أفغانستان وباكستان.. الثقب الأسود في الإمبراطورية الأمريكية

لماذا ذهب بوش إلى أفغانستان؟ لماذا يذهب أوباما إليها أيضاً؟ طرق الغاز والنفط؟ ما أسباب صعود الطالبان مجدداً وانهيار كرزاي؟ من المستفيد من الأفيون؟ لماذا هنالك خطر في تفجر باكستان المجاورة؟ هل الفوز في الحرب على أفغانستان ممكن؟ لا يجيب الخبراء.. لكنّ حلف الناتو يواصل مع ذلك جهوده للقضاء على الطالبان، وباكستان هي التي تحترق. ما هي الأسباب الحقيقية لهذه الحرب؟ هل ستغرق الغايات الأمريكية في الهيمنة المنطقة في الفوضى؟ في هذا الفصل الجديد من سلسلتنا المعنونة: «فهم العالم الإسلامي»، سنحاول الإجابة على هذه الأسئلة.. ونشرح لماذا يعود للشعب الباكستاني إنقاذ بلاده من اختفاء محتمل..

«الحرية الدائمة».. لمن؟
في العام 2001، أطلقت الولايات المتحدة عملية «الحرية الدائمة» في أفغانستان لأنّها زعمت أنّ الطالبان يرفضون تسليم أسامة بن لادن. بعد سبع سنواتٍ من ذلك، لم يعد أحدٌ يتحدّث عن «عدو الشعب الأول». ما هي أسباب هذه الحرب اليوم؟
والحقيقة أنّ الطالبان ليست لهم أية علاقة بأسامة بن لادن. في العام 1996، طردت المملكة العربية السعودية أسامة بن لادن، فالتجأ إلى السودان، فضغط السعوديون على هذا البلد ليطرده. حينذاك، أتى ابن لادن إلى أفغانستان. لكنّ هذا البلد لم تكن له أية علاقة باعتداءات الحادي عشر من أيلول. ليس هنالك سوى ردّ فعل الطالبان حين طالبت واشنطن بابن لادن: «إذا أردتم أن يحاكم ابن لادن، فقدموا لنا البراهين ودعونا نحاكمه في محكمة إسلامية ضمن أحد البلدان الإسلامية». في الواقع، استغل المحافظون الجدد في إدارة بوش ذلك الحدث المأساوي كذريعة.
تسمح لنا ثلاثة كتب مهمة بفهم جذور غاية الولايات المتحدة. بداية هناك كتاب «نهاية التاريخ» لفرانسيس فوكوياما، فقد زعم أنّ تاريخ البشرية وصل إلى نهايته مع انهيار الاتحاد السوفييتي وسيطرة الليبرالية. ثانياً، كتاب «صدام الحضارات» لصموئيل هنتنغتون، الذي زعم أنّ التاريخ لا يتعلّق بالصراع الطبقي، بل بنزاعٍ بين الحضارات. إذ قسم هنتنغتون العالم بين هذه الحضارات المختلفة، وأعلن أنّ أكثرها عدوانيةً هي الحضارة الإسلامية. الكتاب الأخير هو «رقعة الشطرنج الكبيرة» لزبيغنييف بريجنسكي، الذي يعتبر أنّ من سيسطر على أوراسيا سيكون القوّة العظمى الوحيدة في القرن الواحد والعشرين. وبالفعل، فغالبية البشرية تعيش في هذه المنطقة كما أنّ النشاط الاقتصادي فيها يتعاظم.
