تحويل غزة إلى جبهة في الصراع الأمريكي-الصيني: استراتيجية صهيونية جديدة
تشانغ شياو لي تشانغ شياو لي

تحويل غزة إلى جبهة في الصراع الأمريكي-الصيني: استراتيجية صهيونية جديدة

في الأيام الماضية، حمّل رئيس وزراء «إسرائيل» بنيامين نتنياهو، وهو يواجه وفداً من أعضاء المجالس التشريعية في أمريكا، عزلة «إسرائيل» الدولية لمّا سماه «تطويقاً معلوماتياً» تشنه الصين وقطر باستخدام الذكاء الاصطناعي وتيك توك. هذه الاتهامات التي تفتقر تماماً إلى أي سندٍ واقعي، لم تواجَه فقط بدحضٍ قوي من جانب الصين، بل بدت أيضاً كمرآةٍ تعكس لجوءه في مأزقه الحكومي إلى محاولاتٍ يائسة، وكأنّ خبير حربٍ شبكية يصرخ «أمسكوا اللص» ليواري قلقه وحساباته.

ترجمة: أوديت الحسين

هذه «التركيبة» من رمي المسؤولية على الآخرين تبدو كأنها كلام مرتجل، لكنها في الحقيقة عرضٌ سياسي جرى التخطيط له بعناية. خلفها حاجةٌ عملية لتحويل ضغط الأزمات الداخلية والخارجية، كما تختبئ فيها نيةُ ربط الصراع الإقليمي بعربة أمريكا الهادفة إلى كبح الصين، مقابل نيل دعمٍ استراتيجي. نحن بحاجة إلى تقشير طبقات خطابِه، لنرى أيَّ «مشهد» تؤديه الصهيونية.

لماذا إلقاء اللوم على الصين؟

جاء إطلاق نتنياهو «نظرية التهديد الصيني» في هذا التوقيت في لحظةٍ شديدة الخطورة في مسيرة «إسرائيل». وجعل التناقضات الداخلية شأناً خارجياً هو حيلةٌ مجربةٌ كثيراً عند الساسة للخروج من المآزق.

أولاً، هناك ضغطٌ سياسي داخليٌ غير مسبوق داخل «إسرائيل». موجات احتجاجٍ تضم مئات الآلاف للمطالبة بإطلاق سراح الرهائن وإجراء انتخاباتٍ جديدة لم تتوقف، والاتهامات من عائلات الرهائن لنتنياهو بأنه ضحّى بهم حفاظاً على حياته السياسية تُصيب بيت الداء. في الوقت نفسه، امتلأ ائتلافه الحاكم اليميني المتطرف بالشقوق منذ زمن، وخروج بيني غانتس، عضو مجلس الحرب من التيار الوسطي، يكاد يعلن إفلاس حكومة «الوحدة». يُضاف إلى ذلك قضايا الفساد التي يتخبط فيها نتنياهو شخصياً، حتى صار الحفاظ على منصب رئاسة الوزراء يكاد يعادل الحفاظ على حريته الشخصية.

في هذا السياق، يصبح عدوٌّ خارجيٌ قوي - الصين - «كبش فداء» مثالياً. تصوير موجات المعارضة الداخلية المتلاحقة كأنها «مدفوعة من قوى خارجية» هو بلا ريب وسيلةٌ رخيصة للدفاع عن سياساتٍ فاشلة.

في الوقت نفسه، يزداد شدُّ الحبل الدبلوماسي من المجتمع الدولي يوماً بعد يوم. من نظر محكمة العدل الدولية «ICJ» في دعوى جنوب إفريقيا ضد «إسرائيل» بشأن الإبادة الجماعية، إلى سعي مدعي المحكمة الجنائية الدولية «ICC» لإصدار مذكرة توقيف بحق نتنياهو نفسه، إلى موجة اعتراف دولٍ أوروبية مثل إسبانيا وإيرلندا والنرويج بدولة فلسطين، ثم تقييد كندا وهولندا — وهما من الحلفاء التقليديين — لصادرات السلاح... تتذوق «إسرائيل» طعم عزلةٍ غير مسبوقة.

فكيف يشرح نتنياهو «نبذ الأصدقاء والحلفاء» هذا للداخل؟ جوابه: «ليست غلطتنا، الصين وقطر تعبثان من وراء الستار».

