المخزونات الاحتياطية للأغذية التي احتفظت بها الحكومات آخذة في النفاد
تسبب تصاعد الأسعار بأزمة غذائية في 36 بلداً، وفق منظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة (الفاو). تعني زيادة الأسعار أنّ برنامج الغذاء العالمي سيقلص حصص منح الغذاء عن حوالي 73 مليون نسمة في 78 بلداً. أي أنّ تهديد انتشار سوء التغذية على نطاق واسع يلوح في الأفق.
بدأ العالم الغني أيضاً يتلمس أثر ذلك. فقد تسبب ارتفاع سعر القمح في ارتفاع كبير بأسعار المعكرونة والخبز في إيطاليا، حيث نظمت جمعيات المستهلكين إضراباً ليوم واحد أدى إلى تخفيض استهلاك المعكرونة بمعدل 5 %. كما ارتفع في اليابان سعر الميسو، وهو مزيج مخمر من الرز والشعير. وأجرت فرنسا وأستراليا تحقيقاتٍ حول ارتفاع أسعار الأغذية وضغطت على منتجيها وعلى مخازن البيع من أجل امتصاص هذا الارتفاع. أما في بريطانيا، فقد ارتفع سعر الخبز بالتوازي مع ارتفاع سعر القمح.
بادرت الحكومات للتفاوض حول ترتيبات مقايضة سرية حين أخذت أسعار السلع الغذائية تحقق قفزات كبيرة. اقتربت ليبيا وأوكرانيا من إبرام صفقة قمح. كما وقعت مصر وسورية اتفاقية لمقايضة الرز بالقمح. أما الفيليبين، فقد أخفقت في إبرام صفقة رز مع فيتنام.
ارتفعت أسعار منتجات الحبوب واللحوم والبيض والألبان في أرجاء العالم كافة. وصرّح جون باول من برنامج الغذاء العالمي بأنّ «أسعار الأغذية ترتفع الآن بمعدلات لم يسبق لنا مصادفتها في حياتنا». ومن المرجح أن تبقى الأسعار مرتفعة لما لا يقل عن عشر سنوات، هذا ما تتوقعه منظمة الأغذية والزراعة.
التجار.. وأسواق الغذاء الدولية
تتغير أنماط التغذية على نحوٍ جذري داخل بلدان مثل الصين والهند والبرازيل وروسيا، حيث زاد النمو الاقتصادي معدل استهلاك اللحوم. فقد ارتفع في الصين بمعدل 150 % منذ العام 1980، وارتفع في الهند 40 % في السنوات الخمس عشرة الأخيرة. كما تضاعف الطلب على اللحوم في جميع البلدان النامية منذ العام 1980.
ولأنّ الماشية والدواجن تتغذى على الذرة، فقد ارتفعت أسعارها ـ يحتاج إنتاج كيلوغرام من لحم البقر إلى ثمانية كيلوغرامات من الحبوب.
كذلك، رفعت سوق الوقود الحيوي المستحدثة أسعار الحبوب. صارت الذرة تستخدم في إنتاج الطاقة وتتوقع الأسواق إنتاجاً متزايداً في العقد التالي. يريد جورج بوش أن يتحرك
15 % من السيارات الأمريكية بالوقود الحيوي بحلول العام 2017، مما يعني مضاعفة إنتاج الذرة ثلاثة أضعاف. كما تسعى أوروبا لإحلال الوقود الحيوي في النقل بمعدل 5.75 % بحلول 2010. نتيجةً لذلك، بدأ سعر الذرة بالارتفاع ليقارب لسعر النفط.
سعر النفط يرتفع بحدة، فقد تجاوز في الأسبوع الماضي 135 دولار للبرميل لأول مرة، وله تأثير آخر. فهو يزيد أسعار الأسمدة الصناعية، وكذلك كلفة تحضير الطعام ونقله.
آثار تغيرات المناخ
أرغمت الفيضانات في وسط الصين هذا العام ملايين الناس على النزوح عن ديارهم ودمرت محاصيل الذرة والرز، وانخفض محصول الحبوب في الصين بمعدل 10 % في السنوات السبع المنصرمة. وفي العام الماضي، واجهت أستراليا أسوأ جفاف تتعرض له منذ أكثر من قرن، مما تسبب في انخفاض محصول القمح بمعدل 60 %. ويتوقع انخفاض محصول القمح في المملكة المتحدة بمعدل 10 % هذا العام بسبب الفيضانات.
سنوياً، تتم في العالم أجمع خسارة مساحة من التربة الخصبة تعادل مساحة أوكرانيا، بسبب الجفاف وتقلب المناخ وقطع الأشجار.
كذلك تأتي زيادة الطلب بسبب ازدياد عدد سكان العالم والذي يتوقع أن يرتفع من 6.2 ملياراً في الوقت الحاضر إلى 9.5 ملياراً بحلول العام 2050. يتوقع البنك الدولي أنّ الطلب العالمي على الغذاء سيتضاعف بحلول العام 2030. لا تقدم السياسة الحكومية أية مساعدة: فالعالم الغني يدعم زراعةً تزيد ثروة مزارعيه بدل إطعام العالم.
قادة العالم الصناعي يعترفون بصورة متزايدة بخطورة ذلك كله .هنالك قلق متزايد بصدد الاندفاع نحو الوقود الحيوي. فقد صرّح كبير علماء بريطانيا الجديد البروفيسور جون بيدنغتون بأنّ قطع الغابات الاستوائية لإنتاج محاصيل الوقود الحيوي كان «غباءً مطلقاً». «من الصعوبة بمكان تصوّر كيف يكون بوسعنا أن نتخيل عالماً يزرع ما يكفي من الأراضي لإنتاج طاقة متجددة، ويتمكن في الوقت نفسه من تلبية الزيادة الهائلة في الطلب على الغذاء».
اقترح رئيس صندوق الأمم المتحدة الدولي لتطوير الزراعة، وجوب ضرورة قيام المعترضين على محاصيل الذرة المعدلة وراثياً بإعادة النظر في أرباح الإنتاجية التي بوسعهم الحصول عليها وفي تغيراتٍ بضخامة «الثورة الخضراء» في الستينات التي يمكن أن تحدثها، حيث قفزت المحاصيل في الهند وبقية الدول النامية بسبب استخدام البذور المحسنة والأسمدة والري المحسن.
خفض هذا التغيير أسعار الأغذية، وحرر الملايين من الجوع. إن لم يستطع قادة العالم القيام بعملٍ مماثلٍ مجدداً، فربما تنتشر اضطرابات الغذاء في طول الكوكب وعرضه.