الآن، لنعد إلى أواخر عهد كلينتون. فقد تميّز العام 1997 بأزمةٍ اقتصاديةٍ خطيرة، فمع انهيار الفقاعة المالية في آسيا، انهار مؤشر ناسداك، وحين وصل المحافظون الجدد إلى البيت الأبيض مع جورج دبليو بوش في العام 2001، لم يكن الوضع الاقتصادي باهراً، وعلى الرغم من ذلك، فقد عرضوا هدفهم بوضوحٍ شديد: ينبغي ألاّ يستطيع أحدٌ منافسة الولايات المتحدة. وللوصول إلى ذلك الهدف، سعت الإدارة الجديدة إلى السيطرة على العالم بالسيطرة على أهم الموارد، لاسيما الغاز والنفط. بتأثيرٍ من بريجنسكي، أراد كلينتون بدايةً التحكم بأوروبا عبر توسيع الناتو، ثمّ الفوز بآسيا الوسطى، لكنّ المحافظين الجدد قالوا: «لا، لا وقت لدينا لذلك نظراً لهذه الأزمة، علينا خلق الشرق الأوسط الكبير والتحكم به للحصول على النفط».
إذن، لم تكن حرب أفغانستان ـ التي خططت لها السي آي إيه لأول مرة في التاريخ دون مشاركة البنتاغون ـ إلاّ حجةً لإرسال القوات الأمريكية ومنحها التجربة الكافية للهجوم على العراق لاحقاً. كما أنّ الإطاحة بصدّام حسين قد خطط لها قبل اعتداءات الحادي عشر من أيلول بفترةٍ طويلة.

أوباما والتركيز على أفغانستان
أثارت الحرب على العراق صعوباتٍ غير متوقعة. كانت الحكومة الأمريكية تعتقد أنّها الهدف الأسهل، لأنّه لم يكن لدى صدام حسين جيش كبير، كما أنّ جزءاً كبيراً من الشعب العراقي كان يكره نظامه. لم يحتج الأمر أكثر من عشرين يوماً كي تستولي الولايات المتحدة على بغداد. ثمّ لم تحمِ هذه القوات إلا الصناعة النفطية وتركت كل شيءٍ ينفجر. لقد دمّر بول بريمر، حاكم العراق الأمريكي، أسس النظام العراقي القديم وفكك الشرطة وبنية الجيش. في هذه اللحظة، تعاظمت المقاومة، وكذلك كلفة الاحتلال الأمريكي: ثمانية مليارات من الدولارات كل شهر طيلة ثماني سنوات، أنفقت إدارة المحافظين الجدد كل أموالها في هذه الحرب، دون أية نتيجة: لم يتمكنوا من التوصل إلى جعل البلد مسالماً، ولا من خلق الحكومة التي يريدونها، ولا الحصول على قاعدة شعبية، ولا من التحكم بالنفط.
حين كشفت المقاومة العراقية ضعف الإمبريالية الأمريكية وعجزها عن الفوز في النزاع، أصبح الشعب الأمريكي أكثر انتباهاً على الصعيد السياسي. هكذا دفع نقص دعم الرأي العام لهذه الحرب أوباما إلى توجيه الأنظار لمكان آخر: أفغانستان!
لم يكن الطالبان على الدوام أعداء للولايات المتحدة، فقد حيّت وزيرة الخارجية الأمريكية السابقة مادلين أولبرايت وصولهم إلى السلطة في العام 1996 بوصفه «خطوةً إيجابية». بل يبدو أنّ هذه الخطوة نالت التشجيع. وهو ما اختصرته رئيسة الوزراء الباكستانية السابقة بنازير بوتو على النحو التالي: «كانت الفكرة إنجليزية، والتمويل سعودياً، والمراقبة باكستانية، والتسليح أمريكياً.»!
أواخر السبعينات، أتى السوفييت إلى أفغانستان لدعم الحكومة الثورية المهددة بالمعارك الداخلية. أراد بريجنسكي، مستشار الرئيس كارتر، أن يجعل من أفغانستان فيتنام للسوفييت ليوجه بذلك ضربةً قاصمةً للنفوذ الاشتراكي في المنطقة. ومن أجل محاربة الاتحاد السوفييتي وحكومة أفغانستان الثورية، دعمت الولايات المتحدة والسعودية المجاهدين عبر باكستان.. في الحقيقة، استخدمت واشنطن المجاهدين عامل وقاية، وحين لم يعد لهم نفع، رمتهم. من الذي عانى من ذلك الأمر؟ شعبا أفغانستان وباكستان.