في هذا الشأن، أشار المتحدث باسم السفارة الصينية في «إسرائيل» بكل صراحة إلى أن هذا «إسعاف يائس» خاطئ التشخيص وخاطئ الدواء. فجوهر المشكلة لم يكن يوماً حفنة مقاطع على وسائل التواصل الاجتماعي، بل الكارثة الإنسانية المستمرة في غزة والواقع القاسي المتمثل في تأخر حل القضية الفلسطينية حلاً عادلاً.

ثانياً: من يتحدث عن كونه «ضحية» تطويقٍ معلوماتي؟

لنكشف الوجه الحقيقي لهاسبارا Hasbara «الإسرائيلية». تصوير الذات كضحيةٍ في حرب المعلومات هو أكثر مشاهد عرض نتنياهو مفارقةً. والحقيقة أن «إسرائيل» ليست فقط «معلماً قديماً» في حرب الرأي العام على الشبكات، بل إن استراتيجيتها المنهجية في الدبلوماسية العامة المسماة «هاسبارا» قد تحولت منذ زمن إلى منظومةٍ ناضجةٍ للتأثير في الرأي العام العالمي.

لننظر سريعاً في بضعة أمثلة: المثال الأول: بعد اندلاع حرب غزة، ضخت وزارة الخارجية «الإسرائيلية» وغيرها أموالاً ضخمة. وفقاً لتقرير مركز موارد الأعمال وحقوق الإنسان، فإن وزارة الخارجية «الإسرائيلية» وحدها بثت على منصة «إكس» بعد 7 تشرين الأول 2023 بأيام قليلة ثلاثين إعلاناً شوهدت أكثر من أربعة ملايين مرة، كما نشرت على موقع يوتيوب أكثر من خمسة وسبعين إعلاناً مختلفاً، ووجّهتها بدقة لجمهراتٍ في فرنسا وألمانيا وأمريكا وبريطانيا. وكشفت تحقيقات رويترز أن هذه الإعلانات - المتضمنة لقطاتٍ عنيفة - ظهرت حتى داخل ألعابٍ على هواتف الأطفال مثل «الطيور الغاضبة»، ما أثار جدلاً واسعاً. وقد أقرت وزارة الخارجية بأن الإعلانات ممولة حكومياً، لكنها نفت تعمد استهداف القاصرين.

مؤخراً، أنفقت وزارة الخارجية «الإسرائيلية» ملايين الدولارات على يوتيوب وفيسبوك وغيرها في حملاتٍ إعلانيةٍ مشبعة. وقد نشرَت منصة «Spotlight» التابعة لاتحاد الإذاعات الأوروبية «EBU» تقريراً بعنوان «جبهة الحرب الجديدة: داخل الهجوم الرقمي لـهاسبارا (الإسرائيلية)»، كشف بعمق كيف تستخدم «إسرائيل» الوسائل الرقمية ومنصات التواصل الاجتماعي والإعلانات المدفوعة بهدف التأثير في الرأي العام العالمي، وصياغة سردية الصراع في غزة، والرد على الانتقادات الدولية.

ويتضمن ذلك: أولاً، استهدافاً دقيقاً عبر «غوغل» و«ميتا» لإعلاناتٍ سياسية تؤكد «حق الدفاع عن النفس». ثانياً، تمويل «رحلاتٍ عسكرية» لصانعي محتوى عالميين وتزويدهم بمواد رسمية لنشر محتوى مؤيد لـ«إسرائيل»؛ ثالثاً، توحيد التخطيط المعلوماتي عبر «مكتب الإعلانات الحكومي»، وصولاً إلى استخدام وسائل استخبارات المصادر المفتوحة للتلاعب العكسي بالرأي العام.

ورغم أن هذه التحركات حققت أثراً في بعض مساحات الرأي العام، لكنّها أثارت أيضاً شكوكاً جدية حول التلاعب بالمعلومات وحياد المنصات، وكشفت عن حدّين لهذه الحرب الإدراكية، بما يدل على دخول الدعاية الحكومية مرحلة «المنصات بوصفها ميداناً للعمليات».

