كيفيّة التحوّل إلى «التصنيع الزراعي» وتحقيق نمو إنتاجي وفوائض زراعية
تعيش سورية اليوم حالة انعدام في الأمن الغذائي لأغلبية شعبها، والسبب الرئيسي في ذلك هو تمزيق القطاع الزراعي وتقليص الدعم الحكومي عنه منذ ما قبل الحرب وصولا إلى الإجهاز عليه بشكل كامل خلال سِنيّ الحرب. في المرحلة القادمة، عندما تحظى سورية بسلطة جديّة تضع خططاً حقيقية لدعم القطاع الزراعي وإحلال «التصنيع الزراعي»، فإنها تحتاج إلى «تجميع» الأراضي بطرق مبتكرة، وإرساء نُظم جماعية للفلاحين تسهّل رفع الإنتاجية الزراعية وتحقيق الفوائض بطرق عملية. تالياً سنلقي نظرة على ثلاثة نماذج حققت بالمجمل نجاحات باهرة، رغم مواجهتها الكثير من التحديات والصعاب، والهدف هو تحرير الفلاحين من هيمنة التجّار، والأهم من هيمنة الشركات الأجنبية. تقدم هذه التجارب رؤى مختلفة حول نجاحات وإخفاقات النماذج الزراعية، وتأثيرها العميق على المجتمعات التي تبنّتها.
التجربة السوفيتية
في أواخر العشرينيّات، واجهت القيادة السوفييتية تحدّيَ تحديث الزراعة لدعم التصنيع السريع. وفقاً للخطة الخمسية الأولى «1928–1932»، كان من المخطط تجميع 20% فقط من الأسر الفلاحية، مع تحديد هدف أعلى في أوكرانيا 30%. لكن بحلول عام 1928–1929، اندلعت أزمة حادة في توريد الحبوب، فقد رفض الفلاحون بيع الحبوب بأسعار الدولة، ممّا أدى إلى نقصٍ خطير في الإمدادات الغذائية للمدن، وبرزت طبقة الكولاك «أثرياء الفلاحين» الذين قاموا بإخفاء الحبوب، وحرقها وقتل الماشية عندما لا يستطيعون إخفاءها، ورفضوا الانضمام إلى المزارع الجماعية.
في كانون الأول 1929، أعلن ستالين السياسة الجديدة: «تصفية الكولاك كطبقة»، وهو ما عنى مصادرة أراضيهم ووضعها في وصاية الدولة ضمن عمليات تأميمٍ شاملة. في 1930–1931، أطلقت الحكومة السوفييتية حملة تجميع هائلة وسريعة، حيث ارتفع عدد المزارع الجماعية من 57,000 في عام 1929 إلى أكثر من 211,000 بحلول عام 1932، مما أدى إلى تجميع أكثر من 60% من الأسر الفلاحية ضمن مجمّعات تعاونية، ما يمكن تسميته اليوم بالتجمعات «الصناعية الزراعية».
لكنّ عملية الصراع مع الكولاك لم تنتهِ بشكل سريع، ولهذا سادت الاضطرابات بشكل شديد في العديد من الأماكن في الريف السوفييتي، وذلك وصولاً إلى 1933. قبل التجميع، كان الإنتاج الزراعي السوفييتي مستقراً نسبياً، حيث بلغ إنتاج الحبوب عام 1928 نحو 73 مليون طن، وهو أعلى بنسبة 24% من آخر سنة قبل الحرب والثورة. بحلول عام 1932، انخفض إنتاج الحبوب إلى 55–60 مليون طن، وهو انخفاض حاد مقارنة بعام 1928. لكن بحلول عام 1937، بدأ الإنتاج الزراعي بالتعافي، حيث سجلت الحصيلة السنوية نحو 100 مليون طن من الحبوب، وكان ذلك مدفوعاً بتحسين إدارة المزارع الجماعية بعد استقرار النظام الجديد وإزالة خطر الكولاك، والأهم فرصة زيادة المكننة الزراعية، حيث تمّ إدخال 75,000 جرار زراعي بحلول عام 1932 عبر نظام محطات الجرارات الآلية (MTS).
إن أحد إنجازات التجميع الزراعي كان التوسع السريع في المكننة. في 1928، كان لدى الاتحاد السوفييتي بضعة آلاف فقط من الجرارات، وبحلول 1940، زاد العدد إلى أكثر من 500,000 جرار. تم إنشاء محطات الجرارات الآلية (MTS)، والتي زودت المزارع الجماعية بالجرارات والمعدات الحديثة. بحلول عام 1940، كان 75% من الحرث و48% من الحصاد يتم بالآلات، مما ساعد على زيادة الإنتاجية.