حين دعمت الاستخبارات الباكستانية المجاهدين لمحاربة الشيوعيين، لم توحّد تلك الحركة، بل دعمت أمراء الحرب فيها على نحوٍ منفصل، وبعد رحيل الولايات المتحدة، جرى تنافسٌ خطيرٌ بين أمراء الحرب الأفغان. تدمّر البلد تدميراً تاماً بسبب هذه الحرب الأهلية، وهرب ملايين اللاجئين إلى باكستان، وهو بلدٌ كان يعيش أزمةً خطيرةً حينذاك، إذ تداعى اقتصاده مع وصول العديد من الأفغان ومن بارونات المخدرات. في هذا السياق، ظهر الطالبان، وهم طلاّبٌ من الجيل الأصغر من أولئك اللاجئين. وقدّم وصولهم إلى السلطة فرصةً للولايات المتحدة وباكستان. لكنّ مصالح هؤلاء الفاعلين الثلاثة كانت شديدة التباين.

النفط.. والتاريخ.. والطالبان
بعد استقلال بلدان آسيا الوسطى، أدركت باكستان أنّ عدوها الرئيسي، أي الهند، قويٌ في حين كان وضعها حساساً. بهدف التطور اقتصادياً ومنافسة الهند، قرّرت البرجوازية الباكستانية استخدام باكستان معبراً لأسواق آسيا الوسطى.
تمثّلت مصلحة الولايات المتحدة في التحكم بثروات آسيا الوسطى والتحكم بها. كانت شركة يونوكال النفطية الأمريكية تريد بناء خط أنابيب نفطي في المنطقة. لكن لتنفيذ ذلك، كان ينبغي نشر «السلام» في باكستان.
أخيراً، كان من مصلحة الطالبان أيضاً نشر السلام في البلاد وإقامة ثورةٍ إسلامية. تلاقى ذلك مع مصالح المملكة السعودية التي كانت ترغب في تصدير الفكر الإسلامي إلى آسيا الوسطى بهدف إضعاف روسيا والتحكم بالغاز في تلك المنطقة. وهكذا، بدعمٍ من قوىً أجنبية، قاتل الطالبان أمراء الحرب واستولوا على السلطة. كان الشعب الأفغاني قد تعب ويريد السلام، لذا، فقد استقبل الطالبان استقبالاً حسناً.
في نهاية المطاف، لم يكن ممكناً تنفيذ هذه الخطة: لم تنجح الولايات المتحدة في نشر السلام في المنطقة، ولم تتمكن باكستان من النفاذ إلى سوق أسيا الوسطى وتمّت الإطاحة بالطالبان.
تتضمّن أفغانستان مجموعاتٍ عرقية متباينة. أكثرها تمثيلاً هي مجموعة البشتون: نحو 50 بالمائة من السكان. ثمّ هنالك الطاجيك والهازار والكازاخ، الذين تتمفصل حولهم المنافسة بين أمراء الحرب. الطالبان من البشتون، وهي مجموعةٌ تتميّز باستقلاليتها الكبيرة! كانت الولايات المتحدة وباكستان تريد استخدامهم كمرتزقة، لكن لدى الطالبان رؤيتهم الخاصة للأمور. فضلاً عن ذلك، لا يعترف البشتون بالحدود الفاصلة بين باكستان وأفغانستان.
