ثورة الطاقة المتجددة... الفضل للقوى الصاعدة
إعداد: رنا مقداد إعداد: رنا مقداد

ثورة الطاقة المتجددة... الفضل للقوى الصاعدة

هل ينحصر الصراع بين المدافعين عن «الوقود الأحفوري» كمصدر للطاقة، وبين المطالبين بالتحول نحو الطاقة المتجددة، في حدود الحفاظ على البيئة والكوكب من الانبعاثات والنتائج الكارثية التي تتعرض لها الطبيعة جراء الاستخدام المتزايد للوقود الأحفوري؟ وفي دفاعه عن الأخير، هل «يحب» الغرب الوقود الأحفوري، أم أنه يدافع عن نمط اقتصادي محدد؟

إعداد: رنا مقداد

منذ بداية العام 2015، يركز البروفيسور الاسترالي، المحاضر في كلية «ماكوري» في مدينة سيدني، جون ماثيوس، معظم دراساته للبحث في موضوع الطاقة المتجددة، والصراع الدائر حول اعتمادها. في هذه المادة، تعرض «قاسيون» بعض ما توصل إليه صاحب كتاب «تخضير الرأسمالية- 2014»، في عدد من مقالاته المنشورة على موقع «Project Syndicate».

في المراكز العلمية داخل الولايات المتحدة وأوروبا، غالباً ما ينظر إلى فوائد الطاقة المتجددة باعتبارها بيئية بحتة. ذلك أن الطاقة المستمدة من الرياح والشمس من الممكن لها أن تعوض عن الحاجة إلى إحراق الوقود الأحفوري، مما يساعد في تخفيف الآثار المترتبة على تغير المناخ.
في المقابل، غالباً ما ينظر في الصين والهند إلى الطاقة المتجددة بطريقة مختلفة بوضوح. فالدافع إلى التحول، السريع نسبياً، بعيداً عن الوقود الأحفوري في كل من البلدين، ليس المخاوف بشأن تغير المناخ فقط، بل أيضاً الفوائد الاقتصادية التي من شأن مصادر الطاقة المتجددة أن تقدمها.
من المطالبة بالفوائد إلى البدائل
رغم أن الفوائد الاقتصادية المترتبة على استخدام مصادر الطاقة المتجددة قد تكون جذابة في نظر اقتصادات متقدمة، مثل ألمانيا واليابان (كل من الدولتين تتحرك بسرعة بعيداً عن الوقود الأحفوري)، فإن المزايا بالنسبة لعمالقة الصناعة الناشئة مذهلة. فالمسار الاقتصادي القائم على الوقود الأحفوري  من شأنه أن يؤدي إلى نتائج كارثية بالنسبة للهند والصين، ذلك أن الجهود المبذولة لتأمين القدر الكافي من الطاقة لهذا العدد الضخم من السكان في البلدين قد تسبب في تصعيد التوترات الجيوسياسية. وبعيداً عن زيادة أمن الطاقة، فإن الاقتصاد المعتمد بشكل أقل على الكربون من شأنه أن يعمل على تعزيز التصنيع المحلي، وتحسين نوعية البيئة المحلية، من خلال الحد من الضباب الدخاني في المدن، على سبيل المثال.
من المؤكد أن الوقود الأحفوري أنعم على العالم الغربي بفوائد هائلة، مع تحوله إلى التصنيع على مدى القرنين الماضيين. إذ كان الانتقال إلى اقتصاد يقوم على الكربون سبباً في تحرير الاقتصادات من القيود التي فرضتها نظريات توماس مالتوس القديمة. فبفضل إحراق الوقود الأحفوري، تمكنت مجموعة مختارة من البلدان التي تمثل شريحة صغيرة من سكان العالم، من دخول عصر من النمو الهائل، والذي بشر بإدخال تحسينات هائلة على الإنتاجية، والدخل، والثروة، ومستويات المعيشة، لكن ليس على البيئة..!
على مدار جزء كبير من السنوات العشرين الماضية، قادت الصين والهند حملات للمطالبة بفوائد الوقود الأحفوري لبقية العالم، لكن دون جدوى، ما دفعهما مؤخراً نحو تعديل نهجهما جذرياً. ولأن استخدامهما للوقود الأحفوري يتلامس مع حدود جيوسياسية وبيئية، فقد اضطر البلدان، ومعهما حلفاؤهما، للاستثمار بجدية في البدائل- وأبرزها مصادر الطاقة المتجددة. وفي القيام بهذا، وضع البلدان نفسيهما في طليعة التحول الكوكبي الذي قد يؤدي في غضون عقود قليلة إلى القضاء تماماً على استخدام الوقود الأحفوري.
المستقبل للطاقة المتجددة
الواقع أن الحجج الاقتصادية التي يسوقها البعض ضد مصادر الطاقة المتجددة (إنها قد تكون مكلفة، أو متقطعة، أو غير مركزة بالقدر الكافي) يمكن تفنيدها بسهولة. وبرغم كثرة معارضي الطاقة المتجددة، فإن ما يحفزهم هو اهتمامهم بالحفاظ على الوضع الراهن للوقود الأحفوري والطاقة النووية، أكثر من انشغالهم بأن عنفات الرياح أو مزارع الطاقة الشمسية ربما تفسد المشهد.
