«دركي» أمريكي جديد في أوروبا!
إيغور فيريميف إيغور فيريميف

«دركي» أمريكي جديد في أوروبا!

يبدو أنّ مركز الثقل الجيوسياسي الأمريكي في أوروبا يتحوّل بشكل متسارع من الدول التقليدية وعلى رأسهم ألمانيا، إلى أوروبا الشرقية ضمن سياق رغبة الولايات المتحدة في دعم وتعيين بولندا كدركي «عسكري» يعمل لحساب واشنطن لتأديب وإخافة الاتحاد الأوروبي عندما يلزم، ومن أجل هذا تعمل واشنطن على تحويل الجيش البولندي إلى الأقوى في أوروبا، ومنحها تعويضات «سخيّة» مقابل جهودها.

ترجمة: قاسيون

وصفت الصحيفة الإيطالية «Giornale» بولندا بأنّها «جندرما أوروبا»، حيث قامت بتحليل التقلبات الدراماتيكية للأزمة الأخيرة التي أدّى إليها سقوط الصاروخ الأوكراني في بولندا، والتي كانت كييف ووارسو تحاولان على إثره جرّ الناتو إلى مواجهة عسكرية مباشرة مع روسيا.
كتب المعلق السياسي أندريا موراتور أنّ «قصّة الصاروخ الذي سقط بالقرب من الحدود بين بولندا وأوكرانيا أزعجت أولئك الذين يتخذون القرارات، لكنّها في الوقت ذاته ذكّرت الجميع بمدى كون وارسو مركزاً لحلف شمال الأطلسي. بولندا هي المركز الحقيقي للولايات المتحدة في أوروبا، وهي خطّ الردع الأول ضدّ موسكو، وهي الدولة الأكثر نشاطاً في دعم كييف، وهي المعقل الرئيسي للناتو سواء في أوروبا الشرقية أو على سواحل البلطيق».
في الحقيقة لطالما لعبت بولندا دور الدركي الغربي، فقد كانت أول دولة تحارب روسيا البلشفية بين عامي 1919 و1920. واليوم يطمح حكام بولندا بأن تتمّ هزيمة روسيا انطلاقاً من وارسو. تقول الصحيفة الإيطالية في محاولة أوروبية معتادة للعبث بحقائق التاريخ لصالح خطابها: «لطالما دافعت بولندا عن أوروبا، فقد وقفت في وجه الغزو التتاري المغولي في القرن الثالث العشر، وكانت هي من أنقذها من الأتراك في 1683 بفرسانها المجنحين». لكن الحقيقة أنّ روسيا هي من قام بدور الدرع الذي حمى أوروبا من الغزوات القادمة من الشرق.

شروط إعداد الدركي

في الواقع تعدّ بولندا من المستفيدين من الحرب الدائرة في أوكرانيا، فوفقاً للمحللة السياسية البارزة من بروكسل صوفي بورنشليغل «تستغلّ الحكومة البولندية الأزمة الدائرة اليوم لصالحها. فللاستفادة من الانقسام بين روسيا وألمانيا تقوم بولندا ببناء أنبوب البلطيق، وهو خطّ أنابيب غاز تمّ تشغيله في نهاية أيلول وسيقوم بنقل الذهب الأزرق النرويجي مباشرة إلى بولندا عبر الدنمارك».
بالإضافة إلى ذلك، باستخدام الحرب في أوكرانيا كذريعة، أصبحت بولندا اليوم مدججة بالسلاح. صرّح وزير الدفاع البولندي ماريوس بلاشتساك «يجب أن يكون الجيش البولندي كبيراً وقوياً بحيث يمكنه إبعاد المعتدي بشكل مسبق». وفقاً لمنصّة «نظرة على البلقان»، فقد بلغ الإنفاق العسكري لوارسو هذا العام 57.7 مليار زلوتي، أي ما يعادل 12.5 مليار يورو، أو 12٪ من موازنة بولندا. كما أنّ بولندا تعمل على مضاعفة عدد أفراد جيشها ليصل إلى 250 ألف شخص.
يخطط حكام بولندا لتحديث معظم معدات جيشهم العسكرية التي تتكون بشكل رئيسي من دبابات تي.72 وتعديلاتها. ومع استبدال الدبابات يريدون استبدال طائراتهم ميغ-29 وسو-22 بطائرات أمريكية من طراز اف-35. بحسب وزارة الدفاع البولندية، فإنّ خطّة: «التحديث العسكري حتى عام 2035 ستكلّف وارسو 524 مليار زلوتي أو 115 مليار يورو، لكن لم يتمّ الكشف عن تفاصيلها بعد».
قامت وارسو بالفعل هذا الصيف بتأكيد صفقة مع كوريا الجنوبية لشراء ما يقرب من ألف دبابة كي.2، وأكثر من 600 مدفع هاوتزر، وثلاثة أسراب طائرات فا-50. كما تشتري بولندا أيضاً 250 دبابة جديدة و116 مستعملة من طراز أبرامز الأمريكية «يمكن أن يتمّ إرسالها إلى أوكرانيا». بالإضافة إلى ذلك، وكما أعلنت شركة لوكهيد مارتن الأمريكية، فالحكومة البولندية تخطط لتوقيع عقد لتوريد 200 دفعة إضافية من منظومات إطلاق الصواريخ المتعددة هيمارس. يفترض توقيع العقد في بداية 2023. في الحقيقة إذا ما تمّت هذه الخطط ستصبح بولندا هي أكبر قوة عسكرية في أوروبا في غضون سنوات قليلة.
علّق المحلل السياسي الروسي سيرجي ماركوف على هذه الخطط بالقول: «عبر بناء قوتهم العسكرية، لا يخفي البولنديون سعيهم ليس ليصبحوا ضمن أقوى ثلاث دول في الاتحاد الأوروبي فقط، بل الدولة الأقوى فيه. يريدون أن يسيطر الغرب على أوكرانيا وبيلاروسيا لتصبح بولندا هي المشرف على هذه الأراضي، إنّه تجسيد للمشروع البولندي الذي لا يمكن إلّا للجيش الروسي أن يمنع وارسو من تنفيذه وفقاً لخطتها».

