«الإصلاح المالي لعام 1947، هو ردنا على اتفاقيات بريتين وودز»
مقدمة المترجم
تقدم قاسيون فيما يلي ترجمة لمادة مهمة نشرها «مركز تحليل المعلومات» الروسي، في شباط عام 2016... وبالتوازي، ينشر موقعها الإلكتروني وصفحاتها على وسائل التواصل الاجتماعي، فيديو مترجماً يحتوي مضمون المادة نفسه.
ترجمة مركز دراسات قاسيون
ورغم أنّه قد مضى على نشر هذه المادة أكثر من 6 سنوات، ورغم أنّ الموضوع الذي تعالجه يعود إلى ما يزيد عن 75 عاماً، إلا أنها تتمتع بأهمية راهنة وكأنما كتبت اليوم، حتى بموضوعها العائد إلى ما قبل 75 عاماً...
وذلك أنها تستعرض جانباً من التاريخ تم تجاهله بالكامل، بل والتعتيم عليه بشكل مقصود، لما يشتمل عليه من خطورة قصوى ومستمرة، على أصحاب الدولار، وعلى أصحاب الهرم المالي العالمي.
بظل هذا الجانب المخفي من التاريخ هو ستالين، أثناء صراعه ضد بريتين وودز، حتى مما قبل التوقيع عليها، ووصولاً إلى رفض التوقيع، ومن ثم الإصلاح المالي في الاتحاد السوفياتي لعام 1947، وبعده ربط الروبل بالذهب، ومن ثم العمل لإنشاء سوق عالمية بديلة خالية من الدولار.
الموضوع/ المعركة، التي كان يخوضها الاتحاد السوفياتي في حينه، هي ذاتها من حيث الجوهر المعركة الأساسية في زمننا هذا... والمعركة التي خاضها ستالين في حينه، معركة فريدة تمكن من الانتصار بها بشكل مذهل حقاً، وفق ما تعترف به الأرقام والإحصاءات المختلفة بما فيها الغربية... رغم أنّه قد تم بعد (وفاته/ قتله) الالتفاف على انتصاراته وتقويضها ابتداءً من خروتشوف ووصولاً لغورباتشوف- يلتسين.
وربما يسمح فهم هذا الجانب بالذات، من إنجازات ستالين، بإدراك الأساس الموضوعي لحجم الحقد المهول المستمر حتى اللحظة اتجاهه ليس كشخص فحسب، بل وأهم من ذلك، اتجاهه كمشروع... والذي رغم كل ما تم إلقاؤه من قاذورات وأكاذيب على سيرته، إلا أنّنا نرى فيما يجري اليوم من أحداث، أنه ومن قلب التاريخ، يمد لسانه ساخراً في وجه أسياد النظام المالي والسياسي العالمي، وفي وجه الإمبريالية العالمية... ويمد قلبه وعقله لنضال الشعوب حول العالم، متابعاً السير معها من خلال النموذج والأفكار والتجارب الواقعية التي أرساها...
«الإصلاح المالي لعام 1947، هو ردنا على اتفاقيات بريتين وودز»
تطوّر الوضع المالي في الاتحاد السوفييتي مع نهاية الحرب الوطنية العظمى (1941-1945)، بشكلٍ دراماتيكي.
فمن أجل تغطية الإنفاق العسكري الهائل، كان على الحكومة السوفييتية أن تفرج عن قدر من الأوراق النقدية أكبر مما يحتاجه التداول الداخلي. وبذلك، تَشكل فائض من الأوراق النقدية، وكانت قيمتها الشرائية تنخفض باستمرار في الوقت نفسه. وفي ظل ارتفاع الطلب على المنتجات والسلع بسبب نقصها، فإنّ الأسعار ارتفعت بشكل حاد.
كان إصلاح عام 1947 ضرورياً، ولكن القيادة السوفييتية قررت عدم الاكتفاء باستبدال الأوراق النقدية، وإنما إضافة إلى ذلك، قررت تحديث مجمل النظام المالي.
تم تنفيذ الإصلاح بعد مؤتمر بريتين وودز (تموز 1944)، وهو المؤتمر الذي تم فيه اعتماد مبادئ تحديد أسعار صرف العملات، وكذلك إنشاء صندوق النقد والبنك الدوليَّين.
لم يوقع الاتحاد السوفييتي على هذه الاتفاقيات في كانون الثاني 1945، رغم أن وفدنا شارك بنشاطٍ في تطوير الوثائق النهائية للمؤتمر.
لماذا لم يوقّع ستالين؟
لماذا لم يوقّع ستالين على اتفاقات بريتين وودز؟ هل كان قد فكر مسبقاً، ومنذ ذلك الوقت، بإنشاء نظامه المالي الخاص، والذي سيبدأ بإرسائه انطلاقاً من إصلاح 1947؟
«عبودية بريتين وودز»
يسمح لنا الانتباه للتسلسل الزمني، بتحديد خوارزمية الأحداث، والتي قد لا تكون ملحوظة من النظرة الأولى. السياق التاريخي مهم دائماً لفهم قرارات الناس، بما فيها تلك التي اتخذت في بريتين وودز، وبعده.