أوقفت الحرب العالمية الثانية، وهجوم النازيين على الاتحاد السوفييتي، الخط الإيجابي المتسارع في 1940. لكن بحلول 1950 تعافت الزراعة السوفييتية، حيث بلغ إنتاج الحبوب 110–125 مليون طن، متجاوزاً مستويات ما قبل الحرب.
كانت الفكرة الأساسية وراء التجميع الزراعي هي توفير الموارد اللازمة للتصنيع السريع. من خلال التحكم في الزراعة، تمكنت الدولة من: تأمين الحبوب بأسعار منخفضة وبيعها في السوق الدولية لتمويل استيراد الآلات. كذلك إطعام الطبقة العاملة في المدن بأسعار رخيصة، مما سمح للدولة بالاستثمار في الصناعات الثقيلة. تأهيل العمّال من الريف إلى الصناعة، حيث انخفضت نسبة السكان العاملين في الزراعة من 80% عام 1926 إلى 56% عام 1940، مع رفع الإنتاج. بحلول عام 1955، كان الاتحاد السوفييتي قد أصبح ثاني أكبر اقتصاد صناعي في العالم، مما يعكس نجاح التخطيط المركزي في تحقيق أهدافه.
الصين: «السير على قدمين»
في الصين، واجه الحزب الشيوعي الصيني مهمّة هائلة تتمثل في تحويل اقتصاد زراعي شبه إقطاعي يغلب عليه الطابع الفلاحي إلى دولة اشتراكية حديثة. لطالما أكدت النظرية الماركسية أن الجمع بين الزراعة والصناعة، والقضاء على التقسيم بين الريف والمدينة، يعدّان أمرين أساسيين لبناء الاشتراكية.
في البداية، اتبع الحزب الشيوعي الصيني النموذج السوفييتي، إذ ركزت الخطة الخمسية الأولى (1953–1957) على الاستثمار الحكومي في الصناعة الثقيلة، على أن يتم تمويلها من خلال استخراج فائض زراعي. تم تشجيع الفلاحين على بيع الحبوب للدولة بأسعار منخفضة حتى تتمكن الدولة من تجميع رأس المال اللازم للنمو الصناعي. ومع ذلك، لم يكن الإنتاج الزراعي وفق أساليب الزراعة التقليدية الصغيرة ينمو بالسرعة الكافية لتلبية هذه الاحتياجات.
أكد الحزب الشيوعي الصيني أن الزراعة الجماعية فقط يمكنها التغلب على المشكلات المتأصلة في الاقتصاد الزراعي الصيني: التجزؤ الشديد للأراضي، الإنتاجية المنخفضة، الكوارث الطبيعية المتكررة، والاستغلال من قبل ملاك الأراضي في المجتمع القديم.
كانت الإصلاحات الزراعية «1949–1952» قد وزعت الأراضي من ملاك الأراضي إلى الفلاحين الفقراء، مما خلق قاعدة أكثر مساواة. لكن ظلَّ معظم الفلاحين فقراء ويواجهون صعوبات مثل «نقص الأراضي، الفيضانات والجفاف المتكرر، وأساليب الزراعة المتخلفة»، مما يعني أن مستويات معيشتهم ظلت منخفضة. لذلك، تم تصوير الملكية الجماعية للأراضي وتجميع العمل على أنهما الخطوة المنطقية التالية لتحسين سبل العيش ومنع ظهور برجوازية ريفية جديدة.
كانت استراتيجية ماو تتمثل في كسب الفلاحين الفقراء والمتوسطين للتعاون الطوعي، وعزل أي فلاحين أغنياء قد يعارضون الاشتراكية. اتخذت الصين مساراً تدريجياً نحو التنظيم الجماعي، مستخدمة مزيجاً من الإقناع والضغط. ففي أوائل الخمسينيات، بعد القضاء على طبقة ملاك الأراضي من خلال الإصلاح الزراعي، شجّع الحزب الشيوعي الفلاحين على تشكيل «فرق المساعدة المتبادلة MATs» – وهي مجموعات صغيرة تتألف من نحو 5-10 أسر تقوم بتجميع العمالة والحيوانات المستخدمة في الحرث خلال المواسم الزراعية الرئيسية. تم تقديم هذا الشكل على أنه تعاون طوعي لتحسين الكفاءة، بينما احتفظت كلّ أسرة بملكية أرضها الخاصة.
