ترجمة : جوزف عبدالله ترجمة : جوزف عبدالله

تقرير أوروبي: ليبيا.. «ثورة» مريبة ومستقبل غامض (2-2)

قامت بعثة من الخبراء الدوليين بتحقيق ميداني في ليبيا حول مجريات وملابسات «الثورة» هناك، وأصدرت خلاصة تحقيقها في أواخر أيار ٢٠١١ ضمن تقرير بالفرنسية بعنوان «ليبيا: مستقبل غامض».. ولما كان هذا التقرير يشكل عملاً فريداً من نوعه حول الأزمة الليبية، نشرنا في العدد الماضي الجزء الأول منه والذي تضمن صورة عامة عن الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية في ليبيا قبل انفجار الأزمة، وها نحن ننشر الجزء الثاني والأخير منه، والذي يحاول التعمق في قراءة الأحداث والفاعلين فيها والمآلات التي تمضي نحوها..

الانتفاضة.. سير الوقائع في الشرق

بدأت الحوادث في ١٢ و١٣ شباط ٢٠١١، وضمت حركة الاحتجاج الليبية مجموعات مختلفة الغايات، بل متناقضة: نواة شعبية وديمقراطية رافضة لديكتاتورية القذافي؛ وعشائر الشرق الليبي المنزعجة من تفاوت توزيع ثروة البلد؛ والإسلاميون.

والمدهش أن الحركة راح يقودها قادة سابقون من النظام (مصطفى عبد الجليل وعبد الفتاح يونس)، يشهد ماضيهم على احتقارهم لحقوق الإنسان، وتدفعهم الرغبة بالاستيلاء على السلطة.

شرعت الحركة بسرعة باللجوء إلى استخدام السلاح والحرب الأهلية. وتعرضت رموز النظام جميعها للهجوم: مراكز الشرطة، المحاكم، دوائر النفوس، الثكنات، السجون. بالإضافة إلى النهب وبعض عمليات القتل العلنية.

أعطى ذلك للنظام الحق بالرد بالقوة، وتمكنت السلطة من استعادة المبادرة وشن هجوم مضاد على المحتجين الذين تم طردهم من مراكز المدن لضعف تسليحهم وقلة خبرتهم.

اتخذ مسار «الثورة» في الشرق الليبي مساراً مختلفاً حيث انتهى كل شيء في الأيام الأولى بهرب ممثلي السلطة المركزية إلى الغرب. ففي بنغازي، بدأت الحركة الشعبية في ١٢ شباط بقيادة أحد المحامين بعد أن اعتقلته قوى الأمن، فقامت تظاهرة في ١٥ شباط بتحريض من ٣٠٠ إلى ٤٠٠ ناشط، وبدأت بمهاجمة مراكز الشرطة والثكنات والمقرات الرسمية.

مع بدء المظاهرات قام إسلاميون ومجرمون بمهاجمة السجون خارج بنغازي والإفراج عن قادتهم. بعد ذلك قام المنتفضون بمهاجمة مراكز الشرطة والمقرات الرسمية، واستفاق السكان على رؤية أجساد رجال الشرطة معلقة على الجسور. وحصلت تجاوزات كثيرة بحق العمال الأفارقة واعتبارهم بمثابة «المرتزقة»: طرد، اغتيال، سجن، تعذيب.

رد فعل السلطة في اليوم الأول نحا نحو عدم استخدام مفرط للقوة، وفي اليوم الثاني تم إطلاق النار فوق الجمهور، لكن في اليوم الثالث صارت الرماية تستهدف القتل مباشرة، فسقط القتلى والكثير من الجرحى.

طبرق، المدينة الرابعة في البلاد، حوالي ١٧٠ ألف نسمة، وأحد مراكز الإسلاميين، «تحررت» بسرعة بعد بدء الحركة وقبل بنغازي، فبعد مظاهرة «عفوية» في ١٧ شباط، اتسعت في اليوم التالي، أطلقت الشرطة النار على المتظاهرين وأسقطت ٣ إلى ٤ ضحايا، ما أدى إلى تمرد عام للسكان المسلحين ببنادق الصيد.

قيادة قوى الأمن قررت الهرب بسرعة متخلية عن رجالها وسلاحها

في درنة، التي يسكنها ٩٠ ألف نسمة، جرى تحرك طلابي في ١٥ شباط  فأطلقت قوى الأمن النار، وأسقطت خمسة قتلى وعشرة جرحى من المدنيين، فاتسعت الانتفاضة، وهربت الشرطة. استولى المتظاهرون على مركز الأمن وأحرقوا المقرات الحكومية، وبعد تحرير المدينة انتظم السكان عفوياً في لجان محلية، ثم انتقل بعض الطلاب والمدرسين إلى القتال مع المنتفضين. 