«كرونولوجيا المؤتمر»
ما هي الأحداث التي سبقت المؤتمر، والأحداث التي أحاطت به؟
17 تموز 1942 إلى 2 شباط 1943:
انتهت معركة ستالينغراد باستسلام الجيش الألماني السادس، وهو ما مثّل نقطة تحول في الحرب الوطنية العظمى وفي الحرب العالمية الثانية.
15 تموز 1943:
تم إيقاف هجوم القوات الفاشية على قوس كورسك. ومنذ تلك اللحظة، انتقلت المبادرة الإستراتيجية على الجبهة الشرقية، وأخيراً... إلى يد الجيش الأحمر.
6 تشرين الثاني 1943:
تم تحرير كييف، وفي 25 تشرين الثاني تم تحرير غومل.
28 تشرين الثاني إلى 3 كانون الأول 1943:
«مؤتمر طهران» لزعماء دول التحالف المناهض لهتلر. وكان المؤتمر علامة فارقة في تطور العلاقات الدولية والعلاقات بين الحلفاء. وفيه تم النظر في عدد من قضايا الحرب والسلم، واتخذت قرارات بشأنها:
• تحديد الموعد الدقيق لفتح الحلفاء الجبهة الثانية في فرنسا.
• نقاش القضايا المتعلقة بمنح الاستقلال لإيران.
• بداية حل المسألة البولندية.
• نقاش ابتداء الاتحاد السوفييتي الحرب على اليابان بعد هزيمة ألمانيا النازية.
• تحديد ملامح هيكل عالم ما بعد الحرب.
• تم التوصل إلى وجهات نظر موحدة حول قضايا ضمان الأمن الدولي والسلام الدائم.
أواخر كانون الأول 1943:
محادثة بين «أرسيني غريغوروفيتش زفيريف» مفوض المالية وستالين. وكتب زفيريف محتوى المحادثة في كتابه «ستالين والمال»:
«أتذكر أنه في أواخر عام 1943، في الخامسة صباحاً وفي بيتي الريفي، اتصل بي جوزيف فيساريونوفيتش ستالين. اعتذر رئيس الوزراء عن الاتصال في وقت متأخر، وأضاف أنّه يتصل لمسألة في غاية الأهمية. استعلم ستالين عن رأي مفوضية الشعب للشؤون المالية، بشأن الإصلاح النقدي بعد الحرب. أجبته أنني قد فكرت بالفعل في الأمر، لكن حتى الآن لم أشارك أفكاري مع أحد.
- وهل يمكنك مشاركتها معي؟
- بالطبع رفيق ستالين.
- أنا أستمع إليك.
وتبع ذلك محادثة هاتفية استمرت 40 دقيقة.
خطرت لي فكرتان رئيسيتان: العبء الجزئي الحتمي للإصلاح، والناجم عن تبديل الأموال، سيقع بشكل أساسي على أكتاف أولئك الذين أنشأوا مخزوناً من المال عبر المضاربة. عند إصدار نقود جديدة للتداول: لا تتعجل، وأبق قبضتك على مبلغٍ معينٍ (من النقد الجديد)، لكي يكون هنالك شعورٌ في البداية بنقص النقد، ويكون قد تشكل لدى الدولة احتياطي للإصدار.
استمع ستالين، ثم عبر عن آرائه حول الأسس الاجتماعية والاقتصادية للحدث المستقبلي. واتضح لي أن هذه ليست المرة الأولى التي يفكر فيها بهذا الإصلاح. في نهاية المحادثة، دعاني للحضور في اليوم التالي في اجتماع «لجنة الدفاع الحكومية». أعطاني ستالين عدداً من التعليمات العامة والتي يجب أن تُفهم على أنها توجيهات والمبادئ التي ينبغي التقيد الصارم بها».
وإذاً، ما هي هذه المبادئ؟
«حتى تكون القاعدة المالية للاتحاد السوفييتي صلبة بدرجة لا تقل عن صلابتها قبل الحرب؛ فإنّ الارتفاع الحتمي في الإنفاق العام، والزيادة السنوية في الميزانية ككل، سيتطلبان نظاماً مالياً قابلاً للتكيف مع المتغيرات على مر السنين. ستتطلب صعوبات استعادة الاقتصاد الوطني تضحيات إضافية من مواطني الاتحاد السوفييتي، لكن يجب أن يكونوا متأكدين من أنّ هذه هي آخر تضحياتهم..»
أكد ستالين- على وجه التحديد- ثلاث مرات على شرط مراعاة السرية المطلقة في التحضير للإصلاح. نادراً ما كان يكرر ما يقوله، وهذا يوضح مدى اهتمامه بالحفاظ على السرية الكاملة لهذا الأمر».
6 حزيران 1944:
هبط البريطانيون في فرنسا وبدأوا التقدم ببطء (لم يتم تحرير باريس حتى 31 آب).
23 حزيران ـ 29 آب 1944:
الاتحاد السوفييتي ينفذ عملية «بغراتيون». وبنتيجتها تم عملياً تدمير مجموعة الجيوش الوسطى الألمانية. تم طرد («الفيرماخت»- القوات النازية)، خارج بيلاروسيا، وانتقلت الجبهة 600 كم إلى الغرب.