بحلول عامي 1953–1954، انتقل الحزب إلى إنشاء تعاونيات منتجي الزراعة الأدنى مستوى، والتي ضمّت عادةً 20–40 أسرة، لم تجمع العمالة فقط، بل الأرض أيضاً «مع بقائها مملوكة بشكل فردي ولكن تُدار جماعياً». وكان توزيع الناتج يتم بناءً على مساهمات كل أسرة من حيث العمل والأرض. ومع ذلك، لم ينضم سوى أقلية من الفلاحين في البداية – حيث لم تكن نسبة الأسر المشاركة في التعاونيات تتجاوز ربع إجمالي الأسر الريفية بحلول عام 1955. ثمّ بين عامي 1955 و1957، مع انطلاق عمليات التسريع، تم إدماج نحو 96 بالمئة من 550 مليون فلاح في الصين ضمن التعاونيات، ممّا أنهى فعلياً الزراعة الفردية وأتمّ التحوّل إلى الزراعة الصناعية.
بحلول عام 1956، انضمت جميع الأسر الزراعية تقريباً «أكثر من 100 مليون أسرة» إلى تعاونيات متقدمة، حيث أصبحت الأراضي مملوكة جماعياً للمجموعة، فيما حصل الملاك السابقون على تعويضات على شكل نقاط عمل أو أسهم في الإنتاج. في عام 1958، كان هناك نحو 26,000 تعاونية متقدمة في أنحاء البلاد. لم تكن التعاونية المتقدمة مجرد كيان اقتصادي، بل مؤسسة شاملة تجمع بين الإدارة المحلية والإنتاج الاقتصادي والخدمات الاجتماعية.
لكن رافق تشكيل التعاونيات المتقدمة سياسات شديدة التطرّف. بحلول عامي 1959–1960، أصبح من الواضح أن القفزة الكبرى للأمام كانت فشلاً ذريعاً. فقد أدى الاضطراب الذي أحدثته السياسات الزراعية الطائشة إلى انخفاض الإنتاج بشكل كارثي، في حين تسبب الجفاف والفيضانات في تفاقم الأزمة. نتيجة لذلك: انهار إنتاج الحبوب من 200 مليون طن في 1958 إلى 147.5 مليون طن في 1961. أدت هذه العوامل إلى مجاعة مروعة بين عامي 1959-1961.
أجبر هذا الوضع الحكومة على التراجع وإجراء تعديلات واسعة. في أوائل الستينيات، تم تقليص حجم التعاونيات المتقدمة، وإعادة المزيد من الصلاحيات إلى ألوية الإنتاج «20-30 أسرة لكل فريق»، وأعيد السماح للفلاحين بزراعة قطع أراضٍ خاصة صغيرة وبيع جزء من إنتاجهم في الأسواق الحرة. إلى جانب الاستثمار في الأسمدة الكيماوية والتوسع في مشاريع الري وزراعة المحاصيل مرتين سنوياً، ما أدّى لاستعادة الإنتاج الزراعي تدريجياً.
في المرحلة التعاونية الأولى «1953–1957»، شهد الإنتاج الزراعي نمواً معتدلاً. فعلى سبيل المثال، ارتفع إنتاج الحبوب من نحو 163–181 مليون طن في 1952 إلى نحو 200 مليون طن في 1958. كان هذا معدل نمو سنوي يتراوح بين 3-4 بالمئة، وهو تحسن ملحوظ مقارنة بالفترة التي سبقت عام 1949. وقد كان هذا النمو كافياً لمواكبة الزيادة السكانية، مع توفير إمدادات غذائية للمدن، وبناء احتياطيات من الحبوب، رغم أن مستوى الميكنة ظل منخفضاً مقارنة بالاتحاد السوفييتي.
بعد المجاعة، تم تنفيذ إصلاحات تصحيحية ساعدت في استعادة الاستقرار الزراعي. من أهمها قيام الدولة بزيادة استثماراتها في الأسمدة الكيماوية والري وتحسين أصناف المحاصيل، لا سيما في الأرز والقمح. بحلول منتصف الستينيات، بدأ الإنتاج الزراعي بالتحسن بشكل مطرد: ارتفع إنتاج الحبوب من 147 مليون طن في 1961 إلى 200 مليون طن بحلول 1966. بحلول عام 1977، وصل الإنتاج إلى 285 مليون طن، ما يعني أنه تضاعف تقريباً خلال 25 عاماً من الاقتصاد الزراعي الاشتراكي.