وبحسب ما جاء في تقرير اتحاد الإذاعات الأوروبية، فقد أنفقت «إسرائيل» مئة وسبعةً وستين مليون شيكل «خمسين مليون دولار» وأبرمت اتفاقات مع «غوغل» الأمريكية ومنصة «إكس» للتواصل الاجتماعي ومنصات إعلاناتٍ في فرنسا و«إسرائيل»، بغرض نفي وجود مجاعةٍ في غزة. وتمتد هذه العقود من 17 حزيران حتى 31 كانون الأول، خُصِّص منها مئة وخمسون مليون شيكل «خمسة وأربعون مليون دولار» لحملات يوتيوب ومنصة إدارة الحملات الإعلانية «Display Video 360» التابعة لـ«غوغل»، وحصلت منصة «إكس» بضعة ملايين من الدولارات، ونالت منصتا الإعلانات «Outbrain» و«Teads» في فرنسا و«إسرائيل» على مليونين ومئة واثني عشر ألف دولار.

المثال الثاني: مجندون شبكيون - «Act.IL». إذا كانت الإعلانات المدفوعة هي «الجيش النظامي» في الهجوم الأمامي، فإن المجندين الشبكيين الذين حرّكهم تطبيق «Act.IL» هم «قواتُ كرٍّ وفرٍّ» في حرب الرأي لصالح «إسرائيل»، بأساليب أكثر مرونةً وخداعاً.

1244_h_20

تطبيق Act.IL طوّرته جامعة IDC هرتسليا «الإسرائيلية» الخاصة بالتعاون مع «مجلس «الإسرائيليين-الأمريكيين» IAC، وهو منظمة أمريكية مؤيدة لـ«إسرائيل». مصدر تمويله الأساسي كان «مؤسسة» الملياردير الأمريكي وإمبراطور الكازينوهات و«المانح الجمهوري» شيلدون أديلسون. والأهم، كما كشفت «The Forward» و«+972 Magazine»، أن المشروع تعاونَ عن كثب مع وزارة الشؤون الاستراتيجية «الإسرائيلية»، المسؤولة عن مواجهة حركة المقاطعة وسحب الاستثمارات وفرض العقوبات «BDS» عالمياً. وقد وصفه الوزير آنذاك جلعاد إردان بأنه «القبة الحديدية للحقيقة».

قلب التطبيق هو «قائمة مهام» يتم تحديثها باستمرار، تفكك الأهداف الدعائية الكبرى إلى عملياتٍ دقيقة على مستوى «الميكرو». ويمكن تلخيص نمط «التعاون» هذا بـ«ثلاث ضربات»: الضربة الأولى - «التبليغ»: عند ظهور فيديو أو منشورٍ مؤيدٍ لفلسطين وله أثرٌ كبير، يُصدر «Act.IL» مهمةً عاجلة لحشد المستخدمين للتبليغ عنه بذريعة «التحريض على الكراهية» وغيرها، بهدف استغلال آليات المراجعة الآلية لدى المنصات لحذفه.

الضربة الثانية - «التحكم بالتعليقات»: وفق «The Forward»، ففي احتجاجات حدود غزة عام 2018 أطلق «Act.IL» مهماتٍ ترشد المستخدمين إلى «الإعجاب» المكثف بالتعليقات المؤيدة لـ«إسرائيل» تحت منشوراتٍ على «فيسبوك» لوسائل مثل «CNN» و«وول ستريت جورنال»، حتى ترتفع إلى قمة التعليقات، فتؤثر في «الانطباع الأول» للقراء.

الضربة الثالثة - «إعادة النشر»: يزوّد التطبيق المستخدمين بصورٍ وفيديوهات قصيرة ونصوصٍ جاهزة «بضغطة واحدة» للنشر على حساباتهم، لتوليد انتشارٍ فيروسي.

وهناك أيضاً «تحفيزٌ معنوي» بنظام النقاط والترتيب: فكل مهمةٍ تُنجَز تمنح نقاطاً وأوسمةً افتراضية، ويظهر ترتيبٌ عالمي للمستخدمين. ورغم إعلان توقف التطبيق في عام 2022، فإن نموذج التعبئة الذي ابتكره وشبكاته الخلفية لا تزال تعمل عبر منصاتٍ اجتماعية أخرى.

المثال الثالث: زرعٌ ناعم عبر تسويق المؤثرين: تنظم «إسرائيل» فعالياتٍ تحت مسمى «رحلات من أجل الحقيقة» «Tours for Truth» أو مسمياتٍ قريبة، تُنفق فيها على دعوة مؤثرين وصنّاع محتوى من أمريكا وأوروبا وأمريكا اللاتينية لزيارة «إسرائيل». تُغلَّف هذه الرحلات بعناية على أنها «تجربة شخصية» لاكتشاف الحقيقة ومشاهدة التاريخ، لا حملة دعائية رسمية.