3 ـ 22 تموز 1944:
مؤتمر بريتين وودز 44 دولة ممثلة، ووفد الاتحاد السوفييتي يشارك في إعداد الوثائق النهائية.
4 حزيران 1944:
الأمريكيون يستولون على روما، وفي 6 حزيران يبدأ غزو فرنسا.
20 تموز 1944:
محاولة اغتيال هتلر، بالعملية المسماة «فالكيري».
4 ـ 11 شباط 1945:
مؤتمر يالطا، حيث عملت القوى المنتصرة على تقرير قضايا نظام عالم ما بعد الحرب. تمحورت قرارات يالطا حول مسألتين أساسيتين:
أولاً، كان مطلوباً رسم حدود دولية جديدة على الأراضي التي احتلها الرايخ الثالث مؤخراً. وبالتوازي، كان من الضروري إنشاء خطوط ترسيم غير رسمية، ولكن معترف بها من قبل جميع الأطراف، بين مناطق نفوذ الحلفاء. وهو الأمر الذي بدأ العمل عليه في مؤتمر طهران. ثانياً، أدرك الحلفاء أنه بعد اختفاء عدوهم المشترك، فإن التوحيد القسري للغرب والاتحاد السوفييتي سيفقد أي معنى. ولذا، كان من الضروري إنشاء إجراءات لضمان ثبات الخطوط الفاصلة المرسومة على خريطة العالم.
حصل ستالين على موافقة شركائه ليس فقط على أن يكون الاتحاد السوفييتي بين أعضاء ومؤسسي الأمم المتحدة، بل وأيضاً جمهورية أوكرانية الاشتراكية السوفييتية وجمهورية بيلاروسيا الاشتراكية السوفييتية، وهما الأكثر تضرراً من الحرب.
وفي وثائق يالطا بالذات، ظهر تاريخ «25 نيسان 1945»، تاريخ بدء مؤتمر سان فرانسيسكو الذي كان يهدف إلى إنجاز ميثاق الأمم المتحدة.
12 نيسان 1945:
وفاة فرانكلين ديلانو روزفلت.
أيار 1945:
استسلام ألمانيا.
22 أيار 1945:
وضعت بريطانيا الخطة «Unthinkable»، في حالة حدوث صراع عسكري بين بريطانيا والولايات المتحدة في جانب، والاتحاد السوفييتي في الجانب المقابل.
17 تموز إلى 2 آب 1945:
عقد مؤتمر بوتسدام، وفيه تم بشكل أساسي تقرير قضايا تقسيم ألمانيا بعد الحرب. لكن هنا بالذات، فإنّ الرئيس ترومان- وكما لو بشكلٍ عرضيٍ- أخبر ستالين بامتلاك الولايات المتحدة للأسلحة النووية. تمت دعوة بوتسدام لتصويب قرارات يالطا على اعتبار أنّ هنالك رئيساً جديداً للولايات المتحدة.
6 آب 1945:
الهجوم النووي الأمريكي على هيروشيما، وبعد أيام قليلة على ناغازاكي.
8 آب 1945:
الاتحاد السوفييتي يعلن الحرب على اليابان ابتداءً من اليوم التالي.
3 أيلول 1945:
نهاية الحرب العالمية الثانية باستسلام اليابان.
3 أيلول 1945:
أعدت لجنة المخابرات المشتركة الأمريكية (JIC)، المذكرة رقم 329، والتي حددت ما يقرب من 20 هدفاً هي الأكثر أهمية ومناسبة لقصف ذريٍ إستراتيجي، ضمن أراضي الاتحاد السوفييتي والأراضي التي يسيطر عليها.
على الأرجح، فإنه بعد اختبار واستخدام الأسلحة الذرية في آب 1945، رفض الأنجلوساكسون التعامل مع الاتحاد السوفييتي، على قدم المساواة. وعرضوا أن يصبح مجرد عبدٍ تابع لهم، وأمهلوا ستالين حتى كانون الأول ليفكر.
كانون الأول 1945:
تم التصديق على اتفاقات بريتين وودز. قوة الذهب كانت في جانب المصرفيين، وقوة الأسلحة أيضاً؛ إذ تمتلك الولايات المتحدة قنبلة ذرية ولن يمتلكها الاتحاد السوفييتي إلا عام 1949.
من يستطيع مقاومة هذه القوة المزدوجة؟ من سيكون قادراً على عصيان مثل هذا الإملاء؟ بدا وكأنه لا أحد يمكنه ذلك. لكن زعيم الاتحاد السوفييتي، فعلها.
كان الأنجلو ساكسون جادين باحتمال شن هجوم نووي على روسيا والاتحاد السوفييتي، في حال عدم موافقة ستالين على التنازل عن استقلاله المالي.
5 آذار 1946:
خطاب تشرشل في «فولتون»، كشخص عادي؛ (أي بعد خسارته انتخابات 1945).
12 آذار 1947:
تقدم هاري ترومان للكونغرس ببرنامج للصراع ضد القوى الديمقراطية والاشتراكية. والذي عُرف بـ«عقيدة ترومان».
