حتمية الاستقلال: الانتقال الاستراتيجي التركي والأسباب والآثار الاقتصادية والعسكرية (1)

حتمية الاستقلال: الانتقال الاستراتيجي التركي والأسباب والآثار الاقتصادية والعسكرية (1)

على مدى العقدين الماضيين، انتقلت العلاقات بين أمريكا وتركيا من شراكة استراتيجية متينة إلى حالة توتر واضحة. وقد اتسم هذا التدهور بخلافات سياسية امتدت إلى المجالين الاقتصادي والعسكري. فبعد أن كانتا حليفتين وثيقتي الصلة داخل الناتو، بات البلدان اليوم يختلفان حول قضايا محورية تتراوح من الأمن الإقليمي إلى التزوّد بأنظمة التسليح. وتعكس المؤشرات الكمية هذا الشرخ: إذْ لا تمثّل أمريكا اليوم سوى نحو 6.5% من صادرات تركيا و4.8% من وارداتها، ورغم أنها ما تزال ثاني أكبر مصدر للاستثمار الأجنبي المباشر في تركيا بنسبة 8.1% من إجمالي التدفقات التراكمية، فإن التجارة والتعاون الدفاعي قد أصابهما الجمود أو التراجع، من إخراج أنقرة من برنامج F-35 إلى العقوبات التي هزّت الليرة بنسبة 40% عام 2018.

سنحاول تالياً في الجزء الأول، بالاستناد إلى البيانات الرسمية والإحصاءات الدولية، تقييم كيفية انعكاس الروابط الاقتصادية على التموضعات السياسية والتعاون العسكري. أما الجزء الثاني فسيتناول بالتفصيل انعطافة أنقرة شرقاً، عبر الشراكات والتعاون مع روسيا والصين في مجالات التجارة والتمويل والعسكرة، وما يعنيه ذلك من إعادة تشكيل للتوازنات الجيوسياسية في أوراسيا والعالم.

تسلسل زمني لمكامن التوتر السياسي مع الولايات المتحدة

بدايات الألفية: عقب الحرب الباردة، اتسم تحالف أمريكا–تركيا بقوة ملحوظة، لكن حرب العراق 2003 كانت نقطة تحوّل. ففي آذار 2003 رفض البرلمان التركي السماح للقوات الأمريكية بغزو العراق عبر الأراضي التركية. كان هذا القرار سابقة تعكس معارضة شعبية تركية كاسحة للحرب «أكثر من 80% ضدها» وقد أنبأت بتزايد النزعة الاستقلالية في قرار أنقرة. وقد شملت التداعيات تراجعاً في الثقة– تجسده حادثة «الأكياس» منتصف 2003 حين احتجزت قوات أمريكية جنوداً أتراكاً في شمال العراق– ومهّدت الطريق لخلافات لاحقة. ومع ذلك واصلت تركيا التعاون في ساحات أخرى، فأرسلت قوات للمهمة التابعة للناتو في أفغانستان خلال العقد الأول من الألفية، رغم بروز شقوق مبكرة في الشراكة.

2010–2015 – سياسات متباعدة: في مطالع العقد الثاني، تأرجحت العلاقات بين تعاون وتنافر. عام 2011، وافقت تركيا على استضافة رادار للدفاع الصاروخي تابع لأمريكا/الناتو ضمن درع إقليمي، في إشارة إلى استمرار التماثل الاستراتيجي. غير أنّ اندلاع الحرب السورية سرعان ما أحدث شقاقاً. بحلول 2014، أثار دعم أمريكا لقوات «سوريا الديموقراطية» استياءً تركياً شديداً. وتفاقم تآكل الثقة بعد محاولة الانقلاب في تموز 2016 التي حمّلتها أنقرة لشبكة فتح الله غولن المقيم في أمريكا، والتي لم تُلبِّ طلبات تركيا بتسليم غولن، ما غذّى الضغينة. وفي أعقاب ذلك، ترسخ لدى أنقرة انطباع بأن واشنطن حليف غير موثوق، وربما غير متعاطف، ما دفعها للبحث عن شركاء أمنيين بدلاء.