مسار الحوادث في الغرب

تميزت الانتفاضة في إقليم طرابلس حتى نهاية شباط بدينامية مناسبة: لم تبلغ مصراته (على بعد ٢٢٠ كلم عن طرابلس) بل توسعت بقوة في مدن الغرب الليبي مثل زواره أو زاوية. بيد أن الانتفاضة في إقليم طرابلس لم تدعمها غير أقلية من السكان. كانت الانتفاضة في «الزاوية» (على ٥٠ كلم من طرابلس) محضرة ومنسقة، ولم تكن من الأصل سلمية وعفوية. لم يكن الناشطون غير ٣٠٠ إلى ٥٠٠ ، معظمهم ليبيون، وبينهم حسب الأمن الليبي بعض الأجانب ومنهم تونسيون ومصريون. ومنذ البداية دخلوا المدينة واحتلوا فوراً مركزها، وجعلوا مركز قيادتهم في الجامع. وطيلة ثلاثة أسابيع كانت الشرطة تتلقى الأمر الخطي بعدم القيام بأي شيء تجاه المتظاهرين، عدم معارضتهم وعدم إطلاق النار عليهم. بل إنها أجبرت على إخلاء مقراتها بضغط المنتفضين.

لم يرغب النظام وقد فاجأه حجم الانتفاضة بإطلاق حمام الدم كيلا تنتقل العشائر إلى حلقة عمليات الثأر، وليس من المستبعد أن يكون وزير الداخلية، عبد الفتاح يونس، قد أصدر عمداً الأمر بعدم القيام بأي شيء بغية إفساح المجال أمام التمرد ليتسع، وهو يعد العدة لانتقاله إلى بنغازي.

وخلال تلك الأسابيع الثلاثة تم نهب وحرق كل المقرات الرسمية: مراكز الشرطة، مراكز الأمن الداخلي، المحاكم، سجلات النفوس، السجون... ففي كل الأمكنة حصل التدمير والنهب دونما وجود أي أثر للمعارك، ما يؤكد أقوال الأمن. كما تعرضت بعض المحالات التجارية والصيدليات وبعض المستوصفات للنهب. وحصلت عمليات اغتصاب للنساء وقتل لرجال أمن مستفردين وضحايا مدنيين. وأمام حالة الرعب هذه نزح قسم من السكان.

استشاطت السلطات البلدية والشرطة غيظاً لغياب الأوامر من طرابلس طيلة ثلاثة أسابيع. ولقد كانت طاعة الأجهزة كاملة، والتزمت تماماً بالأوامر.

مع نهاية الأسابيع الثلاثة تلقى الجيش الأمر باستعادة الزاوية. استمرت المعارك لثلاثة أيام، ولم تكن فائقة الحال على ضوء آثارها المرئية. حاول ما بين ١٠٠ إلى ١٥٠ مسلحاً الصمود باعتماد حرب عصابات المدن. قتل نصفهم، بينما فر الباقون إلى الجبال، ووقع بالأسر عدد منهم، كما سقط بعض الضحايا كأضرار جانبية أثناء المعارك، كما تضررت محطة تكرير الزاوية. 

الاستخلاصات الأولى.. والتدخل الخارجي

لم تكن «الثورة» الليبية انتفاضة سلمية. لم تنشأ الحركة في العاصمة وليس لها جذور اجتماعية اقتصادية. ومركزها الأساسي يقع في الشرق، في إقليم برقة، المنطقة المعارضة تقليدياً للسلطة المركزية. كما أن التحرك تطور سريعاً إلى الصراع المسلح، ودخلت ليبيا في مرحلة جديدة، واندفعت البلاد في حرب أهلية فعلية. قادة الغرب، وفي الطليعة منهم الرئيس أوباما، عملوا على تضخيم مبالغ فيه للتهديد الإنساني بغية تبرير عملهم العسكري في ليبيا الذي لم يتأخر أبداً.

سرعان ما غادر ثلاثة إلى أربعة ملايين من الأجانب البلاد تحت ضغط الأحداث وتسارعها، وهرباً من النيران الطائشة والقصف العشوائي الغربي: مليون ونصف إلى مليونين من المصريين، ومليون من أفارقة الساحل وإفريقيا الغربية وإفريقيا الوسطى، و٦٠٠ ألف من السودان، وأكثر من ٢٠٠ ألف من المغرب، وأكثر من ١٠٠ ألف من تونس، و٦٠ ألف من الفلسطينيين، و١٠ لآلاف من الجزائر، هذا بالإضافة إلى الكثير من تركيا والفيليبين وسري لانكا وغيرهم من الآسيويين.