29 آب 1949:
الاتحاد السوفييتي يختبر قنبلته الخاصة. المواجهة قادمة... وهي «الحرب الباردة»، والغرب هو من يبدأها، وليس السوفييتي على الإطلاق. والصراع مرتبط برفض ستالين التخلي عن سيادة الدولة الروسية... والتي سيتخلى عنها لاحقاً، الثنائي يلتسين وغورباشتوف.
جوهر اتفاقات بريتين وودز
من أجل فهم ما الذي أنقذَنا منه عدم توقيع مجلس السوفييت الأعلى على اتفاقيات بريتون وودز، ينبغي علينا دراسة هذه الاتفاقيات.
المنطق الذي روّجته الولايات المتحدة في هذا المؤتمر، لا تشوبه شائبة؛ فأولاً، الاحتياطيات الرئيسية من الذهب، وثانياً، الصناعات الرئيسية المستمرة بالعمل، تتركزان الآن في الولايات المتحدة. وإذاً، لن يتمكن أحدٌ سواها من توفير محتوىً ذهبي لعملته.
ولذا اعتبرت أنه من الضروري بناء الاقتصاد العالمي بعد الحرب على أساس الدولار، والذي سيكون محتوى الذهب فيه هو 35 دولاراً للأونصة.
العملات الأخرى لا تتضمن محتوى ذهبياً، ويتم تحديد ما تساويه من الذهب، حصراً على أساس نسبتها إلى الدولار؛ أي سيكون لها «محتوىً دولاري». وعبر أسعار صرفها مقابل العملتين الأمريكية والبريطانية، يكون لها محتوىً ما من المعدن الثمين.
من الضروري أن يتم تحديد «وزن» العملات المختلفة وفقاً لعلاقتها ببعضها البعض. والآن، فهذا «الوزن» سيكون بالدولار.
كانت نتيجة هذه التغييرات أن تمت مطابقة فعلية بين الدولار والذهب. ولكن ليس فقط «المعدن الأصفر» هو من انتقل عبر المحيط؛ فتقريباً، لم يكن هنالك شيء متبقٍ في أوروبا المدمرة بعد الحرب. ونتيجة لذلك لم يكن من الممكن في ذلك الوقت شراء أي شيء تقريباً (طعام وسيارات وآلات) إلا في الولايات المتحدة. ولم يعترف الأمريكيون إلا بالذهب أو بعملتهم الخاصة. مما يعني أنه كان من الملائم التداول بالدولار بالذات.
ومن حينه، بدأ «التقليد» الذي ظل قائماً حتى يومنا هذا: وهو تحديد جميع الأسعار، لجميع الأصول في السوق العالمية، بالعملة الأمريكية. ومن حينه فصاعداً، بات ممكناً للدول أن تدّخرَ، لا احتياطيات ذهبية كما كان الأمر من قبل، ولكن احتياطياتٍ من «العملة الصعبة والذهب». وبالفعل، تكفي التسمية وحدها لإظهار الفرق... تم اقتراح اكتناز، ليس المعدن الأصفر ولكن العملة الأمريكية، ومعها- كميات صغيرة جداً- من العملة البريطانية، ثم تم لاحقاً توسيع قائمة العملات الاحتياطية.
والأساس هو أنّ الولايات المتحدة، ضمنت تبديل الكتل الدولارية التي تحوزها الدول بالذهب، على أساس السعر المحدد. علاوة على ذلك فقد تم خلق الشروط التي جعلت من اكتناز الأوراق المالية، وليس المعادن، أبسط وأسهل، بل وأكثر ربحيةً. وفوق ذلك كله، فقد كان للدولار ميزة أخرى على الذهب: فهو لا يرقد بلا عملٍ في الخزائن، كما الذهب، وإنما يمكن الاستثمار بوضعه في سوق الأوراق المالية الأمريكية، بل وينتج أيضاً دخلاً إضافياً من هذا الهرم المالي.
وهكذا، بعد نتائج المؤتمر، أصبح الدولار العملة الرئيسية في العالم. وبات مقياس ثروة جميع الدول، ليس الذهب «المحايد»، بل عملة إحدى الدول. وهذا في حد ذاته، أعطى تلك الدولة الكثير من المزايا.
أفكار وإنجازات ستالين، تطل مجدداً من قلب التاريخ... في مواجهة الدولار
إلامَ أدى ذلك؟
إلى حقيقة أن كل الأموال الأخرى في العالم، تحولت دفعة واحدة إلى أموال ثانوية. لكن تبين أنّ ما هو أهم... هو شيءٌ آخر:
إذا بدأت الدول بإصدار عملاتها الخاصة، والتي سيتم ضمان قيمتها بالدولار الذي سيكون مضموناً بدوره بمحتوىً ذهبي، فمن الواضح أن كمية العملة التي ستصدرها كل دولة، يجب أن تتوافق مع كم الدولارات الذي تملكه تلك الدولة. وخلافاً لذلك، لا يمكن لأحد الوثوق بأموال أية دولة أخرى.
أي إنّ كل دولة، تعهدت بتأمين إمكانية التبديل المتزامن لكامل حجم عملتها الوطنية بما يكافئه من دولارات. ومن هنا، نشأ نظامنا الذي يربط الروبل بالدولار والذي يعمل بموجبه البنك المركزي الروسي اليوم.