2016–2019 – خلافات معلنة وعقوبات: أواخر العقد، انفجرت الخلافات إلى العلن. عام 2017، سلّحت إدارة ترامب الميليشيات السورية المناهضة لتركيا مباشرة رغم اعتراضات تركيا. وفي العام نفسه، قررت تركيا التوجّه نحو روسيا لتلبية حاجاتها في الدفاع الجوي، وبدأت التفاوض على شراء منظومة S-400. انتهى الأمر بتسلّم تركيا المنظومة في تموز 2019 في صفقة قدرها 2.5 مليار دولار، وهي المرة الأولى التي يشتري فيها عضو في الناتو عتاداً روسياً متقدماً بهذا المستوى.

كان الرد الأمريكي سريعاً: أُقصيت تركيا من برنامج المقاتلة الشبح F-35 – مع إلغاء أسطولها المخطط له الذي يزيد على 100 طائرة– وفُرضت عرقلات في الكونغرس على صفقات سلاح أخرى. وفي الفترة نفسها نشب نزاع مرّ بشأن القس الأمريكي أندرو برانسون المحتجز في تركيا. في آب 2018 فرضت واشنطن عقوبات «ماغنيتسكي» على مسؤولين أتراك، ورفعت الرسوم الجمركية على الصُّلب والألمنيوم التركي إلى الضعف، ما أشعل ذعراً مالياً.

هوت الليرة نحو 40% أمام الدولار في 2018 خلال الأزمة، في مثال على كيف يمكن للخلافات الدبلوماسية أن تعصف بالاقتصاد التركي. ورغم إطلاق سراح برانسون في تشرين الأول 2018، كانت العلاقات قد تضررت بشدة.

2020–2023 – تحالف فاتر: استمر التوتر في العقد الحالي. أواخر 2020، وتحت قانون «كاتسا» CAATSA لمواجهة خصوم أمريكا، فرضت واشنطن عقوبات على رئاسة الصناعات الدفاعية التركية (SSB) ومسؤوليها بسبب شراء S-400. كانت هذه سابقة بمعاقبة وكالة دفاعية لحليف في الناتو، وجسّدت انهيار الثقة.

بالتوازي، ظهرت خلافات داخل الناتو: خطوات تركيا الصارمة في شرق المتوسط «مطالب بحرية وتنقيب عن الغاز أشعلا نزاعات مع اليونان وقبرص» وضعتها على طرف نقيض مع شركاء غربيين. وتفاقم الجفاء الرمزي في عهد بايدن مع اعترافه عام 2021 بـ«الإبادة الأرمنية»، وهو ما نددت به أنقرة. وزادت الحرب الروسيّة الغربية في أوكرانيا في 2022 المشهد تعقيداً: زودت تركيا أوكرانيا بطائرات مسيّرة مسلحة، ودعمت دبلوماسياً مبادرة حبوب البحر الأسود، لكنها في الوقت نفسه عمّقت روابطها الاقتصادية مع موسكو.

أثار «اللا اصطفاف» التركي– رفض الانضمام لعقوبات الغرب على روسيا– الاستغراب في واشنطن، حتى أنها عطّلت توسيع الناتو، فحجبت انضمام السويد وفنلندا لأكثر من عام حتى تلبية مطالبها بإتمام صفقة F-16 وقطع غيارها. لكن في الوقت نفسه، كانت تركيا تمدّ جسوراً نحو أطر بديلة– فتقدمت للانضمام إلى منظمة شنغهاي للتعاون و«بريكس» في 2022–2024 – بما يوحي بإعادة تموضع استراتيجي.

تآكل الروابط الاقتصادية: اتجاهات التجارة والاستثمار

تجلّت التوترات السياسية بتزايد في العلاقات الاقتصادية. فرغم نمو التجارة الثنائية بين تركيا وأمريكا بالقيم المطلقة، فإنها لم تساير وتيرة تجارة تركيا مع شركاء آخرين، وبقيت متواضعة مقارنة بحجم اقتصادَي البلدين. في عام 2000 بلغ إجمالي تجارة السلع 6.8 مليارات دولار. وبحلول 2010 تضاعفت إلى 14.7 مليار مع فائض كبير لصالح أمريكا. في 2022 وصلت تجارة السلع إلى 33.9 مليار دولار، لكن الميزان انقلب: بلغت الصادرات الأمريكية 15.16 ملياراً والواردات من تركيا 18.79 ملياراً، بفائض لصالح تركيا قدره 3.6 مليارات. وفي 2024 كانت تجارة السلع نحو 32.1 مليار، وتقلص العجز الأمريكي إلى 1.4 مليار.