حين كانت الهند درة مستعمرات الإمبراطورية البريطانية، كانت بريطانيا قلقةً من توسّع الروس في آسيا الوسطى. لحماية مستعمرتهم، رغب البريطانيون في استخدام أفغانستان، وأدى ذلك إلى ثلاثة حروبٍ بين إنجلترا وأفغانستان. في العام 1893، رسم حاكم الهند، سير دوران، خطاً في أراضي البشتون لحماية مستعمرته بخلق منطقة وقاية بين أفغانستان والهند البريطانية. هذا الخط هو الحدود الحالية بين أفغانستان وباكستان. وحين استقلت باكستان، كانت أفغانستان العضو الوحيد الذي صوّت ضدّ دخولها إلى الأمم المتحدة!
كان واضحاً إذاً أنّ الطالبان لن يخضعوا إلى تلك المصالح الأجنبية حين يستولون على السلطة. في أيار 2001، قبل بضعة أشهر من مهاجمة مركز التجارة العالمي، قدّمت واشنطن دونما أية نتيجة، مساعدةً قدرها 43 مليون دولار لنظام طالبان في إطار مشروع خط يونوكال النفطي. لكن مع الحادي عشر من أيلول، تهاوى المشروع برمته.

الأفيون.. وحكومة الاحتلال
حاولت الولايات المتحدة بعد احتلال أفغانستان شراء أناسٍ بارزين من البشتون ليشاركوا في الحكم، لكنّهم أخذوا المال وانسحبوا، فالبشتون كما قلت، شديدو الاستقلالية!
أما أمراء الحرب المتواجدون في الحكم فيعمل كلٌّ لمصلحته الخاصة، وهم لا يدفعون ضرائب للحكومة المركزية، بل يستحوذون على الثروات.. كل وزيرٍ هو وزيرٌ مرتبطٌ بأحد أمراء الحرب. إنه وضع فوضى، يشلّ الحكومة.
لا يثق أمراء الحرب بالبشتون. وهم يعتقدون بأنّه في حال استيلاء البشتون على الأغلبية في الحكومة، فسوف يفرضون رؤيتهم. باختصار، إنها حكومةٌ الجميع فيها ضدّ الجميع. وكلّ ما خطّطه فيها الغرب لا ينفع على الإطلاق!
ونستطيع القول أيضاً إنّ قوات الناتو بقصفها للفلاحين في مزارعهم ومساجدهم وأعراسهم وجنازاتهم حالياً، لا تساعد حميد كرزاي.. ينظر جزءٌ كبيرٌ من السكان إلى الحكومة الحالية بوصفها أداةً للمعتدي. لقد أدّت كلّ هذه الاغتيالات إلى انتفاضةٍ شعبيةٍ، ووحدت مقاومة الطالبان، ونتيجةً لهذه الحرب، ازداد إنتاج الأفيون: أكثر من ثلاثة آلاف بالمائة منذ سقوط نظام طالبان. وقد اتهمت وزارة الخارجية الأمريكية الطالبان باستخدام المخدرات لتمويل المقاومة...
الأفيون منتج كيميائي من الخشخاش. حين تتفتح زهرة الخشخاش، يتم قطعها وجمع الحليب المنسال منها وبيعه. هذا ما يفعله الفلاحون الأفغان. ثمّ يقوم أشخاصٌ بتجفيف هذا الحليب ويعالجونه في آلةٍ بإضافة مواد كيميائية للحصول أخيراً على الأفيون. لإنتاج هذا المخدر، تحتاج لمختبرٍ ولمعرفةٍ بالكيمياء. أنا لا أعتقد أنّ الفلاحين الأفغان لديهم جميعاً دبلوم في الكيمياء، فلو كانت تلك هي الحال، لكانت أفغانستان بلداً متطوراً جداً! للحصول على المال من تجارة الأفيون، تحتاج أيضاً إلى ما يكفل لك إيصال هذا المنتج إلى الغرب. والطالبان يفتقرون لهذا كله. في واقع الأمر، يأتي الأفيون من أمراء الحرب، بمساعدة السي آي إيه. في معظم الأحيان، يأتي هذا المخدر من أجهزة الاستخبارات الأمريكية التي تستخدمه كمصدرٍ مربح، فتحمل المخدر إلى البلدان الغربية وتبيعه بسعر السوق، وتستخدم بعد ذلك هذا المال القذر لتمويل حروبها.
