«ماخ 2» وما بعده: السّباق العالمي الجديد في الطائرات فرط الصوتية
تشي بو نوا تشي بو نوا

«ماخ 2» وما بعده: السّباق العالمي الجديد في الطائرات فرط الصوتية

قبل عدة أشهر، نشر موقع البيت الأبيض مادة بعنوان «القرارات الحكيمة للرئيس ترامب تقود الطيران المدني فرط الصوتي العالمي». بعد مختلف عبارات التبجيل و«علوم الانتصار» المبالغ فيها، فإن الفحوى هي: ترامب أصدر أمراً تنفيذياً ألغى بموجبه الحظر الذي استمر أكثر من نصف قرن على الطيران المدني فرط الصوتي فوق اليابسة في أمريكا. فما هو «حظر الطيران المدني فرط الصوتي فوق اليابسة»؟ ولماذا وُجد أصلاً؟ وما علاقته بالطائرة الشهيرة «الكونكورد»؟ سيقدم هذا المقال عرضاً موجزاً للقضايا التقنية ذات الصلة، ويبيّن التطورات الراهنة ممثلة بالصين وأمريكا، ثم يحلّل ما قد يترتب على هذا التغيير الذي أقدم عليه ترامب.

سوق الطائرات فرط الصوتية وميزة «الكونكورد»

رغم أن أوروبا وأمريكا تبدوان شكلياً تحت سيادة دول مختلفة، إلا أنهما ككلٍّ تاريخي- ثقافي وسوقي لا ينفصلان، وهناك ميل متزايد للتكامل السياسي والقانوني. وهذا التكامل دفع دوماً إلى تحسين أدوات العبور عبر الأطلسي: من سفينة كولومبوس «سانتا ماريا» الشراعية، إلى بواخر الركاب العملاقة مثل «تيتانيك» و«أوليمبيك»، وصولاً إلى ولادة وتعميم الرحلات الجوية المدنية العابرة للأطلسي. كلها كانت تجسيداً لحاجة ذاتية لـ«التكامل عبر ضفتي الأطلسي» داخل هذه الحضارة.

هذه الحاجة ذاتها هي ما أوجدت في ستينيات القرن العشرين سوقاً موضوعية لطائرة «الكونكورد» فرط الصوتية، حين دخلت صناعة الطيران مرحلة الطائرات بسرعة ماخ 2، وأصبحت الرحلات العابرة للمحيط ممكنة اقتصادياً. وهذا ما دعم تشغيل «الكونكورد» نصف قرن، بل وحقق لها قدراً من الربحية.

الأمر الآخر، أنّ الولايات المتحدة، وإن كانت جزءاً من حضارة «الأطلسي الأوروبي – الأمريكي»، إلا أنها بلد واسع المساحة بخصائص مختلفة تشبه مستطيلاً ممدوداً. الأراضي الداخلية قليلة السكان، بينما تتمركز السياسة والاقتصاد والثقافة على السواحل، فلماذا إذن انتهت برامج الطائرات فرط الصوتية المدنية الأمريكية في الستينيات إلى فشل كبير؟

الأسباب عديدة، من بينها: الانشغال بمشروع الهبوط على القمر الذي استنزف الموارد، والإفراط في الطموح ما أدى إلى عجز التصميمات عن الإغلاق المنطقي. لكن السبب الخارجي الأكبر كان تأثير «الانفجار الصوتي» على مشاريع أمريكا مقارنة بمشروع «الكونكورد».

الانفجار الصوتي

الانفجار الصوتي هو الظاهرة التي يسمعها من هم على الأرض عندما يمر فوقهم جسم بسرعة فرط صوتية. بخلاف هدير الطائرات التقليدية الذي يُسمع تدريجياً من بعيد إلى قريب ثم بعيد، فإن الشخص على الأرض لا يسمع شيئاً حتى تمر الطائرة فوقه، فيسمع فجأة دويّاً مفاجئاً، غالباً ما يكون «انفجارين متقاربين»، يليه هدير المحركات النفاثة. انفجارات الطائرات فرط الصوتية تعتبر تلوثاً ضوضائياً، وقد تؤثر سلباً على كبار السن والحوامل ومرضى القلب.