وبحسب «رولنغ ستون»، فإن هذه الرحلات - التي تمولها عادةً منظمات غير ربحية مؤيدة «لإسرائيل» مثل «Facts for Peace» وبتنسيقٍ حكومي «إسرائيلي» - ذات حجمٍ وأثرٍ معتبرين. فقد تجمع الرحلة الواحدة أكثر من عشرة صانعي محتوى، ويبلغ مجموع متابعيهم عشرات الملايين، بما يحقق تغطيةً دقيقة لشرائح محددة.
حين يحوّل هؤلاء المؤثرون - ذوو الجمهور الضخم - «تجاربهم الشخصية» إلى قصص قصيرة على إنستغرام أو مقاطع تيك توك، تبلغ قوة انتشارٍ تعجز عنها المنابر الرسمية. فمثلاً، حقق فيديو زيارة المؤثرة «مونتانا تاكر» - التي لديها ما يقرب من تسعة ملايين متابع - أكثر من خمسة ملايين مشاهدة، وهو ما يدل على تأثيرٍ بالغ.

في هذه المقاطع، غالباً ما «تدمع العيون» ويتحدث صُناع المحتوى بصيغة المتكلم عما رأوه بين الأنقاض، ويعرضون لحظات العناق مع عائلات الضحايا، ليخلصوا «بشكلٍ طبيعي» إلى نتيجةٍ مؤيدةٍ «لإسرائيل».

غير أنّ «حقيقة رحلات الحقيقة» هي أن المؤثرين نادراً ما يُؤخذون إلى الضفة الغربية لمعاينة الاحتلال العسكري والعنف الاستيطاني الذي يواجهه الفلسطينيون يومياً، كما أنهم لا يستطيعون دخول غزة لمواجهة الكارثة الإنسانية الناجمة عن العمليات العسكرية «الإسرائيلية». هذا «تسليحٌ» لتأثير الأفراد و«تسليعٌ» للتعاطف العاطفي، يطمس الحدود بين الرؤية الحقيقية والإخراج المتقن، ويمد ميدان الحرب الإدراكية إلى شاشة كل متابع.

باختصار، حوّلت «إسرائيل» ساحة الرأي العام إلى ساحة قتال، وبنت قوةً «ثلاثية الأبعاد» من رسميين ومدنيين وشركات ومؤثرين. أن تتهم الآخرين اليوم بشن «تطويق معلوماتي» هو التعبير الأدق لـ«اللص يصرخ: أمسكوا اللص».

ثالثاً: من الوحدة 8200 إلى «بيغاسوس»

إذا كانت «هاسبارا» بمثابة «الكتيبة الدعائية» في حرب الرأي، فإن قوة «إسرائيل» الصلبة في الفضاء السيبراني أشدُّ إقلاقاً.

في المقدمة تأتي وحدة استخباراتها «8200». هذه الوحدة التابعة للاستخبارات العسكرية «الإسرائيلية» توصف بأنها «وكالة الأمن القومي» الخاصة «بإسرائيل»، وهي من أقوى قوى الحرب السيبرانية في العالم. ويُعتقد على نطاقٍ واسع أنها طوّرت أو شاركت في تطوير أول «سلاحٍ رقمي» في العالم، فيروس «ستاكسنت» «Stuxnet»، الذي شلّ منشآتٍ نووية إيرانية. كما أن قدامى هذه الوحدة صاروا «الكلية العسكرية العليا» لقطاع التكنولوجيا «الإسرائيلية»، فأسسوا شركاتٍ لا تُحصى في أمن المعلومات.