في هذه العملية شيءٌ من المنطق؛ فوفقاً لها، لن تتمكن أية دولة من طباعة أموال أكثر مما «اكتسبت». ومقياس «مكتسباتها» سيكون كمية الدولارات. لكن حقيقة أن الولايات المتحدة نفسها لن تضطر لفعل أي شيء لطباعة هذا «الذهب الجديد» لنفسها، قد تم تجاهلها بالكامل.
كانت النتيجة الرئيسية لبريتين وودز، هي أنّ النظام المالي الأمريكي قد استنسخ نفسه، في كل دول العالم، وعبر إنشاء فرعٍ للاحتياطي الفيدرالي في كل بلد: (بنكٍ مركزيٍ)، تابعٍ له من وراء الكواليس، وليس لحكومة ذلك البلد.
يبدو الأمر منطقياً؛ فبعد كل شيء، فالآن في «صناديق» الدول ستكون هنالك دولارات وجنيهات وليس المعدن الأصفر الذي يسهل عدّه ويصعب تحريكه بطريقة تسمح بـ«الغش». والعملات الصعبة، يمكنها حتى ألّا تكون «في القبو» على الإطلاق، ولكن كحسابٍ في «بنك وسيط». ومن أجل التحكم بالبنوك المركزية حول العالم ظهر كل من صندوق النقد الدولي والبنك الدولي. فما هو البديل الذي قدمته القيادة السوفييتية؟
إصلاح عام 1947
أسباب الإصلاح:
أولاً: بلغ المعروض النقدي بحلول 1 كانون الثاني 1946، 73.9 مليار روبل، أي 4 أضعاف مستواه ما قبل الحرب والذي كان 18.4 مليار روبل. تم إصدار أموالٍ أكثر مما كان ضرورياً للتداول، لأنه كان قد تم تثبيت الأسعار وكانت معظم المنتجات توزع عن طريق البطاقات.
ثانياً: ظهرت أنماط مختلفة من أسعار البضائع: الأسعار التموينية، التجارية، والسوقية، وهذا قوّض من أهمية الأجور المالية والدخول النقدية للمزارعين الجماعيين.
ثالثاً: استقر جزء كبير من الكتلة النقدية في أيدي المضاربين. وقررت الدولة التخلص مما اكتسبه هؤلاء دون أية مشقة. وليس مصادفة، أن الدعاية السوفييتية الرسمية اللاحقة ستقدم الإصلاح النقدي لعام 1947 كضربة للمضاربين الذين استفادوا من الصعوبات التي عاشتها البلاد في سنوات الحرب وسنوات ما بعد الحرب.
رابعاً: جنباً إلى جنب مع «المارك الرايخي»- الألماني، فقد كان الروبل متداولاً في الأراضي التي سيطر عليها الاتحاد السوفييتي. وبعد الحرب، كانت هنالك حاجة ماسة للتخلص بشكل عاجل من الروبل المزيّف الذي طبعته السلطات الألمانية.
تدابير الإصلاح
في 13 كانون الأول 1947، قرر المكتب السياسي للحزب الشيوعي البلشفي، إجراء إصلاح نقدي وإلغاء نظام البطاقة. تم تحديد شروط الإصلاح في مرسوم مجلس وزراء الاتحاد السوفييتي واللجنة المركزية للحزب الشيوعي البلشفي في (14 كانون الأول 1947).
كان من المفترض أن يقوم البنك الحكومي السوفييتي بمبادلة النقود القديمة مقابل روبل جديد في غضون أسبوع، وفي المناطق النائية من البلاد في غضون أسبوعين.
تم استبدال النقود القديمة بأموال صادرة حديثاً، بمعدل 10 إلى 1. تمت إعادة تقييم ودائع السكان في بنوك الادخار اعتماداً على حجمها:
•3000 روبل فما دون: تُبدل واحداً إلى واحد.
• من 3000 إلى 10000: ثلاث روبلات قديمة مقابل روبلين جديدين.
• أكثر من 10000: اثنان إلى واحد.
رافق الإصلاح النقدي تحويل جميع القروض الحكومية السابقة إلى قرض واحد بفائدة 2٪ لعام 1948. تم استبدال السندات القديمة بأخرى جديدة بنسبة 3 إلى 1. وتم استبدال السندات الفائزة ذات فائدة 3٪ لعام 1938 من القرض القابل للتسويق الحر بقرض 1947 الجديد المحلي ذي الفائدة 3٪ بنسبة 5 إلى 1. السندات الحكومية أيضاً كانت عرضة للتبديل.
الحشود والشائعات
انتشرت الشائعات حول الإصلاح القادم قبل حدوثه بوقت طويل، وتكثفت بشكل خاص أواخر خريف عام 1947، وذلك عندما تسربت معلومات من أوساط المسؤولين والعاملين الماليين.