تأسس المجلس الوطني الانتقالي في ٢٧ شباط ٢٠٠١ ، وتم الإعلان عنه في ٥ آذار، كممثل وحيد لليبيا وقائد للمعارضة، برئاسة محمود جبريل ابراهيم الورفلي، وناطقه الرسمي (الشخصية الثانية في المجلس قبل أن يستقيل) عبد الحافظ خوجا. وهو يتألف من ٣١ ممثلاً لأبرز المدن الليبية، ١٣ فقط منهم معروفون، والباقون مجهولون لأسباب أمنية كما يقال، ويسيطر على المجلس حضور المناطق الشمالية الشرقية، وله طابع مناطقي فقط.

أهداف المجلس المعلنة بناء دولة ديمقراطية عبر انتخابات حرة وعادلة بعد سقوط القذافي. دولة موحدة وحرة وحديثة. دستور يتم إقراره باستفتاء، يضمن حرية تشكيل الأحزاب وحرية التعبير بوسائل الإعلام والتحركات السلمية... وضمان حماية مصالح وحقوق الشركات الأجنبية (في تلميح إلى الثروة النفطية في ليبيا)!!.

بيد أن الكثير من القلق يبقى حاضراً... 

حلف الأطلسي والضربات الجوية

لا أحد من الدول المنخرطة في العمليات العسكرية أعلن بوضوح عن أهدافه الحقيقية.. والجميع تذرع بحماية المدنيين!.

في الأسابيع الأولى للقصف ضربت بانتظام القوات الجوية الفرنسية والبريطانية والأميركية الآلة العسكرية الليبية، مدمرة نظام دفاعها الجوي والعديد من الآليات المصفحة والأسلحة الثقيلة، ولقد أدى غياب التنسيق على الأرض أحياناً إلى تبديد في الإمكانيات، والحقيقة أنه تم إنفاق ٣ مليون دولار لتدمير عتاد لا قيمة له.

حوالي ٣٠ % من إمكانات القوات الليبية قد تكون تدمرت بفعل ضربات القوى المتحالفة، تبعاً لما يقوله الجنرال بوشار، الضابط الكندي القائد لعمليات الأطلسي. بيد أن العودة إلى التقديرات الخاطئة جداً في حملة الأطلسي الجوية على القوات الصربية في حرب كوسوفو، يجب أن تدفعنا إلى تقدير نسبي أقل.

ويتهم بعض الخبراء العسكريين أن قوات المحالفة استخدمت أسلحة فيها يورانيوم منضب.ومع أن الأطلسي كذب ذلك فإن الخبراء الذين عالجوا صور الضربات الجوية استنتجوا منها أن الأسلحة المستخدمة هي على الأرجح تحتوي على اليورانيوم المنضب. ولو أنه لا يوجد أي إثبات، فالشك وارد، ولابد من تبديده، إلاّ إذا كانت هناك خشية من العدالة الدولية.

يقول الليبيون إن مستشفى في طرابلس أصيب بالقصف، وفي «مزدا» أصاب القصف الجوي الذي استهدف منشآت عسكرية المستشفى ومباني الطاقم الطبي وأربعين منزلاً بقربها، ما أدى إلى الكثير من الجرحى من المدنيين ومن الجسم الطبي، ومنهم أطباء من كوريا الشمالية.

وعلاوة على الصدمة النفسية التي لحقت بعائلات بكاملها فإنها اضطرت إلى ترك منازلها والإقامة تحت الخيم. وسجلت البعثة عدم تفهم سكان الغرب الليبي والجنوب دوافع هذا القصف، وهم لا يتقبلون اعتبارهم مجرمين لمجرد كونهم مواطنين ليبيين. وهم لا يقبلون فكرة أن المحالفة الدولية لا تأخذ بعين الاعتبار غير مصالح سكان شرق ليبيا. وتبعا لشهادات أخرى تم جمعها في مصراتة والزاوية فإن ضربات الأطلسي قد تكون سببت أضراراً كان سكان أجانب ضحيتها. فحوالي المئة من العائلات الجزائرية مفقودة وغيرها اضطرت إلى ترك أماكن إقامتها مخلفة وراءها كل ممتلكاتها، وبعض العائلات ما يزال يبحث عن أقارب مفقودين.بعد بضعة أسابيع من القصف سرعان ما تبينت محدودية ضربات الأطلسي. وفي الحقيقة تمكنت قوات القذافي من التكيف للتخفيف من تأثير العمليات العسكرية. 