بخصوص الأمن الغذائي، باستثناء كارثة المجاعة الكبرى، نجحت الصين في القضاء على المجاعات الدورية التي عانت منها قبل 1949. بحلول السبعينيات، كانت الصين قادرة على إنتاج ما يكفي من الغذاء لسكانها البالغ عددهم حوالي 950 مليون نسمة، دون الاعتماد على استيراد الحبوب بشكل كبير. ساهم التنظيم الجماعي في تحويل الصين من دولة زراعية بالكامل إلى اقتصاد صناعي أكثر توازناً. كما تم استخراج فائض زراعي كبير لتمويل التصنيع، وهو ما ساعد في بناء قاعدة صناعية قوية بحلول أواخر السبعينيات.
كوبا: الثورة الزراعية والتطور الاشتراكي
بعد ثورة 1959، اعتبرت حكومة كاسترو تحويل الزراعة حجر الأساس لبناء الاشتراكية وترسيخ السيادة الاقتصادية. قبل الثورة، كانت الزراعة الكوبية خاضعة لهيمنة المزارع الكبرى «اللاتيفونديا الرأسمالية»، خاصة المزارع المملوكة من قبل الشركات الأمريكية لإنتاج السكر. في المقابل، كان غالبية الفلاحين وعمال المزارع يعانون من الفقر المدقع. اعتُبر هذا النظام الزراعي هيكلاً إقطاعياً جديداً مشابهاً للاستعمار، حيث أدى إلى عدم المساواة الاقتصادية والتبعية الخارجية.
قال كاسترو بأنّ الإصلاح الزراعي سيرفع مستوى 200,000 عائلة فلاحية، مما سيؤدي إلى زيادة مداخيل نحو مليوني كوبي، مما سيخلق طلباً داخلياً يصبح «الأساس لتطورنا الصناعي». لم يُنظر إلى إعادة توزيع الأراضي على أنها تصحيح لظلم تاريخي فحسب، بل كوسيلة لتحفيز السوق المحلية، حيث إنّ تحسين دخل الفلاحين سيزيد استهلاكهم، مما سيدفع عجلة التصنيع.
كان لدى الثورة الكوبية رؤية لتحديث الزراعة من خلال مزارع كبيرة تعاونية، لكن اقتصاد كوبا ظل معتمداً على السكر، الذي كان المصدر الرئيسي للعملة الصعبة، خصوصاً بعد أن وافق الاتحاد السوفييتي على شراء السكر الكوبي بأسعار تفضيلية.
بدأ تنفيذ التصنيع الزراعي في كوبا بإصلاحات زراعية شاملة، ثم تطور بسرعة نحو نظام زراعي موجه من قبل الدولة. في 1959، تم إنشاء المعهد الوطني للإصلاح الزراعي INRA ليكون الهيئة المسؤولة عن تنفيذ قوانين الإصلاح الزراعي. لم يكن دور INRA مقتصراً على إعادة توزيع الأراضي، بل كان أيضاً مسؤولاً عن تنظيم الإنتاج الزراعي على الأراضي التي تم تأميمها.
بموجب القانون الأول للإصلاح الزراعي، تم مصادرة نحو 40 بالمئة من الأراضي الزراعية الكوبية، بما في ذلك أكبر المزارع والممتلكات التابعة لشركات أميركية مثل United Fruit Company. كانت الفكرة أن الدولة يمكنها إدارة إنتاج السكر على نطاق واسع بكفاءة أكبر، واستثمار الأرباح في التنمية الوطنية. كانت المزارع الكبرى تُدار بواسطة مديرين معينين من INRA، بينما تم تحديد أهداف الإنتاج الزراعي من قبل الحكومة المركزية.
إلى جانب المزارع الحكومية، شجعت الدولة الفلاحين على الانضمام إلى التعاونيات. كان هذا النظام «مزيجاً بين التعاونيات الصغيرة والمزارع الحكومية الكبرى»، حيث ظلت بعض الحيازات الفردية موجودة لكن تحت إشراف اقتصادي من الدولة. تم إنشاء مزارع الدولة أولاً، بينما بقيت بعض الأراضي في أيدي الفلاحين الذين انضموا لاحقاً إلى تعاونيات طوعية. مع مرور الوقت، تعززت فكرة التعاونيات، مما دفع المزيد من الفلاحين إلى الانضمام للتعاونيات الزراعية.