بدأت طوابير الأشخاص الراغبين في إيداع أموال في دفاتر حسابات، بالاحتشاد أمام بنوك الادخار. وفي محاولة لإنقاذ نقودهم، هرع مواطنو الاتحاد السوفييتي لشراء السلع المصنّعة. وزاد بشكل ملحوظ معدل إشغال المطاعم في المدن الكبرى، حيث امتلأت عن آخرها بالناس الأكثر ثراءً. كما أظهر العاملون في التجارة والمطاعم العامة، مهارة خاصة وحزماً في مسألة إنقاذ مدخراتهم.
تم الضغط على المضاربين. أما العامل العادي والموظف الذي يعيش على الراتب والذي بالفعل، لم يعد معه الكثير من المال في منتصف الشهر، فقد عانى بشكل اسميٍ فقط، حيث لم يتم تركه دون نقود؛ فقد تم البدء بالفعل في 16 كانون الأول بدفع رواتب النصف الأول من الشهر بالأموال الجديدة... وهو أمرٌ لم يكن معتاداً؛
عادة ما يتم إصدار الراتب بعد نهاية الشهر. بفضل هذا الإجراء، تم تزويد العمال والموظفين بأموال جديدة في بداية الإصلاح. كما أدى تبديل المدخرات حتى 3000 روبل، على أساس واحد لواحد إلى رضا الغالبية العظمى من السكان؛ حيث لم تكن لدى الناس مبالغ كبيرة.
بالإضافة إلى المضاربين، فقد خسر قسماً من أمواله، كلٌ من: «الستاخانوفيون»، والمخترعون، ومجموعات صغيرة أخرى من أصحاب الأرباح الفائقة. لكن مع الانخفاض العام في الأسعار، فإنهم وإنْ لم يربحوا، لكنهم أيضاً لم يعانوا كثيراً.
استياء الغرب
كما كان مخططاً، وبالتزامن مع تبديل النقود، فقد تمّ إلغاء نظام البطاقة. تم تحديد أسعارٍ حكوميةٍ موحدةٍ للبيع بالتجزئة، وذهبت السلع الغذائية والصناعية للبيع الحر.
ترافق إلغاء البطاقات مع انخفاضٍ في أسعار الخبز والطحين والمعكرونة والحبوب والبيرة. ومنذ عام 1949، أصبح التخفيض السنوي لأسعار المنتجات الاستهلاكية تقليداً ربيعياً سنوياً، كان مستحيلاً تحقيقه لو أننا وقعنا اتفاقيات بريتون وودز التي حددت كيفية تنفيذ إصدار العملات.
طريقتان:
في حال نما الاقتصاد سنوياً بمعدل 5٪ على سبيل المثال، فإنّ هناك عدداً من الطرق لموازنة حجم الناتج مع المعروض النقدي والذي لن يكون كافياً حينها (بسبب نمو الناتج)، لتخديم معدل التبادلات السابق.
سنسلط الضوء على طريقتين رئيسيتين لهذه الموازنة:
الأولى: يمكنك زيادة المعروض النقدي بنسبة 5٪ عن طريق طباعة المزيد من الأوراق النقدية. لكن هذا لن يجعل العمال العاديين أكثر ثراءً، بل أولئك الذين يمتلكون أدواتٍ مالية للاستفادة من ذلك؛ لأنهم سيكونون قادرين على إعادة توزيع الأوراق النقدية الجديدة لصالحهم، ومن ثمّ السلع، التي سترتفع أسعارها في النهاية.
الثانية: يمكنك خفض أسعار المنتجات الاستهلاكية؛ مما يزيد من تداول الأموال ويعادل حجمها مع زيادة حجم السلع، وينظم سرعة دوران النقود. وهذا لن يجعل الأغنياء أكثر ثراءً، لكنّه يمنح العمال العاديين الثقة بمستقبل أكثر رفاهية.
اتبع ستالين الطريقة الثانية؛ مرسياً بذلك مبدأً محدداً للتعامل مع الكتلة النقدية، وظيفته أن يؤدي في النهاية إلى تصفير أسعار تلك السلع التي تكون أحجام إنتاجها كافية للجميع في المجتمع؛ لأن المبدأ الرئيسي للاقتصاد الاشتراكي هو رفاهية المواطنين، وليس الربح:
«إنّ ضمان أقصى قدرٍ من تلبية الاحتياجات المادية والروحية المتنامية بشكل مستمر، للمجتمع بأسره، هي غاية الإنتاج الاشتراكي. والتنمية والتحسين المستمران للإنتاج الاشتراكي على أساس أعلى مستوى تكنولوجي، هما الوسيلة لتحقيق هذه الغاية. هذا هو القانون الاقتصادي الأساسي للاشتراكية».
(من كتاب: «المشكلات الاقتصادية للاشتراكية في الاتحاد السوفييتي- جوزيف ستالين»).
معدلات نمو الصناعة، التي تضمن تحقيق هدف تحسين رفاهية العمال في سنوات الخطط الخمسية الستالينية، تتحدث عنها البيانات التالية:
• زاد الدخل القومي عام 1950 بمقدار 8.8 مرة مقارنة بعام 1913.
• جميع المنتجات الصناعية– بمقدار 13 ضعفاً.
• إنتاج وسائل الإنتاج (المجموعة أ: أي وسائل إنتاج وسائل الإنتاج) – بمقدار 27 ضعفاً.