بدأت زراعة الخشخاش في أفغانستان مع الحرب ضدّ السوفييت، وقد أصبحت صناعة الأفيون اليوم بين أيدي أمراء الحرب. والحال أنّ زراعة الخشخاش تدرّ على الفلاحين أكثر بكثير مما تدره زراعة البندورة. إذاً، لبناء أساسٍ اجتماعي، سمح أمراء الحروب للفلاحين بزراعة ما يريدونه. في المقابل، حين استولى الطالبان على السلطة في التسعينات، حرقوا حقول الخشخاش، ما أثار ضدّهم الكثير من العداوات. هذا هو السبب في أنّ الطالبان لم يعودوا اليوم يمنعون الفلاحين من زراعة الخشخاش، لكنّهم يمنعون إنتاج الأفيون. بل إنّهم يحصلون على أرباحٍ بفضل مساهمة الفلاحين المالية. وفي واقع الأمر، ليست لدى الحكومة المركزية أية إمكانيةٍ للحصول على ضريبةٍ في جنوب البلاد، لأنّ كلّ شيءٍ هناك بين أيدي الطالبان. والحال أنّ حكومةً عاجزةً عن تحصيل ضريبةٍ ليست حكومة!
العديد من الاختصاصيين يعتبرون أنّ الفوز في حرب أفغانستان مستحيل. بل إنّ الجنرال الفرنسي جورجولان وصفها بأنّها «فوضى لا يمكن إدارتها».

الناتو يغرق!
الناتو يقتل المدنيين كل يوم، ما أدى إلى التقارب بين السكان وبين الطالبان، الذين يسيطرون حالياً على جنوب البلاد، مع حكم أمرٍ واقعٍ في كل قرية. إنهم مختلطون بالسكان، وقوات الناتو تسجّل خسارات، وما إن يتحرّك أي شيءٍ حتى تفتح هذه القوات النار، فتقتل المدنيين في طريقها.
الأفغان يواجهون أمراء الحرب الإمبرياليبن الذين يقصفون المدنيين من جانب، وأمراء الحرب المحليين الذين ينهبون البلاد ويبيعون المخدرات من جانبٍ آخر. هذا هو السبب في أنّ الطالبان يتمتعون بدعم السكان. ليس لأنّ لديهم أفكار تقدمية، بل لأنّ السكان يتوقعون منهم إعادة السلام إلى البلاد..
أوباما قال إنّه مستعدٌ للتفاوض مع الطالبان المعتدلين.. إنه يحاول حماية الولايات المتحدة من أزمةٍ تراكمت منذ السنوات السبع المنصرمة. يريد أوباما أن يظهر عدم وجود حربٍ على المسلمين، وأنّه يرفض صدام الحضارات. لذا قال إنّه مستعدٌ للتفاوض مع الطالبان المعتدلين. هذه هي السياسة الأمريكية الجديدة في العديد من مناطق العالم التي تتواجد فيها حركاتٌ إسلامية: تقسيمها إلى أخيار وأشرار. إذا حاولت واشنطن سلوك درب المفاوضات، فسيتوجب أن تدرك أنّ الأزمة الأكبر لم تعد في أفغانستان، بل في باكستان، فخط الحدود الحالية الفاصلة بين البلدين، يعني أنّ هنالك بشتون على جانبي الحدود، وهم  يمثّلون في باكستان المجموعة العرقية الثانية بعد البنجاب. هذا أمرٌ بالغ الأهمية، لأنّ النخبة الباكستانية قد أيدت الإمبريالية الأمريكية منذ استقلال البلاد. تستطيع العمل كوكيلٍ لسيدك حين تنجز عنه عملاً من بعيد، في أمريكا الجنوبية أو في إفريقيا على سبيل المثال، لكن في حالة حرب أفغانستان، هذا انتحارٌ لأنّ البلدين جاران ويتشاطران مجموعاتٍ عرقية. هنالك طالبان في شمال باكستان أيضاً، يهاجمون ويدمرون كل يوم مؤن قوات التحالف التي يفترض فيها أن تمرّ إلى أفغانستان عبر باكستان من موقعٍ استراتيجي على الحدود. لحلّ هذه المشكلة، تسمح الحكومة الباكستانية، دمية واشنطن، للناتو بقصف البشتون على أراضيها. نتيجةً لذلك، تطوّر الطالبان الباكستانيون وهم يعتبرون اليوم أنّ عدوهم هو حكومة باكستان. وقد أعلنوا أنهم يريدون الزحف إلى إسلام أباد.
