هل تتبع الصين خطا الركود الاقتصادي الياباني؟
في عام 1947 تنبأ المؤرخ لبريطاني الشهير أرنولد جوزيف توينبي في كتابه «الحضارة تحت التجربة» أنّه باستثناء الولايات المتحدة والاتحاد السوفييتي، يستحيل رؤية ظهور دولة أخرى كقوة عظمى، وحتى إن كان الحديث عن دولتين كثيفتي السكان مثل الصين والهند». لكن اتضح أن تنبؤات توينبي كانت خاطئة من ناحيتين: الأولى أنّ الاتحاد السوفييتي قد انهار ولم يعد قوياً كما تخيّل، والثانية أنّ الاقتصاد الصيني آخذ في الصعود. استغرقت الصين 40 عاماً لتصبح ثاني أكبر اقتصاد في العالم، وهو ما كان يفوق خيال توينبي.
ترجمة: قاسيون
لكن يتعرض الاقتصاد الصيني الصاعد إلى الهجوم والتضييق التكنولوجي من الولايات المتحدة، ليتحول الأمر إلى حرب باردة جديدة. يسأل البعض اليوم: هل ستتبع الصين خطا اليابان لتبدأ عقداً أو اثنين من الركود الاقتصادي؟ تعتمد الإجابة على تفسير الصعود الاقتصادي للصين في مرحلته السابقة. يجب أن نفهم أولاً أنّ الصين أصبحت الدولة المستهدفة في الحرب التجارية للحكومة الأمريكية والقيود التكنولوجية، ليس لأنّ الصين هي المشكلة، بل لأنّ الولايات المتحدة غيرت قواعد لعبة العولمة عندما بدأت تخسر فيها.
الأمر الأكثر إثارة للسخرية هو أنّه حتّى الاقتصاديون الليبراليون الأمريكيون اليوم «بما في ذلك 5 من الحائزين على جائزة نوبل في الاقتصاد» قد غيروا من عاداتهم وشككوا في العولمة ودعوا إلى الحاجة إلى حماية الولايات المتحدة. هذا التغيير في الأجواء لدى الدوائر المفكرة الأمريكية أمر عادي ويمكن تصوره.
لا يمكن إنكار أنّ الصين نجحت في تنفيذ إصلاحات هيكلية وحققت معدلات نمو عالية أفضل من الغالبية العظمى من الدول في الفترة ذاتها. لكن سيكون من الخطأ الاعتقاد بأنّ الصين تحاول ببساطة القيام بالمزيد من التصدير وتحقيق فوائض بمساعدة ضوابط أسعار الصرف وبعض السياسات المشوهة كما كانت تفعل في أسلوب النمو السابق الذي تسبب حتماً باختلال في التوازن التجاري مع الولايات المتحدة. إستراتيجية التنمية والانفتاح في الصين إيجابية عموماً وبعيدة عن أن يتمّ تلخيصها من خلال التشوهات المصطنعة التي تمّ إلقاء اللوم عليها.
لا تخلق الصين فقط «فارقاً» بين الصادرات والواردات يؤيد اختلالات تجارية مع أوروبا والولايات المتحدة، ولكنّها تخلق أيضاً «مجموع» الصادرات والواردات التي تجلب الرخاء للاقتصاد العالمي. حقيقة أنّ الصين قادرة على الحفاظ على حجم تجارة يقارب 60٪ من ناتجها المحلي الإجمالي يجعل من صعودها جديراً باحترام العالم. يجب أن تفترض اتهامات الصين بسرقة التكنولوجيا أنّ الصين لا تزال اقتصاداً مغلقاً عالقاً في حقبة ما قبل 1978.
الاعتماد على السوق الصيني للخروج من الأزمة
لنتحدث عن الاقتصاد الياباني. إنّ القيام بتوقعات جريئة بأنّ الصين ستكرر أخطاء اليابان يعني تجاهل واقع أنّ هناك هوّة كبيرة بين البلدين من ناحية إنتاجية العمالة. لطالما توقّع الناس أنّ اقتصاد اليابان في الثمانينيات سيستمرّ في النمو لكن وكما قال أرفنيد سوبرمانيان من معهد بيترسون للاقتصاد، فمعظم التوقعات الصعودية لليابان كانت خاطئة لتجاهلها الحقيقة المهمة في أنّ الاقتصاد الياباني كان في حالة ركود لمدة 40 عاماً تقريباً منذ فترة ما بعد الحرب العالمية الثانية.