بالنسبة لـ«الكونكورد»، ومعظم رحلاتها عبر الأطلسي، كان الانفجار الصوتي يحدث فوق البحر، وتأثيره على البشر يكاد يُهمل. لكن في أمريكا، حيث كانت الطائرات فرط الصوتية ستعبر القارة بشكل متكرر بين الساحلين، كان الأمر مختلفاً: سكان «المناطق الداخلية» كانوا بالفعل يصفون ولاياتهم بأنها «مناطق عبور»، لكن سماع دويّ الانفجارات يومياً فوق رؤوسهم شيء آخر تماماً.

تنبأ الفيزيائي السوفييتي ليف لانداو بظاهرة الانفجار الصوتي عام 1945، لكن الغرب لم يهتم كثيراً. غير أن ستينيات القرن العشرين كانت زمن بزوغ «الوعي البيئي». عام 1964، أجرت إدارة الطيران الفيدرالية FAA وسلاح الجو الأمريكي تجربة «بونغو 2» في أوكلاهوما، سببوا خلالها 1253 انفجاراً صوتياً فوق أوكلاهوما سيتي، مستخدمين قاذفات B-58 وغيرها، لدراسة تأثيرها على المباني والبشر. النتيجة: 9594 شكوى من أضرار بالمباني (زجاج مكسور، جدران متشققة، بلاط متساقط)، و4629 شكوى إصابة شخصية. لكن معظمها رُفض من الحكومة والمحاكم تحت ذريعة «المصلحة الوطنية» و«التضحية العلمية». ذلك منح الانفجار الصوتي سمعة شيطانية في أمريكا.

نقل السياسيون هذه المخاوف إلى الكونغرس، فصوّت مجلس الشيوخ عام 1971 «51 مقابل 46» على وقف تمويل برامج الطائرات فرط الصوتية. وبالتالي، انهارت المشاريع الأمريكية، ولم يعد هناك سوق محلي لها. وهنا لجأت أمريكا إلى استراتيجية «أنا لا أربح، إذاً لا أحد يربح»، مستخدمة نفوذها كسوق طيران مدني ضخم. وفي عام 1973، أصدرت FAA لائحتين تحظران الطيران فرط الصوتي فوق اليابسة، إلا لأغراض البحث «الحظر الذي ألغاه ترامب لاحقاً»، كما أصدرت لوائح أخرى بشأن الضجيج، فقضت عملياً على أي سوق أمريكي للكونكورد، ومنعت تطوير نسخ جديدة. ثم في عام 1985، جرى إدخال هذا الحظر بصيغة أكثر تعميماً إلى ملاحق منظمة الطيران المدني الدولي.

كيف يُفهم قرار ترامب؟

في حزيران من هذا العام، وقّع ترامب أمراً تنفيذياً بعنوان «تعزيز الطيران فرط الصوتي الأمريكي» كلف فيه إدارة الطيران الفيدرالية بإلغاء الحظر المنصوص عليه في اللائحة بحلول كانون الأول 2025، كما أمرها بوضع معايير جديدة لاعتماد ضوضاء الطائرات فرط الصوتية، وبإزالة العقبات التنظيمية الأخرى. يبدو هذا القرار وكأنه جاء فجأة، لكنه في الحقيقة منطقي ضمن سياق معيّن.

من جهة، ومع تسارع ظهور تقنيات عسكرية صينية، مثل: المقاتلات من الجيل السادس وحاملات الطائرات الكهرومغناطيسية، يخيّم على أوساط الطيران والدفاع الأمريكية شعور عام بـ«القلق من التخلف». هذا القلق أخذ يتحول تدريجياً إلى ما يشبه هوساً على طريقة هتلر في أواخر الحرب العالمية الثانية: الإيمان بأن «السلاح الجديد سيغيّر قواعد اللعبة». هذه الذهنية تنعكس بوضوح في قرارات ترامب نفسه، كما تتجلى في اندفاع رأس المال الأمريكي نحو مشاريع عسكرية ناشئة: ففي المراحل المبكرة لشركة «Boom Supersonic»، شاركت صناديق استثمار، مثل: Caffeinated Capital و8VC، وهما نفس الصناديق التي ضخت لاحقاً أموالاً في شركات عسكرية ناشئة مثيرة للجدل، مثل: بالانتير وسارونيك. هذا دليل على أن الاستراتيجية الأمريكية في مجال الصناعات العسكرية لم تعد «الهجوم الشامل»، بل «الهجوم الانتقائي» على مشاريع محددة.