تشير هذه الأرقام إلى أن تركيا عززت صادراتها «لا سيما في الصلب والسيارات والأجهزة المنزلية» إلى أمريكا، فيما تشتري نسبياً كميات أقل من المنتجات الأمريكية. بالفعل، تمثل تركيا حصة صغيرة من تجارة أمريكا العالمية– ففي 2020 جاءت 0.5% فقط من واردات أمريكا من تركيا وذهبت 0.7% من صادرات أمريكا إلى تركيا.

تركيب التجارة: يبيّن تركيب التجارة الثنائية جوانب الاعتماد المتبادل ونقاط الاحتكاك. تاريخياً تشمل صادرات أمريكا إلى تركيا الطائرات المدنية والآلات والإلكترونيات والسلع الزراعية، فيما تصدّر تركيا إلى أمريكا السيارات والصلب والمنسوجات والسلع الاستهلاكية. في 2020 كانت أكبر قطاعات السلع المتبادلة: معدات النقل، المنسوجات والأحذية، المعادن «بما فيها النفط والمشتقات»، الآلات والمعدات الميكانيكية، الحجر/الزجاج/المجوهرات، والكيماويات/البلاستيك. واللافت، أن تركيا أصبحت مورداً مهماً لبعض المنتجات المتخصصة لسوق أمريكا، ففي 2020 استوردت أمريكا أسلحة وذخائر من تركيا بقيمة 323 مليون دولار، نحو 8.5% من إجمالي وارداتها في هذا البند، وعلى الضفة الأخرى، تقدم أمريكا خدمات عالية القيمة لتركيا – ففي 2024 بلغ إجمالي تجارة الخدمات 10.9 مليارات دولار، صدّرت فيها الشركات الأمريكية 5 مليارات، واستوردت رقماً مماثلاً.

1245_h_29

مع ذلك، لم تبلغ الروابط التجارية الثنائية كامل طاقتها. فلا توجد اتفاقية تجارة حرة، ومبادرة التوسيع التجاري في عهد ترامب لم تحقق تقدماً يُذكر. وفي 2019 ألغت أمريكا استفادة تركيا من نظام الأفضليات المعمم GSP «إعفاءات جمركية لبعض الصادرات» بحجة أن تركيا باتت «متقدّمة» على هذا البرنامج، وقد أصاب ذلك صادرات تركية، مثل: المنسوجات والجلود برفع الرسوم. وردّت تركيا برسوم على منتجات أمريكية «4%–70% على 791 مليون دولار» في «حرب تجارية» مصغّرة. ورغم محدودية هذه الإجراءات، فإنها أبرزت كيف تتسرب التوترات السياسية إلى سياسات التجارة.

تدفقات الاستثمار ومناخ الأعمال: تروي روابط الاستثمار قصة مركبة. لطالما كانت أمريكا مصدراً مهماً للاستثمار الأجنبي المباشر في تركيا، ولا سيما بعد انفتاح تركيا على الأسواق العالمية في مطلع الألفية. تعمل أكثر من 1000 شركة أمريكية في تركيا، وغالباً ما تستخدمها مركزاً إقليمياً، وقد وظفت نحو 59,000 عامل حتى 2019. ووفق بيانات تركية رسمية، شكّلت أمريكا 8.1% من إجمالي الاستثمار الأجنبي التراكمي 2003–2021، خلف هولندا «15.7%» فقط.

استثمرت شركات أمريكية في المال والصناعة والطاقة والتجزئة– مثل: تحالفات تاريخية لــFord وGeneral Electric ومقار لشركات تقنية، مثل Microsoft وGoogle. ومع ذلك، لم ينمُ الاستثمار الأمريكي بسرعة في السنوات الأخيرة، إذ خفّفت التحولات السياسية الداخلية والالتفات شرقاً بعضاً من حماس المستثمرين الغربيين. بلغ متوسط التدفقات الأمريكية السنوية أقل من مليار دولار في أواخر العقد الثاني، من أصل تدفقات سنوية كلية 5–10 مليارات تقريباً. كما أن الشركات التركية كانت حذرة في الاستثمار في أمريكا، باستثناءات محدودة في الطيران والمنسوجات.