على أية حال، من غير المرجح أن ينتصر أولئك الراغبون في وقف توسع الطاقة المتجددة على الحسابات الاقتصادية البسيطة. ذلك أن ثورة الطاقة المتجددة ليست مدفوعة بضريبة مفروضة على الانبعاثات الكربونية أو إعانات الدعم للطاقة النظيفة، بل إنها نتيجة لانخفاض تكلفة التصنيع، والذي من شأنه أن يجعل توليد الطاقة من المياه والرياح والشمس قريباً أكثر فعالية من حيث التكلفة من توليدها عبر إحراق الفحم.
بوسع البلدان أن تشق طريقها نحو أمن الطاقة من خلال الاستثمار في القدرة الصناعية اللازمة لإنتاج عنفات الرياح، والخلايا الشمسية، وغير ذلك من مصادر الطاقة المتجددة واسعة النطاق. ومع إلقاء الصين والهند بثقلهما الاقتصادي وراء الثورة الصناعية في مجال الطاقة المتجددة، فإنهما يطلقان بذلك العنان لسلسلة عالمية من التفاعلات معروفة باسم «السببية الدائرية والتراكمية».
الاستثمار يقلل الكلف
على النقيض من التعدين والحفر والاستخراج، يستفيد المصنعون من منحنيات التعلم التي تجعل الإنتاج متزايد الكفاءة- وأقل تكلفة. ذلك أن الاستثمار في الطاقة المتجددة يدفع تكلفة إنتاجها إلى الانخفاض، ويعمل على توسيع السوق لتبنيها، الأمر الذي يجعل زيادة الاستثمار في هذا المجال أكثر جاذبية.
وفي الفترة من 2009 إلى 2014، دفعت هذه الآليات تكلفة الطاقة الضوئية الشمسية إلى الانخفاض بنحو 80%، وقللت من تكلفة عنفات الرياح المقامة على البر، بما يقارب 60%، حسب مجموعة «لازارد» للطاقة والبنية الأساسية.
في الوقت الحالي، تبدو الآفاق واعدة. فقد لا تكون الجهود المبذولة للحد من انبعاثات ثاني أكسيد الكربون الدافع الرئيسي وراء ثورة الطاقة المتجددة، لكن من المؤكد أن تفشل الجهود الرامية إلى الحد من تأثير تغير المناخ في غياب ثورة الطاقة المتجددة. وإذا كان بوسعنا أن نتجنب أسوأ المخاطر الناجمة عن ارتفاع حرارة الكوكب، فإن الفضل في ذلك يعود إلى الصين والهند وحلفائهما.
الصين: نموذج رائد للطاقة المتجددة
وفقاً للبيانات الصادرة عن مجلس الكهرباء الصيني، تناقصت كمية الطاقة التي ولدتها الصين باستخدام الوقود الأحفوري في عام 2014 بنحو 0.7% مقارنة بالعام السابق، وهو أول انخفاض في الذاكرة الحديثة. ومن ناحية أخرى، تزايد توليد الطاقة باستخدام مصادر غير الوقود الأحفوري بنسبة 19%. ومن اللافت للنظر، أن الطاقة النووية لعبت دوراً صغيراً في هذا التغيير، فقد تزايدت الكهرباء المولدة باستخدام مصادر خضراء فقط (الماء والرياح والطاقة الشمسية) بنسبة 20%، وكان النمو الأكثر إثارة ظاهراً في توليد الطاقة الشمسية، التي ارتفعت بنسبة 175%. كما تجاوزت الطاقة الشمسية الطاقة النووية من حيث الطاقة الجديدة المنتَجة، لكي توفر 17.43 تيراواط/ ساعة إضافية في العام الماضي، مقارنة بنحو 14.7 تيراواط/ ساعة من المصادر النووية..!
وخلال العام الماضي، زادت الصين من قدرتها على توليد الكهرباء من الوقود الأحفوري بنحو 45 غيغاواط، لتصل إلى ما مجموعه 916 غيغاواط. وفي الوقت نفسه، زادت من قدرتها على إنتاج الكهرباء من مصادر الوقود غير الأحفوري بنحو 56 غيغاواط، لكي يصل المجموع إلى 444 غيغاواط. وقد أضافت الرياح والمياه والطاقة الشمسية 51 غيغاواط من قدرة توليد الطاقة.
وأخيراً، بوسعنا أن نرى الاتجاه نحو الطاقة الخضراء في الأنماط الاستثمارية في الصين. والأدلة واضحة: فالأموال التي تستثمرها الصين في الاتجاه نحو المصادر الخضراء للطاقة الكهربائية أكثر من التي تستثمرها في تلك التي تعتمد على الوقود الأحفوري. وما تنفقه الصين على الطاقة الخضراء أكثر مما تنفقه أية دولة أخرى.
إن نظام الطاقة في الصين يظل معتمداً بشدة على الفحم، وسوف يُحرَق من الفحم الكثير إضافة إلى ما أُحرِق بالفعل، قبل أن يكون بوسعنا أن نصف النظام بدقة بأنه أميل إلى الاخضرار من السواد. لكن اتجاه التغيير واضح. ولا بد من الاعتراف به- ووضعه في الاعتبار عندما نناقش الطاقة العالمية وسياسة الطاقة.