ترامب قام خلال هذا العام بـ«حملة تطهير كبرى» في قطاع الطيران والفضاء الأمريكي. ففي ميزانية السنة المالية 2026، قلّص بشكل هائل مخصصات الأبحاث العادية لوكالة ناسا: من 7.3 مليار دولار إلى 3.9 مليار فقط «مع الإشارة إلى أن بعض المقالات التي تكتبها أدوات الذكاء الاصطناعي على الإنترنت تورد أرقاماً خاطئة». اللافت، أن ما اقتُطع كان بالدرجة الأولى من المشاريع العلمية طويلة الأمد التي لا تقدم عوائد سياسية أو انتخابية سريعة. رفع الحظر التنظيمي عن الطيران فرط الصوتي المدني هو أداة مساندة لهذه السياسة، ويتماشى مع «الصواب السياسي» لدى الحزب الجمهوري.

لكن بالإضافة لقراءة قرارات ترامب من زاوية «المصلحة الوطنية الأمريكية» أو «مصلحة الحزب الجمهوري» أو حتى «مصلحة مجمع الصناعات العسكرية». فترامب شخصياً رجل استعراض، جشع، لا يتقيد بما اعتاده الساسة الأمريكيون من نفاق متحفظ. لذلك فإن كل قرار يتخذه يحمل أيضاً بصمة مصالحه الشخصية ومصالح داعميه.

بالنسبة لترامب، إزالة العقبات التنظيمية أمام مشاريع يستثمر فيها أنصاره، هو شكل مشروع من «إرضاء المحبين». ومن زاوية كبار الرأسماليين الأمريكيين، فهذا دليل على «مرونة» النظام السياسي في خدمة مصالحهم.

1243_h_39

هل سيُسرّع رفع الحظر تطور الطيران فرط الصوتي المدني الأمريكي؟

الجواب البسيط: لا. فاللوائح القديمة كانت تسمح أصلاً برحلات «تجريبية» فوق اليابسة إذا لم يصل الانفجار الصوتي إلى الأرض. أي إنّ الشركات، من الناحية القانونية، لم تكن تحتاج بالضرورة إلى تعديل اللائحة كي تجري طلعات فرط صوتية تجريبية. وفي ظل المستوى الحالي من الانحطاط في الحياة السياسية الأمريكية، يمكن عملياً الالتفاف على النصوص القائمة: يكفي أن تُسجّل الرحلة باعتبارها «عرضاً توضيحياً» لتصبح مشمولة بالاستثناء.

الواقع، أنّ شركات مثل «Boom» لا تحاول أساساً تطوير حلول حقيقية لتقليل الانفجار الصوتي، بل تراهن على مسارين: الطيران فوق المحيطات بلا قيود، أو الاعتماد على ما يُسمى «قطع الماخ Mach Cutoff»، وهو ظاهرة ينكسر فيها مسار موجة الانفجار الصوتي بفعل التدرجات الجوية فلا تصل إلى سطح الأرض. النتيجة: هناك «سجادة انفجار صوتي» ذات حدود واضحة، وخارجها مناطق «ظل صوتي» لا يُسمع فيها أي دوي. إذا كانت سرعة الطائرة بالكاد فوق حاجز الصوت (ماخ 1.1 أو 1.2) وعلى ارتفاع مناسب، فإن جميع موجات الانفجار قد تنكسر إلى الأعلى، فلا تصل أي منها إلى الأرض. هذا ما يُعرف بـ«قطع الماخ».

على الورق، هذا يعني أن السكان على الأرض لن يسمعوا شيئاً، ولن تكون هناك حاجة لتصاميم معقدة لتخفيف الانفجار الصوتي. لذلك أعلنت «Boom» أن نموذجها «X1B» سيعتمد هذه الظاهرة.

لكن لهذه «الحيلة» ثمن باهظ: فهي تفرض سقفاً صارماً على سرعة الطيران. ففي الارتفاعات العملية للطيران المدني، لا يمكن تجاوز سرعة ماخ 1.3 تقريباً إذا أردت ضمان «قطع الماخ». وغالباً ما تكون السرعة الممكنة أقرب إلى 1.1 ماخ فقط.