• إنتاجية العمل الاجتماعي– بمقدار 8.4 مرة.
يجب القول إنه من خلال إدخال مبدأ خفض الأسعار كاستجابةٍ لزيادة إنتاج السلع، فإنّ ستالين قد سار بعيداً عن الطريق المحدد من أسياد النظام المالي العالمي؛ لأن المبدأ الذي أرساه جعل الهرم المالي الذي أنشؤوه بلا أساسٍ اقتصاديٍ يحمله.
نتيجة لاتباع المسار الثاني للمعادلة بين النقد والبضائع، تم تخفيض الأسعار وسطياً بمقدار مرة ونصف، إلى مرتين. وبالنسبة للمنتجات الفردية بأكثر من 4 مرات.
وهكذا، في الاتحاد السوفييتي، تم القضاء على العواقب السلبية للحرب في مجال النظام النقدي. وقد أتاح التحول نحو التداول بأسعار موحدة، تخفيض الكتلة النقدية بأكثر من ثلاث مرات: (من 43.6 مليار روبل، إلى 16 مليار روبل).
بشكل عام، كان الإصلاح ناجحاً. وتجدر الإشارة هنا إلى فرادة هذا التنظيم الستاليني؛ الذي تمكن، بفضل مبدأ خفض الأسعار، من سحب معظم الأموال من التداول، وفي الوقت نفسه، فإنّ معظم الناس العاديين، لم يعانوا.
بنتيجة الإصلاح، فقد تحسن الوضع المالي في الاتحاد السوفييتي بشكل كبير، وبدأ الوضع المادي للعمال بالتحسن بشكل ملحوظ. كما تم تخفيض الدين المحلي للدولة.
خطة ستالين لإنشاء سوق مشترك «غير دولاري»
سعر صرف الروبل السوفييتي مقابل الدولار
تم منذ عام 1937، ربط الروبل السوفييتي بالدولار. وتم احتساب سعر صرف الروبل مقابل العملات الأجنبية على أساس الدولار الأمريكي.
في شباط 1950، قام المكتب الإحصائي المركزي للاتحاد السوفييتي، وبناءً على تعليمات من ستالين، بإعادة حساب سعر صرف الروبل الجديد.
ركز الخبراء السوفييت على القوة الشرائية لكل من الروبل والدولار (أي بمقياس أسعار السلع)، واستنتجوا الرقم 14 روبل مقابل دولار واحد. في السابق، (حتى عام 1947)، كان الدولار يساوي 53 روبل.
ومع ذلك، في 27 شباط، شطب ستالين هذا الرقم، وكتب: الحد الأقصى 4 روبل.
فلنحسب معاً سعر صرف الروبل مقابل الدولار، بناءً على استهلاك الطاقة عام 1950 (مصادر البيانات: المصدر1، المصدر2، المصدر3)
• في الولايات المتحدة، بلغ إجمالي استهلاك الطاقة 92.70 تريليون كيلوواط ساعي. والعرض النقدي 27.7 مليار.
• في الاتحاد السوفييتي، 84.9 تريليون كيلوواط ساعة. والعرض النقدي 16 مليار.
نقسم استهلاك الطاقة لكل بلد على المعروض النقدي:
• 3346 كيلو واط ساعة لكل دولار.
• 5306 كيلو واط ساعة لكل روبل.
اتضح أنه مقابل روبلٍ ستالينيٍ واحد، فإن السعر هو 1.59 دولار. لذلك فإنّه يمكننا حتى أن نقول إن ستالين بتقديره الأولي لسعر الدولار عند 4 روبلات قد تساهل مع الولايات المتحدة.
وفقاً لمرسوم مجلس وزراء الاتحاد السوفييتي في 28 شباط 1950، تم ربط الروبل إلزامياً بقاعدة الذهب وتم إلغاء ارتباطه بالدولار.
تم ضبط محتوى الروبل من الذهب عند 0,222168 غرام من الذهب الخالص. في 1 آذار 1950، تم تحديد سعر شراء الذهب من البنك الحكومي السوفييتي عند 4 روبلات، و45 كوبيكاً، لكل غرام من الذهب الخالص.
وكما لاحظ ستالين، فإن الاتحاد السوفييتي كان محمياً من الدولار. لأول مرة، تم تحرير الأموال الوطنية من الدولار الأمريكي.
وفقاً لمعطيات المجلس الاقتصادي والاجتماعي التابع للأمم المتحدة (ECOSOC)، ووفقاً للجان أوروبا والشرق الأقصى التابعة للأمم المتحدة (1952 ـ 1954)، فقد ضاعف قرار ستالين تقريباً من كفاءة الصادرات السوفييتية.
حدث هذا بسبب إعفاء الدول المستوردة من الأسعار المدولرة، مما قلل من أسعار الصادرات السوفييتية. وأدى هذا بدوره إلى زيادة الإنتاج في معظم الصناعات السوفييتية. كما حظي الاتحاد السوفييتي بفرصة التخلص من استيراد التكنولوجيا من الولايات المتحدة ومن الدول الأخرى ذات التوجه الدولاري، وتالياً، بفرصة تسريع التجديد التكنولوجي الخاص به.
