشاب لأنه غير فعال). ورغم أن الأكاديميين يميلون إلى دراسة تأثيرات التركيبات الكاملة التي يتعرض لها الناس والبيئة في العالم الواقعي. إلا أن أعمالهم يتم إهمالها عادة.
تبين الوثائق التي تم الكشف عنها في عام 2002 أن شركة مونسانتو كانت على دراية جيدة بالدراسات المستقلة التي تظهر أن التركيبات تسببت بالضرر: «إن الغليفوسات على ما يرام ولكن المنتج المصاغ (وبالتالي المادة الفاعلة بالسطح) هي التي تسبب الضرر».
عندما قامت هيئة سلامة الأغذية الأوروبية والوكالة الأوروبية للمواد الكيميائية بتقييم سمية الغليفوسات، لم تختبر أيضًا تركيباته، لأن لوائح الاتحاد الأوروبي لا تطلبها. أوصت الوكالة الأوروبية لسلامة الأغذية فقط بأن تقوم الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي، باختبار سُميّتها الجينية التي تسبب في حدوث طفرات مسرطنة محتملة.
بعد تقييم الوكالة الدولية للأبحاث ضد السرطان التي أخذت الغليفوسات والصيغ النقية بعين الاعتبار، استمر الجدل العام لمدة 18 شهراً حول إعادة ترخيص الغليفوسات في الاتحاد الأوروبي، ليدور حول مسألة أنه يسبب السرطان للعمال الذين يستخدمون مبيدات الأعشاب المستندة إلى الغليفوسات أم لا. لكن المنظمين في الاتحاد الأوروبي لم يستطيعوا الإجابة عن هذا السؤال.

نشر الأوراق «المناسبة»
إن الدراسات العلمية التي تمولها الصناعة تميل إلى تحقيق نتائج تعود بالفائدة لصالحها- أو ما يسمى بالتحيز المالي- ولها عاملان رئيسان. أولاً: يميل الباحثون العاملون لدى الشركات إلى تصميم دراساتهم بطرق ستفيد رعاتهم. ثانياً: عادةً ما ترفض الشركات التي تمول الأبحاث نشر النتيجة إذا لم تناسبها. على المدى الطويل، يمكن أن يؤدي ذلك إلى تطور الأدبيات العلمية المتاحة حول قضية معينة، والتي لها عواقب سياسية كبيرة لأن مراجعة الأدبيات تلعب دوراً أكثر أهمية من الدراسات الفردية في تبليغ القرارات العامة.
تُظهر أوراق «مونسانتو» أنها تتجنب فعلياً متابعة الدراسات التي تخاطر بإظهار نتائج لا تريد الاعتراف بها. مثلاً: تُظهر المستندات الداخلية أن شركة «مونسانتو» قد أوقفت شركة الاستشارات الهولندية من تكرار الدراسة التي أشارت إلى أن تركيبة الغليفوسات تمتص من خلال الجلد بمعدل أعلى بكثير مما كان يعتقد سابقاً.
في حالة عمل عالم السموم البريطاني جيمس باري، الذي توصل في دراسة أجريت عام 2001 لشركة مونسانتو، وفقاً للدراسات المنشورة في ذلك الوقت إلى، «أن الغليفوسات قابل لإنتاج السُميّة الوراثية» واقترح إجراء دراسات إضافية للتحقق من هذه النتائج. كان رد «وليام هيدنز» من شركة مونسانتو:
«نريد أن نوجد/ نطور شخصاً مرتاحاً مع المظهر الوراثي للغلايوفوسات/ راوندأب والذي يمكن أن يؤثر على المنظمين وعمليات التوعية العلمية عند نشوء قضايا السُميّة الوراثية، أرى أن باري ليس هو ذلك الشخص حالياً، وسيستغرق الأمر بعض الوقت والدراسات عالية المستوى للتوصل لذلك الشخص. نحن ببساطة لن نقوم بإجراء الدراسات التي يقترحها باري».

عندما يؤدي خفض التكاليف إلى الخداع
هذا الدافع الربحي يتكرر في جميع أنحاء أوراق مونسانتو ويؤدي إلى ممارسات احتيالية في العلم، مثل: الدراسات البحثية الوهمية. وهذا ينطوي على وجود دراسة مكتوبة من قبل موظفي الشركة ولكن يفترض أنها من تأليف خبراء مستقلين يوافقون على التوقيع ووضع أسمائهم على الدراسة. وقد تم الكشف عن أدلة على مثل هذه الممارسة في العديد من الدراسات الهامة حول الغليفوسات المنشورة في الأدبيات العلمية، مثل: مراجعة أدبيات «وليم كورس ومونرو(2000) وكير وكيركلاند (2013)، أو نقد لتقييم IARC عام 2016. حتى المقالات الصحفية، مثل: مقالات افتتاحية نشرت في مجلة فوربس بقلم هنري ميلر، عالم، تم كتابتها من قبل موظفي شركة مونسانتو. كما أوضحت هايدينز في عام 2015 في البريد الإلكتروني الداخلي لشركة مونسانتو
مهاجمة العلماء المستقلين
لا تتردد مونسانتو في ممارسة الألعاب القذرة، فقد نظمت حملة لتدمير الوكالة الدولية لأبحاث السرطان بعد تقييمها الحرج للغليفوسات باعتبارها مادة مسرطنة محتملة، وبصورة أعم، كانت الشركة تحافظ على المراقبة الدائمة للأدبيات العلمية للتأكد من أن الدراسات التي تهددها قد قوضت. وجاء على لسان المدير التنفيذي السابق لشركة مونسانتو: أن «البيانات التي يقدمها الأكاديميون كانت دائماً مصدر قلق كبير بالنسبة لنا في الدفاع عن منتجاتنا». كما تم ذكر جمع المعلومات الاستخبارية عن أنشطة المنظمات غير الحكومية في الوثائق.

النتيجة
أولاً: يبدو أن العمل لصالح شركة مونسانتو يضع علماءها في مواقف محرجة. فلديهم إمكانية الوصول إلى الكثير من الموارد ولكنهم بحاجة إلى مواصلة خفض التكاليف، ويتعرضون للمخاطرة بارتكاب الاحتيال العلمي. إنهم يعرفون منتجاتهم بشكل متعمق ولكنهم لا يستطيعون نشر ما يعرفونه، ويحاربون من ينشره. كعلماء، بتسويق المنتج، تتحول كفاءتهم العلمية إلى محاربة العلوم ذات الصلة بدلاً من تطويرها.
وثانياً: إن هذه التبادلات تدل على أن الشركات لديها اهتمام راسخ في البحث الذي تقوم به أو تموله لتؤكد على سلامة منتجاتها حتى يمكن الوثوق بها كمصدر موثوق للقرار العام. كما تظل البحوث التي تجرى في الصناعة أساس تقييم الجهات التنظيمية العامة، في الاتحاد الأوروبي وأماكن أخرى. ومع ذلك، لن يكون من الصعب للغاية فرض رسوم على الصناعة مقابل تكلفة التقييمات العامة، كما أن البحوث الخاصة بتقييمات ما قبل السوق، التي يقوم بها باحثون مستقلون، تتبع البروتوكولات التجريبية التي تأخذ بعين الاعتبار ما تتعرض له بالفعل بيئتنا ونحن كمواطنين، بدلاً من سيناريوهات الخيال الملائمة من قبل دوائر الشؤون التنظيمية في الصناعة ومجموعات الضغط. لكن هذا يعتمد على الإرادة السياسية، وليس العلوم.