دور المخابرات الغربية

يبدو أن العلاقات الوثيقة القائمة منذ التسعينيات من القرن الماضي بين المخابرات المركزية الأميركية «سي أي إيه» والمخابرات البريطانية «إس أي إس» من جهة والمخابرات الليبية من جهة أخرى سمح للوكالة الأميركية والبريطانية بتجنيد العديد من المصادر داخل الجهاز الليبي الذي كان يديره موسى كوسا، الذي يشتبه الكثيرون أنه كان عميلاً مزدوجاً يعمل مع المخابرات البريطانية.

وبينما كانت قوات القذافي في ضواحي بنغازي ومصير التمرد على وشك الانتهاء تقرر في واشنطن، بموافقة سرية بريطانية وفرنسية، بمهاجمة ليبيا وإسقاط نظام القذافي. وبالإضافة إلى الهجمات الجوية التي قررتها الأمم المتحدة فإن المخابرات الغربية عززت حضورها في ليبيا بهدف دعم المتمردين في صراعهم مع النظام. إن اللجوء إلى القوات الخاصة ووحدات العمليات السرية يستهدف الالتفاف على قرار مجلس الأمن الذي يستبعد وجود «قوات احتلال». ومن الجدير بالذكر أن وجود هذه القوات الخاصة بدأ بالسر قبل الشروع بفرض حظر منطقة الطيران، وهذا ما يعتبر بنظر القانون الدولي بكل وضوح أنه تدخل في شؤون الدول الأخرى.

منذ بدء العمليات كانت فرق «سي أي إيه» منتشرة في ليبيا بأمر من رئيس الولايات المتحدة للتواصل مع المنتفضين وتوجيه الضربات الجوية. لقد وقع الرئيس الأميركي مذكرة سرية تسمح بقيادة عملية سرية بغية «المساهمة في الجهد الحربي» في ليبيا. وهذا ما فسح المجال بعودة الكولونيل هافتر (خليفة بلقاسم هافتر، كولونيل في الجيش الليبي تم أسره في تشاد في آذار ١٩٨٧ أثناء استيلاء القوات التشادية على وادي دوم. وخلال اعتقاله تم تجنيده في المخابرات الأميركية. وفي نهاية الثمانينيات التحق هافتر بجبهة خلاص الشعب الليبي التي تأسست عام ١٩٨١ بقيادة محمد المقيرف. وصار هافتر قائد فرعها العسكري وشكل فرقة عمليات عسكرية ضد القذافي على الحدود المصرية، بدعم باريس وواشنطن. وبعد فشله لجأ إلى الولايات المتحدة في مكان على بعد ١٠ كلم من مقر «سي أي إيه» في فيرجينيا. عاد إلى ليبيا في مطلع آذار وكلفه المجلس الانتقالي بمسؤوليات عسكرية هامة.

ثم بناء لطلب واشنطن أرسلت بريطانيا مستشارين عسكريين بجانب المنتفضين لمعاونة عملاء «سي أي إيه» ميدانياً...

وقدمت فرنسا للمعارضة في بنغازي، بغطاء المساعدات الإنسانية، مدافع ١٠٥ ملم وبطاريات مضادة للطيران، وكذلك فعلت إيطاليا... وهذا ما تورطت فيه مصر أيضاً، فتشير بعض المعلومات إلى أن قوات خاصة مصرية من الفرقة ٧٧٧ اجتازت الحدود وقدمت أسلحة وخدمات تكتيكية للمتمردين. 

الإستراتيجيات الدولية

إن التدخل العسكري في ليبيا وكل محاولات الغربيين المتفاوتة الشفافية للتأثير في «الثورات» العربية تشير إلى الطابع الخطير المتعلق بموارد الطاقة، في إفريقيا الشمالية والشرق الأوسط، وأثره في موازين القوى العالمية.

للولايات المتحدة مصلحة حيوية في السيطرة على ليبيا أو جعلها تدور في فلكها. بالطبع ليس في ليبيا غير ٢% من الاحتياط العالمي النفطي، ولكنه الأكبر في القارة الإفريقية، واستخراجه سهل ونوعيته جيدة.

تريد واشنطن معاقبة القذافي لرفضه عام ٢٠٠٨ الانضمام إلى القوات الأميركية «أفريكوم» التي أسسها البنتاغون لمواجهة الإرهاب والدخول الصيني إلى إفريقيا.