تحت الجناح الأمريكي

لتعزيز السعي البولندي، أرسل البنتاغون بالفعل أكثر من 5 آلاف جندي إضافي وأنظمة صواريخ باتريوت إلى بولندا، أي أكثر من ضعف عدد الأفراد العسكريين في البلاد. كما تخطط الولايات المتحدة بالفعل لإنشاء مقر دائم للفيلق الخامس للجيش الأمريكي في أوروبا في بولندا. تحت هذه المظلة ستجهز واشنطن بولندا لتكون الدركي الأوروبي المرتبط بسلسلتها.
يعني هذا أنّ بولندا ليست عسكري واشنطن ضدّ روسيا فقط، بل الدركي المهدد لأوروبا أيضاً. علّقت الغارديان البريطانية على هذا بالقول: «قد تخسر فرنسا وألمانيا موقعهما المهيمن في الاتحاد الأوروبي تبعاً لرغبة الولايات المتحدة بنقل ثقلها الجيوسياسي إلى أوروبا الشرقية وتحديداً بولندا. لا تزال بولندا أفقر بكثير من فرنسا وألمانيا... لكنّها قد تصبح قوّة معاكسة في الاتحاد الأوروبي تعمل لصالح واشنطن. لهذا السبب تقوم الولايات المتحدة بالفعل بضخّ الأموال والتكنولوجيا في أوروبا الشرقية».
يمكن أيضاً فهم حاجة واشنطن لدركي تابع لها في الاتحاد الأوروبي أبعد من حاجتها لمقارعة روسيا أو تأديب الأوروبيين، حيث تريد ما لا تستطيع برلين وباريس تقديمه: «موقف واضح معادٍ للعلاقات مع الصين» يمكنه أن يكون ذا وزن أثناء الضغط.

التوسّع البولندي

يريد البولنديون الاستفادة من الوضع أكثر، ويبدو أنّ خططهم تتمّ صياغتها تحت غطاء أمريكي يعطيهم الأمل بذلك. تريد وارسو تنفيذ خطتها الإستراتيجية القديمة بالاستيلاء على الأراضي الغربية لأوكرانيا، ويحتاجون كي يفعلوا ذلك أن يظهروا بأنّهم فعلوا ذلك «لمساعدة أوكرانيا» لإنقاذها من «الاحتلال الروسي» بغطاء أمريكي، وذلك باستخدام قواتها المحتشدة بالفعل على الحدود البولندية الأوكرانية.
ليس هذا مجرّد تكهنات صحفية، فكما قال مدير المخابرات الخارجية الروسي سيرجي ناريشكين هذا الأسبوع، فبولندا تسرّع الاستعدادات لضم أراضي أوكرانيا الغربية: «المعلومات التي تلقتها المخابرات الخارجية الروسية تشير إلى أنّ وارسو تسرع الاستعدادات لضمّ أراضي غرب أوكرانيا: أراضي لفيف وإيفانو- فرانكيفسك ومعظم أراضي أقاليم ترنوبيل الأوكرانية».
يبدو الدافع الأمريكي وراء تغطية مثل هذا الفعل واضحاً، فوفقاً لناريشكين يخشى الأمريكيون أن يجبر الأوكران على التفاوض مع روسيا في الشتاء، ناهيك عن إرضاء البولنديين الذين يشعرون بأنّهم يستحقون تعويضاً سخياً عن مساعدتهم العسكرية لأوكرانيا واستقبالهم اللاجئين الأوكران وغيرها من الجهود التي بذلوها لصالح الأمريكيين.
باختصار، يحاول «دركي» أوروبا الجديد– تحت جناح الولايات المتحدة– أن يكون أهلاً للمهمات التي يوكلها إليه سيده في واشنطن، ويسعى لأن يحصل مقابل ذلك على تعويضات سخية من القارة الأوروبية.

بتصرّف عن:
Новый жандарм для Европы

معلومات إضافية

العدد رقم:
1099