ومن أشهرها سوءاً «مجموعة NSO» وبرمجيتها التجسسية «بيغاسوس Pegasus». هذا السلاح - المنبثق عن بيئة تقنيات الوحدة 8200 - قادرٌ على اختراق أي هاتفٍ ذكي والتحكم الكامل به من دون أي أثر. وقد أظهرت «مشروع بيغاسوس» - وهو تحقيقٌ مشترك لوسائل إعلامٍ حول العالم - أن حكوماتٍ في عشرات الدول اشترت «بيغاسوس» واستخدمته للتجسس على صحافيين ومدافعين عن حقوق الإنسان وقادة معارضات بل وحتى رؤساء دول «بحسب تقارير إعلامية». فكيف يجرؤ بلدٌ «سَلَّع» أدوات مراقبةٍ على المستوى الوطني وصدّرها للعالم على اتهام الآخرين بصناعة «تهديدٍ معلوماتي»؟

والدلائل الأحدث أكثر مباشرة حتى من كلّ ما سبق. ففي أيار 2024 أصدرت «ميتا» و«أوبن إيه آي» تقارير كشفت وحيّدت شبكةَ «سلوكٍ زائفٍ منسق» مصدرها «إسرائيل». هذه الشبكة أدارتها شركة تسويقٍ سياسي «إسرائيلية» اسمها «Stoic»، أنشأت مئات الحسابات المزيفة التي تنتحل صفات «طلابٍ في أمريكا» و«أمريكيين من أصولٍ إفريقية» وغيرهم، بل استخدمت محتوى مولداً بالذكاء الاصطناعي، لنشر كمياتٍ كبيرة من رسائل مؤيدة «لإسرائيل» ومنتقدةٍ لاحتجاجات الجامعات ضد الحرب. هذا «دليلٌ رسمي» يسقط نهائياً قناع «الضحية» عن دور «إسرائيل» في حرب المعلومات.

رابعاً: ربط الصراع الإقليمي بعربة كبح الصين الأمريكية

حين وجّه نتنياهو سهامه نحو الصين وتيك توك والذكاء الاصطناعي أمام مئتين وخمسين نائباً من مجالس ولايات أمريكا، كان «الحساب الاستراتيجي» الحقيقي واضحاً: ربط قضايا أمن «إسرائيل» الإقليمية بأكبر استراتيجيةٍ وطنية لأمريكا - كبح الصين - وبالتوقيت الأنسب: أثناء تحقيق تقدمٍ مهم في مفاوضات الصين وأمريكا بشأن تيك توك.

خلال السنوات الأخيرة، فإنّ تضخيم «نظرية تهديد التكنولوجيا الصينية» صار «صواباً سياسياً» للحزبين في أمريكا. وقد نسخت تصريحات نتنياهو «سيناريو» واشنطن ضد «هواوي» و«تيك توك» نسخاً تاماً. وجوهر رسالته إلى الساسة الأمريكيين: لدينا «عدوٌّ مشترك»، ودعم «إسرائيل» هو دعمٌ لمعركة أمريكا ضد ما تسمّيه «الاستبداد الرقمي» على مستوى العالم.

من خلال هذا «الربط الموضوعي»، يحاول نتنياهو رفع الصراع الفلسطيني–«الإسرائيلي» من قضيةٍ إقليميةٍ شائكة إلى جبهةٍ شرق أوسطيةٍ في التنافس العالمي بين أمريكا والصين. فهو يحاول أن يدفع واشنطن إلى تبني دعم «إسرائيل» من جديد، لا بناء على الأسس القديمة، بل بناء على «الضرورة الاستراتيجية» الجديدة، ما يدفعها لتأمينها عسكرياً ودبلوماسياً واقتصادياً لزمن أطول.

غير أن «تكرار الكذبة ألف مرة» لن يجعلها حقيقة. فالجمهور حول العالم يرى عبر وسائل التواصل المأساة الإنسانية الحقيقية في غزة، ويسمع صرخة الشعب الفلسطيني من أجل الحياة والكرامة. تشويه هذه الأصوات النابعة من الضمير باعتبارها «حرب معلومات» تديرها دولٌ هو إهانةٌ لذكاء البشر، وتجاهلٌ لأبسط المبادئ الأخلاقية.

إن الطريق الحقيقي للخروج لم يكن يوماً في صناعة «أعداء جدد» لصرف الأنظار. وكما قالت وزارة الخارجية الصينية، فإن الحل الوحيد القابل للتنفيذ للصراع في فلسطين هو تطبيق «حل الدولتين». ولن يعرف الشرق الأوسط سلاماً حقيقياً إلا بالاعتراف بجذور المشكلة وردّ الحق لأصحابه من الشعب الفلسطيني. وأما محاولة امتطاء «عربة كبح الصين» لإطالة عمر سياساتٍ خاطئة، فلن يكون مصيرها إلا أن تسحقها عجلات التاريخ.

معلومات إضافية

العدد رقم:
1244