لكن طائرات رجال الأعمال الحديثة مثل «غولف ستريم» تصل بالفعل إلى 0.96 ماخ (أي قريبة جداً من حاجز الصوت). والفارق بين 0.96 وماخ 1.1 لا يتعدى دقائق معدودة في زمن الرحلة. مقابل ذلك، تحتاج الطائرة فرط الصوتية إلى كميات وقود ضخمة، وتتكبد تكاليف صيانة وبنية تحتية هائلة. النتيجة: ربحية شبه معدومة. من هنا وصف بعض الباحثين «قطع الماخ» بأنه «شعوذة تقنية»: يبدو رائعاً على الورق، لكن قيمته العملية محدودة جداً.

علاوة على ذلك، لا يمكن اعتبار «قطع الماخ» حلاً مضموناً. فالانفجار الصوتي وإن كان يتحدد أساساً بشكل الطائرة وسرعتها، إلا أن مساره في الجو يتأثر كثيراً بعوامل البيئة الجوية: تدرج الحرارة والضغط، أنماط الرياح، وحتى ارتفاع سطح الأرض أو المباني الشاهقة. كل هذه العوامل خارجة عن سيطرة الشركة المصنعة أو حتى شركة الطيران المشغِّلة.

لهذا السبب، ورغم أن الجيش الصيني يلتزم عادة قاعدة «لا تحليق فرط صوتي فوق المناطق المأهولة»، إلا أن بعض المدن الصينية سمعت أحياناً دوياً ناتجاً عن انفجار صوتي. مثال ذلك: ما حدث في تشرين الثاني 2015، حين سُمع في مدينة تشنغدو «انفجار سماوي» كبير. وبعد التحقيق، تبيّن أنه ناجم عن طائرة تجريبية كانت تحلّق في شمال غرب المدينة.

بكلمات أخرى: نجاح «قطع الماخ» يعتمد بشكل كبير على ظروف الطقس والبيئة في وقت الطيران. إذا تغيّرت الظروف، قد يشعر الناس بالانفجار رغم كل الحسابات النظرية. لذلك، فإن اعتماد «Boom» على هذه الحيلة فقط، مع تجاهل مسؤوليتها عن صحة وسلامة الناس، هو تجسيد جديد لحقيقة أن «الرأسمالية تؤدي إلى تغريب التكنولوجيا».

الفرط صوتي الصيني

بينما لا يمكن لقرار ترامب أن يُسرّع بالفعل تطور الطيران فرط الصوتي المدني في الولايات المتحدة، فإن الصين تسير بسرعة لافتة في الاتجاه المعاكس: اللحاق، بل والتقدّم في بعض المجالات. في الصين، برزت جامعتان أساسيتان في هذا المجال: جامعة نورث وسترن بوليتكنيك وجامعة بيهانغ.

الأولى: بدأت قبل ما لا يقل عن 15 عاماً أبحاثاً أساسية حول النمذجة النظرية لانفجار الصوت وتصميمات الانسيابية المناسبة. أسس عميدها الأسبق مؤسسة بحثية متخصصة، وأكد مبكراً أن هذا المجال يحتاج إلى تطوير أربع تقنيات مفتاحية:

1- نماذج التنبؤ بالانفجار الصوتي. 2- محركات جديدة قادرة على العمل بكفاءة في هذا النطاق. 3- مواد متقدمة تتحمل الظروف القاسية. 4- تصميم أمثل متعدد التخصصات.

الثانية: جامعة بيهانغ، مع حلول عام 2015 كانت قد أتمت مسحاً واسعاً لما حققه الغرب خلال العقود الماضية، ونشر رئيس تحرير سابق لمجلة «الطيران» مقالة طويلة راجع فيها تاريخ تطور الطائرات فرط الصوتية، وأحدث تقدمات الغرب في مجالي خفض الانفجار الصوتي والتصميم الأمثل متعدد التخصصات، ودعا بوضوح إلى تكثيف الجهود الصينية في هذا المضمار.

قبل عقد تقريباً، كان يُنظر إلى الصين على أنها متأخرة أكثر من نصف قرن عن الغرب في هذا المجال. لكن مع نضج الظروف التكنولوجية والاقتصادية ودخول هذا الموضوع إلى دائرة الاهتمام الاستراتيجي الوطني، نجحت مؤسسات عملية صينية في تحقيق اختراقات سريعة: فخلال نحو خمس سنوات فقط، تخطّوا مستوى التنبؤ الخطي بالانفجار الصوتي ووصلوا إلى نمذجة غير خطية لمساره في الغلاف الجوي – وهو مستوى لم يسجّل الغرب فيه تقدماً ملموساً منذ تسعينيات القرن الماضي.