تثبّط مؤسسات تنظيم الأعمال الغربية أعضاءها عن الاستثمار في تركيا. كمثال: تشير تقارير مكتب الممثل التجاري الأمريكي USTR إلى عقبات، مثل: البيروقراطية وتنظيمات غير متوقعة، ومتطلبات توطين البيانات ورسوم مرتفعة «خاصة في الزراعة» ومخاوف الملكية الفكرية. وقد ساهمت أحداث، مثل: محاولة انقلاب 2016 وأزمة العملة 2018 في جعل المستثمرين الغربيين أكثر تحفّظاً. بالفعل، تسببت أزمة برانسون في آب 2018 – مع معاقبة وزيرين تركيين وفرض رسوم 50% على الفولاذ– في انهيار الليرة 40% ذلك العام، بما يبرهن كيف تفزع الأسواق بفعل الخلافات الجيوسياسية. وتأثر قطاع الأعمال التركي بدوره: فقد خسرت شركات الصلب والألمنيوم حصتها في السوق الأمريكية بفعل الرسوم العقابية في 2018.

كما أن الشركات التركية المتعاملة مع دول خاضعة لعقوبات أمريكية (مثل: إيران، أو مؤخراً روسيا) تواجه خطر «العقوبات الثانوية»، ما يضيف عدم يقين. كل ذلك دفع القطاع الخاص إلى «التحوّط» عبر تنويع أسواق التصدير، ومصادر التمويل مع تدهور العلاقات مع واشنطن.

تراجع التعاون العسكري والروابط الدفاعية

كان التعاون العسكري حجر الزاوية بين البلدين لوقتٍ طويل، لكنه شهد هبوطاً حاداً في السنوات العشر الأخيرة. تمتلك تركيا ثاني أكبر جيش في الناتو، وكانت لاعباً رئيسياً في مبادرات تقودها أمريكا. لكن بيانات نقل السلاح والمشاريع الدفاعية والمناورات تشير جميعاً إلى خفض ملحوظ في التعاون منذ منتصف العقد الماضي.

نقل السلاح والتزود الدفاعي: المؤشر الأوضح هو الهبوط الحاد في واردات تركيا من السلاح الأمريكي. وفق بيانات معهد ستوكهولم لأبحاث السلام «SIPRI»، تراجعت واردات تركيا من السلاح 59% بين 2011–2020، خاصة في الفترة التي تزامنت مع تداعيات شراء S-400 والحظر الأمريكي. وانخفض ترتيب تركيا من سادس أكبر مستورد عالمي إلى خارج العشرة الأوائل بحلول 2020، وكان سبباً رئيسياً وقف أمريكا تسليم F-35 وعتادٍ آخر بعد 2018. وبحلول 2020 كان المسؤولون الأمريكيون قد جمّدوا عملياً مبيعات كبرى– «حظر سلاح» غير معلن. وتؤكّد بيانات 2020–2024 هذا المسار: فقد انخفضت واردات السلاح التركية 33% إضافية بين 2020–2024، لتنخفض حصة تركيا إلى 1.1% من الواردات العالمية. واللافت، أن أياً من أكبر ثلاثة مورّدين لتركيا في تلك الفترة لم تكن أمريكا– بل إسبانيا «34%»، وإيطاليا «24%»، وألمانيا «19%». أي أن حصة العتاد الأمريكي تتضاءل، لتحل محلها تجهيزات أوروبية أو منتجات تركية محلية.

وتجسّد «ملحمة F-35» هذا الانهيار. إذ كانت تركيا شريكاً من المستوى الثالث في البرنامج، واستثمرت أكثر من مليار دولار، وصنّعت مكونات للطائرة. وكان من المتوقع تسلمها 100 طائرة على الأقل. لكن بعد تسلّم S-400 في تموز 2019، استبعدت تركيا ثم أُخرجت من البرنامج. برّرت أمريكا ذلك بخطر كشف رادارات S-400 لأسرار «الشبحية». لم تخسر تركيا الطائرات فقط، بل فقدت أيضاً حصتها الصناعية «أكثر من 900 جزءٍ كان يُصنّع في تركيا، نُقل إلى موردين آخرين». شكّل ذلك ضربة اقتصادية ومعنوية للصناعة الدفاعية التركية. ثم في كانون الأول 2020، فرضت وزارة الخارجية الأمريكية عقوبات «كاتسا» على رئاسة الصناعات الدفاعية ومسؤوليها، ومنعت جميع تراخيص التصدير لها، وقيّدت الوصول إلى المؤسسات المالية الأمريكية، ما جعل اقتناء التكنولوجيا الأمريكية أصعب، وحتى بعض المواد ذات الاستخدام المزدوج. وتوقفت مشاريع مشتركة، مثل: تحديث أسطول F-16 بانتظار موافقات الكونغرس. والنتيجة التراكمية: «فكّ اقتران» بين القطاعين الدفاعيين في البلدين.