سوق عالمي بديل
أدى التحول نحو «الروبل الذهبي الستاليني» في معظم تجارة الاتحاد السوفييتي مع دول مجلس التعاون الاقتصادي (СЭВ) الذي تم إنشاؤه عام 1949 مع عدد من الدول النامية، إلى تشكيل كتلة اقتصادية- مالية... ظهرت سوق مشتركة خالية من الدولار، وخالية بالتالي، من التأثير السياسي للولايات المتحدة.
في النصف الأول من نيسان 1952، عُقد مؤتمر اقتصادي دولي في موسكو. وفيه اقترح الوفد السوفييتي، برئاسة نائب رئيس مجلس الوزراء شيبلوف، إنشاء سوقٍ مشتركة للسلع والخدمات والاستثمار؛ سوقٍ خالية من الدولار يتم إنشاؤها لإحداث توازن في مواجهة التوسع الأمريكي وفي مواجهة «الاتفاقية العامة للتعرفة الجمركية والتجارة» (GATT).
في ذلك الوقت، كانت خطة مارشال ماضيةً بالفعل على قدم وساق. وأصبحت اقتصادات معظم الدول الأوروبية، تابعةً للولايات المتحدة.
عام 1951، أعلن أعضاء (СЭВ) ومعهم الصين، عن حتمية التعاون الوثيق بين جميع البلدان التي ترفض الانصياع للدولار الأمريكي ولإملاءات الهياكل المالية والتجارية الغربية. وقد أيدت الفكرة دول مثل: أفغانستان وإيران والهند وإندونيسيا واليمن وسورية وإثيوبيا ويوغوسلافيا والأوروغواي. أصبحت هذه الدول أعضاءً مشاركين في تنظيم منتدى موسكو.
ومن المثير للاهتمام، أن الاقتراح حظي أيضاً بدعم بعض الدول الغربية: السويد وفنلندا وأيرلندا وأيسلندا والنمسا.
شاركت 49 دولة في اجتماع موسكو. وتم خلاله التوقيع على أكثر من 60 اتفاقية تجارية واستثمارية وعلمية وفنية.
ومن بين المبادئ الأساسية لهذه الاتفاقيات:
• استبعاد التسويات بالدولار.
• إمكانية المقايضة، بما في ذلك في سداد الديون.
• تنسيق السياسات في المنظمات الاقتصادية الدولية، وفي السوق العالمية.
• نظام تفضيلات قصوى متبادلة: في القروض والاستثمارات والتعاون العلمي والتقني.
• تفضيلات في الجمارك والأسعار للبلدان النامية، (أو لسلع تلك البلدان)، وإلخ.
اقترح الوفد السوفييتي في المرحلة الأولى، إبرام اتفاقيات ثنائية أو متعددة الأطراف بشأن قضايا الجمارك والأسعار والائتمان والسلع. ثم في المرحلة الثانية، التخطيط لتنفيذ توحيد تدريجي لمبادئ السياسة الاقتصادية الخارجية ولإنشاء منطقة تجارية «على مستوى الكتلة». في المرحلة النهائية، تم التخطيط لإنشاء عملة تسوية بين الدول، ذات محتوى ذهبي إلزامي، ما يقود إلى استكمال إنشاء السوق المشتركة.
من الواضح أن التكامل المالي والاقتصادي سيقود نحو تكامل سياسي. وحول الاتحاد السوفييتي، لن تتحد فقط الدول الاشتراكية، بل وأيضاً الديمقراطيات الشعبية والمستعمرات السابقة، أي الدول النامية.
الخلاصة
للأسف، فبعد وفاة ستالين، انحرفت سلطات الاتحاد السوفييتي ومعظم بلدان (СЭВ) الأخرى، عن مبادئها الأصلية. وسقطت تدريجياً تحت حكم الدولار، و«نخبها» سقطت تحت حكم «العجل الذهبي». لقد حاولوا تناسي المشروع الستاليني لسوق «خالية من الدولار» ...
استمر الوضع المستقر والقوي للروبل حتى عام 1961، حتى تم تدمير كل هذه الإنجازات من خلال الإصلاح النقدي لخروتشوف.
أصبحت الآن فكرة «العولمة الروسية» على المستوى المالي والاقتصادي، حقيقة فعلية أكثر مما كانت عليه في عدد كبير من البلدان الأخرى.
وعملية التحضير لمناورة قوية، جارية بالفعل...
في 1 أيلول 2015، قدم فلاديمير بوتين مشروع قانون إلى مجلس الدوما، يتضمن التخلي عن الدولار في رابطة الدول المستقلة، ويهدف إلى إنشاء سوق مالية واحدة بين روسيا وأرمينيا وبيلاروسيا وكازاخستان وقيرغيزستان وطاجيكستان ودول أخرى. وتم التوقيع على هذا القانون في 15 كانون الأول 2015.
هل البنك المركزي الروسي خارج إطار هذه العملية؟ وهو الذي لا يزال تحت سيطرة الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي عبر آلية إصدار الروبل. وهل سيتم إرغامه على إلغاء دولرة القطاع المصرفي الروسي؟
هذا ما سيكشفه الزمن.
مصدر المادة على الرابط
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 1074