الغرض الأساسي للعملية العسكرية على ليبيا، ليس الانتقام ولا النفط فحسب، بل بالأحرى مقاومة التغلغل الصيني في القارة السوداء حيث تحاول بكين الوصول إلى مصادر الطاقة.

لقد نشر صندوق النقد الدولي مؤخراً تقريراً يفيد أن عصر الولايات المتحدة متجهٌ نحو نهايته، وأن الاقتصاد الأميركي سيتجاوزه الاقتصاد الصيني في السنوات الخمس القادمة، وهذا ما تحاول واشنطن مواجهته بالاستناد إلى تفوقها العسكري والإستراتيجي للحد من تطور الاقتصاد الصيني ووصول الصين إلى موارد الطاقة...

تريد واشنطن القضاء على القذافي لأنه يعمل صراحة على أن تتوسع الصين في ليبيا وخارجها. لقد وضعت الصين استثمارات هائلة في الطاقة في منطقة بنغازي. وفي ليبيا حوالي ٣٠ ألف صيني، وبفعل الأحداث من شأن المشاريع الصينية خسارة مئات ملايين الدولارات، ومن شأن استثماراتها القائمة منذ سنوات أن تذهب مهب الريح، ولهذا تعتبر الصين تدخل الأطلسي كعمل عدواني ضدها.

المواقف الأوروبية مرتبطة بمصالحها الاقتصادية أيضاً.. إيطاليا، بحكم تاريخها الاستعماري في ليبيا، وألمانيا هما الأكثر استفادة من النفط الليبي. فرنسا وبريطانيا لم تتمكنا أو لم تحسنا الحصول على عقود كبيرة مع القذافي، ولهذا لم تترددا بالانحياز إلى جانب المعارضة.

لعبت السعودية وقطر دوراً حاسماً منذ بداية الانتفاضة الليبية، من خلال قناتي الجزيرة والعربية العاملتين على تكوين الرأي العام استناداً إلى معلومات خاطئة إن لم تكن مزوة عمداً. إن هذه الرعاية لثورة تقدم نفسها ديمقراطية ومحترمة لحقوق الإنسان من  الملكيات النفطية الرجعية لا يزعج الأنظمة الليبرالية في الغرب، وتذكر بعض المصادر أن قطر والسعودية، بدعم من الإمارات، تشجع قيام «ملكية نفطية سنوسية» في ليبيا الشرقية.

أخيراً، فإن مصر من المهتمين فعلاً. إن أسياد مصر الجدد يلعبون لعبة خطيرة، فتدخلهم في ليبيا، ومجريات أمورهم الداخلية ستكون حاسمة في مستقبل المنطقة.

كما أن لوحة الرهانات هنا لا تكون كاملة إن لم نشر إلى إسرائيل كأول بلد معني بزعزعة استقرار الأنظمة المحلية التي جهدت الدولة العبرية منذ عقود لتقيم معهم توازناً، فحكومة نتنياهو قلقة على الرغم من إعلان بعض أعضاء المجلس الانتقالي استعدادهم للاعتراف بها. 

مستقبل الثورة

من نافل الأمور الكلام على الجوانب المرفوضة في النظام التسلطي الذي فرضه القذافي منذ العام ١٩٦٩ على مواطنيه، فالشواهد على ذلك كثيرة ووسائل الإعلام تطرحها وفق أهوائها فقط. ولكن ذلك لا ينفي أن مجريات الأمور الراهنة تميل إلى حجب جوانب النظام الإيجابية التي لا تصل الحقيقة إليها.

من المشروع بالمطلق التوق إلى المزيد من الحرية والديمقراطية. وعليه فواضعو هذا التقرير مقتنعون بصدق الديمقراطيين الليبيين المعارضين للنظام والراغبين بوضع حد لتسلط معمر القذافي.

بيد أن دراسة الوقائع تؤدي بنا إلى تأكيد أن «الثورة» الليبية ليست لا ديمقراطية ولا عفوية.. فنحن أمام تمرد مسلح منظم في القسم الشرقي من البلاد، بروح ثأرية وانفصالية. وهذه الحركة مدفوعة لحد كبير ومدعومة من الخارج. والدليل على ذلك رؤية هذا الكم من الأعلام الفرنسية والأميركية والقطرية... في شوارع منطقة بنغازي برقة، ما يجعلنا نشك بالطابع «الوطني» لهذه «الثورة».. إنها تمرد قادته يحجبون أنفسهم. فلا شيء فيها على شبه بالثورة الشعبية التونسية والمصرية.

آخر تعديل على الأحد, 09 تشرين1/أكتوير 2016 21:11