باستخدام حساب تعادل القوة الشرائية، وصل نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي في اليابان إلى 26 ألف دولار في عام 1990، وهو ما يقرب من مستوى الولايات المتحدة البالغ 31 ألف دولار. بعبارة أخرى كانت اليابان بالفعل واحدة من أغنى دول العالم قبل ركود اقتصادها، وكانت بالفعل في طليعة التكنولوجيا العالمية. لكن بالنظر إلى هذه الحقيقة التي غالباً ما يتمّ تجاهلها، وحقيقة أنّ شيخوخة السكان الشديدة في اليابان كان لها تأثير سلبي كبير على معدل الادخار، فمن الواضح أن تباطؤ نمو الاقتصاد الياباني بعد عام 1990 أمر مفهوم. لكن لا يزال أمام الصين مسافة أطول تقطعها اليوم دون أن يضايقها ذلك.
ليس هناك ما يدعو إلى تقدير متوسط معدل نمو الصين بأقل من 5٪ على مدار الخمسة عشر عاماً القادمة، حتى عند الأخذ بالاعتبار التأثير المستمر للحرب التجارية بين الولايات المتحدة والصين. إنّ توقعات أرفنيد لنمو نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 5.5٪ تقلص بالفعل معدل النمو المستقبلي للصين «حتى عام 2030» بنسبة 40٪ عن السنوات العشرين الماضية. لاختبار ما إذا كان هذا التقدير التقليصي محافظاً في السياق التاريخي، لننظر إلى بعض الاقتصادات التي لم تنخفض معدلات نموها عن متوسط السنوات العشرين إلى الثلاثين السابقة لبلوغها ربع الناتج المحلي الإجمالي للفرد في الولايات المتحدة.
من بين البلدان والمناطق الست التي تتوفر بياناتها «البرازيل وكوريا وتايوان وماليزيا ورومانيا والبيرو» هناك البرازيل انخفضت بنسبة 2.6٪ نقطة مئوية ورومانيا انخفضت بنسبة أكثر قليلاً. رغم أنّ العينة صغيرة للغاية ولكنها تظهر أنّ أمثلة البلدان والمناطق المشابهة لمرحلة الصين الحالية لا تزال جميعها تدلّ على قدرة الصين على الحفاظ على نمو سريع نسبياً. ومع ذلك قد يتساءل المرء مرة أخرى: ما السبب وراء الاعتقاد بأنّ مستقبل الاقتصاد الصيني يشبه إلى حد كبير اقتصاد اليابان وماليزيا وكوريا الجنوبية وتايوان أكثر من نظيره في رومانيا والبرازيل في الفترة ما بين 1980 و2000؟
بخلاف الأسباب السابقة الواضحة، لا ينبغي الاستهانة بقدرة الصين على التعامل مع الصدمات والحوادث في تنميتها الاقتصادية. لخص البروفسور غوستاف رانيس، الاقتصادي البارز من جامعة ييل، نجاح اقتصادات شرق آسيا في الحفاظ على النمو طويل الأجل في عام 1995 قائلاً: «النقطة الحاسمة والمقنعة هي أنّ المرونة الدائمة لصانعي السياسات تمكن من تغيير السياسات للاستجابة للاحتياجات المتغيرة في كل مرحلة انتقال للنمو. بفضل هذه المرونة فالنظام بأكمله قادر على تجنب فقدان الزخم ويمكن إعادته إلى المدار الصحيح في نهاية كلّ مرحلة. كلّ عقد من الزمن يواجه تحديه الخاص، وفي كل عقد يمكن للحكومة إجراء تغيير في السياسة يهدف إلى استيعاب التغييرات التي يطالب بها الاقتصاد وليس إعاقتها. إن كان هناك سرّ واحد للتطور الناجح فهو تجنّب التفكير الجامد. سيعتمد هذا على إصلاح السياسات المستمر، والاستجابة باستمرار لأصوات عدد كبير من صانعي السياسات المتفرقين».
تصف كلمات رانيس الوضع في الصين بشكل رائع. بعد حزم التحفيز النقدي المذهل استجابة للأزمة العالمية، أدرك قادة الصين أنّ الوقت حان لإعادة تفكير كليّة في نماذج النمو والإصلاحات الهيكلية. تطلّب التأقلم مع الانكماش الاقتصادي الذي سببته آليات التكيّف شجاعة كبيرة، ولكنّ الذين يعتقدون أنّ الصين ستلتزم بالنموذج القديم لإدامة النمو مخطئون. في الحقيقة آثار الحرب التجارية الصينية– الأمريكية ستعزز على الأرجح تصميم القادة الصينيين على عكس نموذج النمو القائم، ففي النهاية حان الوقت للاعتماد على مزايا السوق الصينية الضخمة للالتحاق بالدول المتقدمة.
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 1098