لهذا، لم يعد للحدود بين البلدين معنى. ويتوجب على الشعب الباكستاني مواجهة هذه المشكلة: أين هي شرعية الحكومة الباكستانية إذا كانت تسمح للناتو بقصف مدنها؟ أمام الشعب الباكستاني حلان الآن: إما أن يرفض الإملاء الأمريكي، أو متابعة هذا الطريق المؤدي إلى اختفاء بلاده.

صراع الاستراتيجيات.. وخطر البلقنة
استراتيجية الولايات المتحدة تسعى إيقاف تطور الصين. حين حدث التسونامي، أرسلت واشنطن مساعدةً إنسانيةً كبيرةً إلى إندونيسيا، استفادت منها في بناء قاعدة عسكرية في مقاطعة آتشه. هذه القاعدة تواجه مضيق مالاكا، وعبر هذا المضيق يمر النفط القادم من المحيط الهندي ليصل إلى الصين.
اليوم، الولايات المتحدة متواجدة في هذا الموقع الاستراتيجي، وستكون قادرةً على إغلاق هذا المضيق وحرمان الصين من نفطها لدى حدوث أبسط مشكلة. نظراً لهذا الوضع، يسعى العملاق الآسيوي ـ الذي تتزايد باضطراد حاجته للنفط لتطوير بلاده ـ إلى إيجاد طرقٍ أخرى للحصول عليه. يمرّ أحد الحلول في بورما، التي لديها موارد ويمكن أن تسمح بمنفذٍ إلى بنغلادش. الاحتمال الآخر هو ميناء جوندر، الذي بنته الصين في بلوشستان، أكبر مقاطعات باكستان: نحو 48 بالمائة من مساحة البلاد. لكنّها أيضاً المقاطعة ذات الكثافة السكانية الأكثر انخفاضاً: 5 بالمائة من العدد الكلي للسكان. تحتوي هذه المقاطعة على احتياطيات كبيرة من الغاز والنفط. كما تستطيع الصين بناء خط أنابيب ينطلق من إيران ويمر في بلوشستان وصولاً إلى غربي الصين. لكنّ الولايات المتحدة تريد بقوةٍ منع هذه المقاطعة من الانتقال إلى دائرة النفوذ الصينية. لذا، فهي تدعم حركة بلوشستان الانفصالية لتسيطر هي على ميناء جوندر.
مع مشكلة البشتون من جانب، واحتمال انفصال أكبر مقاطعات باكستان، هنالك خطرٌ في حدوث بلقنةٍ لهذا البلد: التشظي إلى سلسلة من الدول الصغيرة. اليوم، الشعب الباكستاني أكثر انتباهاً. ويعود إليه واجب إيقاف هذه الكارثة وصدّ الولايات المتحدة عن باكستان. لكنّها أيضاً مسؤولية كل الحكومات الديمقراطية الثورية في المنطقة. فإذا أصاب باكستان ما أصاب يوغوسلافيا، فستواجه المنطقة برمتها مشكلاتٍ بالغة الخطورة.    
إعداد: غريغوار لايليو - ميشيل كولون - ترجمة قاسيون

معلومات إضافية

العدد رقم:
409