كان أحد أبرز مشاريع التنفيذ حملة إنتاج السكر عام 1970، المعروفة بـ«حصاد العشرة ملايين طن». هدفت هذه الحملة إلى تحقيق رقم قياسي عالمي في إنتاج السكر، حيث تم تعبئة مئات الآلاف من العمال والطلاب والجنود للعمل في حقول قصب السكر. تم زراعة مناطق جديدة، وتشغيل مصانع السكر بكامل طاقتها. رغم عدم الوصول إلى الهدف «تم إنتاج 8.5 مليون طن بدلاً من 10 ملايين» إلّا أنّ هذا كان أكبر إنتاج سكر في تاريخ كوبا.
لكن هذا النجاح المؤقت جاء بتكلفة باهظة، حيث تراجعت إنتاجية القطاعات الأخرى بسبب تركيز الدولة الهائل على السكر. بعد هذه الحملة، أدرك المسؤولون الكوبيون الحاجة إلى تخطيط اقتصادي أكثر استدامة. بحلول منتصف السبعينيات، تم تبنّي نظام تخطيط زراعي أكثر تنظيماً، مستوحى من النماذج السوفييتية، حيث تم إدخال حوافز مادية محدودة داخل إطار الاقتصاد الموجه.
استثمرت كوبا بشكل كبير في الميكنة الزراعية والتكنولوجيا الحديثة، بدعم من الاتحاد السوفييتي. كما ارتفع استخدام الأسمدة والمبيدات الكيميائية في محاولة لتحسين المحاصيل. كان الحصار الاقتصادي الأميركي عاملاً رئيسياً أجبر كوبا على الاعتماد بشكل مفرط على السوفييت.
في عام 1962، أنشأت الحكومة نظام الحصص التموينية، الذي يضمن حصول جميع المواطنين على المواد الغذائية الأساسية بأسعار رمزية، بغض النظر عن التقلبات في الإنتاج الزراعي. نجح هذا النظام في القضاء على الجوع المنتشر الذي كان سائداً قبل الثورة. قبل عام 1959، اعتمدت كوبا على استيراد معظم غذائها، رغم توفر الأراضي الخصبة. بعد الثورة، حاولت الحكومة زيادة الإنتاج المحلي عبر: فتح حقول جديدة لزراعة الأرز «بالتعاون مع الصين»، وتشجيع زراعة الذرة والفاصولياء والخضروات، وتحسين إنتاج الألبان عبر تطوير مزارع الأبقار المهجنة. بحلول الثمانينيات، أصبحت كوبا قادرة على إنتاج الأرز محلياً لتغطية معظم احتياجاتها في السنوات الجيدة. كان إنتاج الألبان يتحسن، خاصة مع توسع مزارع الألبان الكبرى.
عندما انهار الاتحاد السوفييتي في 1991، توقفت الإمدادات فجأة، مما أدى إلى أزمة غذائية واضطراب زراعي شديد، يُعرف باسم «الفترة الخاصة». انخفضت واردات الأسمدة والمبيدات بنسبة 80 بالمئة. أصبح الوقود شحيحاً، مما أجبر الفلاحين على العودة إلى أساليب الزراعة التقليدية. ومع ذلك، أدت هذه الأزمة إلى ظهور نموذج زراعي أكثر استدامة في التسعينيات، حيث بدأت كوبا في تبني الزراعة العضوية والزراعة الحضرية.
على عكس العديد من دول أميركا اللاتينية، لم تشهد كوبا مجاعة أو نقصاً غذائياً حاداً خلال الحقبة الاشتراكية. ضمن نظام الحصص التموينية وصول جميع المواطنين إلى المواد الغذائية الأساسية بأسعار منخفضة. بحلول الثمانينيات، كان متوسط السعرات الحرارية اليومية للفرد في كوبا يتراوح بين 2500–2800 سعرة حرارية، وهو معدل معقول وإن لم يكن فاخراً. كما تحسنت ظروف الفلاحين بشكل كبير بعد الثورة، حيث حصلوا على حقوق ملكية أو حق الانتفاع بالأرض، وإمكانية الوصول إلى الخدمات الصحية والتعليمية، وفرص سياسية أكبر، حيث أصبح الفلاحون جزءاً من النظام السياسي الاشتراكي.
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 1217