الناتو والمناورات الاستراتيجية: إلى جانب صفقات السلاح، تأثرت مشاركة تركيا في مهام الناتو ومناوراته. فتركيا لا تزال عضواً يفي بالتزاماته، وتشارك في أنشطة الحلف «شرطة البلطيق والقوات الرد السريع»، لكن التوترات السياسية سببت تعثّرات موسمية. ففي 2019 أدت عملية تركيا ضد قوات حليفة لأمريكا في سورية إلى حظر عدة دول في الناتو صادرات السلاح لتركيا وطنياً. لم يفرض الناتو عقوبات، لكن الحادثة وسّعت الشروخ. وبالمقابل، باتت تركيا أكثر صدامية داخل الحلف– إذ عرقلت مرة خطة دفاع عن بولندا والبلطيق ما لم يُصنّف الحلف ميليشيات كردية «إرهابية».

توحي هذه الحوادث بتآكل الثقة. كما أن المناورات الثنائية رفيعة المستوى تقلصت حضوراً. على سبيل المثال: شهد تمرين «نسر الأناضول» الجوي تراجع مشاركة أمريكية في السنوات الأخيرة، وإن كانت البيانات الدقيقة شحيحة، كما تضرر الحوار العسكري رفيع المستوى بعد 2016 مع خروج العديد من الضباط الذين تربطهم علاقات قوية مع الغرب من المشهد بطرق مختلفة. ومع ذلك، لا تزال تركيا تستضيف قوات أمريكية في قاعدة إنجرليك ومحطة رادار كوريجيك، ويتعاون الطرفان ضد داعش. لكن هذه العناصر التعاونية تغدو اليوم محاطة بشك متبادل. وإثارة تركيا اعتراضات على عضوية السويد وفنلندا في 2022 زرعت شكوكاً إضافية في واشنطن حول موثوقيتها، حتى أن بعض الأصوات في الكونغرس لوّحت بعضوية تركيا نفسها– رغم أن قواعد الإجماع في الناتو تحول دون الإقصاء.

تكيف الصناعة الدفاعية التركية: الأمر الأكثر ثباتاً في السنوات الماضية، هو سعي تركيا للاكتفاء الذاتي. إذ حفّز ذلك استبدال بعض التكنولوجيا الغربية بالإنتاج المحلي. والنتيجة لافتة: قفزت صادرات السلاح التركية 103% بين 2020–2024 مقارنة بالسنوات الخمس السابقة. وبحسب SIPRI أصبحت تركيا في المرتبة 11 عالمياً في التصدير، صعوداً من 18 قبل خمس سنوات.

وطورت شركات مثل: «بايكار» و«أسيلسان» و«تاي» طائرات مسيّرة وصواريخ ومركبات تُلبّي قسماً أكبر من احتياجات البلاد، وتُباع خارجاً «لا سيما في أفريقيا وآسيا الوسطى وأوكرانيا». وبحلول 2020، كانت تركيا تنتج نحو 70% من معداتها العسكرية ارتفاعاً من نحو 20% في مطلع الألفية. وقد عجّلت القيود الأمريكية والأوروبية بهذا الدفع– فعندما حُظر نقل تكنولوجيا المسيّرات، طوّرت تركيا «بيرقدار TB2» التي أثبتت نفسها في ليبيا وسورية وأذربيجان. وبالتالي، تراجعت الحاجة إلى الواردات «خصوصاً من أمريكا». وهذه قاعدة صناعية تعد ميزة استراتيجية طويلة الأمد، لكنها تغذّي الابتعاد عن أمريكا أيضاً، إذ تقلل الحاجة لشراء السلاح الأمريكي، وتتيح اتباع سياسات أكثر استقلالية. لكنّها لا تخلو من عثرات: فما زالت تركيا تستورد مكونات عالية التقنية «محركات نفاثة، إلكترونيات» من الغرب، وقد تعيق العقوبات مشاريع مهمة، مثالها: حظر تصدير محركات مروحيات أمريكية أخّر بيع مروحيات هجومية لباكستان في 2020.

معلومات إضافية

العدد رقم:
1245