عام 2018، تعاون فريق الانفجار الصوتي في معهد الديناميكا الهوائية التابع لصناعة الطيران الصينية مع شركة الفضاء الخاصة «زيرو وان سبيس»، حيث أطلقوا مركبة شبه مدارية تعمل بالوقود الصاروخي من طراز OS–X0، بهدف قياس خصائص الانفجار الصوتي على الأرض. وقد حصلوا لأول مرة على بيانات واقعية لانفجارات صوتية في الغلاف الجوي الصيني، ما ملأ فجوة تاريخية في هذا المجال.

في عام 2023، حقق معهد بحوث الطيران في بكين تقدماً أكبر، إذ حلّ مشكلة التنبؤ بـ«الانفجار الصوتي المركّز» الناتج عن الطيران غير الخطي، أو المناورات فرط الصوتية. وبهذا أصبحت نظرية التنبؤ بالانفجار الصوتي أكثر اكتمالاً وقابلة للتطبيق العملي.

في أيار 2024، نشر نائب رئيس لجنة العلوم والتكنولوجيا في صناعة الطيران الصينية، وهو أيضاً كبير مصممي مقاتلة «جي–15» سابقاً، وأحد خريجي جامعة بيهانغ، مقالاً في مجلة «العلوم الهندسية الصينية» بعنوان «استراتيجية تطوير تكنولوجيا الطيران خلال العشرين عاماً المقبلة». وضع فيه الطائرات المدنية فرط الصوتية ضمن أولويات التطوير الاستراتيجي، وحدّد محاور أساسية:

1- التصميم الشامل لتقليل الانفجار الصوتي. 2- المحركات ذات الدورة المتغيّرة. 3- المواد المركبة الذكية القابلة للإصلاح الذاتي. وأشار المقال إلى أنّ الهدف المركزي هو تحقيق التوازن بين الجدوى التجارية ومتطلبات البيئة.

في الوقت نفسه، قدّم «مختبر تيانموشان» بالتعاون مع جامعة بيهانغ وشركة «كوماك» نموذجاً أكثر واقعية من الناحية التقنية: طائرة رجال أعمال بسرعة ماخ 2، سُمّيت «تيانموشان 10»، تتميز بانخفاض المقاومة والضوضاء. في 30 حزيران 2025، أقلع نموذج تجريبي مصغّر بنسبة 1/18 بنجاح.

بهذا، تجمع الصين بين نهجين متكاملين، الأول: النهج الاستراتيجي الوطني: حيث تتولى «الجهات الوطنية الكبرى» بناء الأساسيات العلمية والتقنية بخطوات ثابتة. الثاني: النهج التجاري المرن، حيث يجرّب القطاع الخاص الحلول السريعة ويختبر السوق، في دور أشبه «بطليعة الاستكشاف».

من منظور يتجاوز التقنية نفسها، فإن الطائرة المدنية فرط الصوتية ليست بديلاً شاملاً للطائرات التقليدية، بل أداة شديدة التخصّص تعتمد على مستوى عميق من التكامل الاقتصادي الإقليمي والعولمة. في عالم تُهيمن فيه النزعات الانعزالية، وتغلق فيه السياسات القومية- «مثل أمريكا أولاً» - الأبواب بوجه التبادل الاقتصادي والثقافي العابر للحدود، من المستحيل أن تكون الولايات المتحدة قادرة على قيادة هذا المجال. لكنها تظل قادرة– بفعل نفوذها السياسي– على إحداث اضطراب عالمي يؤخر استفادة البشرية من هذه التكنولوجيا.

في المقابل، النهج الصيني القائم على «العمل الجاد على الأساسيات، والسماح للقطاع الخاص بالتجريب» يبدو الخيار الأكثر واقعية حالياً. فبينما تسعى الإدارة الأمريكية الحالية إلى تحويل مشاريع الطائرات فرط الصوتية إلى أداة في لعبة السياسة والسباق العسكري، تسلك الصين مساراً أكثر جدوى: تطوير المعرفة الأساسية، بناء القدرات الصناعية، والتقدّم نحو طائرات فرط صوتية مدنية قادرة على تحقيق التوازن بين الجدوى الاقتصادية وحماية البيئة.

معلومات إضافية

العدد رقم:
1243