عيد الاستقلال والعمال

عيد الاستقلال والعمال

يصادف في الأيام القليلة القادمة من صدور هذا العدد من «قاسيون» الذكرى التاسعة والسبعون لاستقلال سوريا الذي تحقق في أواسط نيسان من عام 1946، حيث تم إجلاء آخر جندي من القوات المستعمرة للبلاد في 17 نيسان. ويُعتبر يوم الاستقلال من أهم الإنجازات الوطنية التي تحققت خلال القرن الماضي في تاريخ بلادنا، منذ معركة ميسلون وانطلاق الثورة السورية الكبرى.

لم تكن الحركة العمالية في سوريا بعيدةً عن مجرى الحركة الوطنية في البلاد، بل كانت جزءاً مهماً من الحركة المناهضة للاستعمار الفرنسي. ومن خلال استخدامها لأدواتها المعروفة والمجربة لدى الحركات العمالية والنقابية في العالم، مثل الاعتصامات والإضرابات والمظاهرات، سعت إلى تحقيق حقوقها المعيشية والمطالبة بأجور عادلة، إضافة إلى حقوقها التشريعية في قانون عمل يضمن جميع حقوقها. وبهذه الطريقة، استطاعت تأسيس تنظيمها النقابي.

وحققت الحركة النقابية العديد من المكاسب في ظل الصراع ضد الاستعمار الفرنسي وخلال النضال من أجل تحسين مستوى معيشة الطبقة العاملة، مثل زيادة الأجور، وتحديد ساعات العمل، وإجازات مدفوعة الأجر، وتأمين العلاج الطبي، وتعويضات مالية مجزية عند نهاية الخدمة، إضافة إلى منع التسريح التعسفي. وهكذا اكتسبت الحركة النقابية وزناً عمالياً وشعبياً خلال كفاحها ضد الاستعمار وفي سبيل تحسين أوضاع العمال وجميع الكادحين.

ولم تكن الحركة النقابية لتحقق هذه المكاسب لو أنها استسلمت لضغوط أرباب العمل أو الأجهزة الحكومية التي فرضها الاستعمار الفرنسي. كما لم تكن لتتمكن من اتخاذ القرارات المتعلقة بشؤونها الداخلية وحقوق ومصالح العمال والفقراء من الكادحين لولا استقلاليتها.

وعلى الرغم من صعوبة الأوضاع المعيشية ومرارة الفقر، وما تعرضت له من قمع وسجون واعتقالات، خاضت الحركة النقابية والطبقة العاملة معارك وطنية وطبقية صعبة إلى جانب القوى الوطنية والتقدمية المناهضة للاستعمار، واكتسبت من خلالها خبرات كبيرة. وأصبحت الحركة النقابية قوةً مهمةً في مواجهة المستعمرين، كما أدرك العمال من خلال تجاربهم أن الرأسمالية هي العدو الأول لمصالحهم، وبالتالي وجب النضال ضد كل من يمثلها، كما اكتشفوا أن الاستغلال لا وطن ولا دين له.

إن التحدي اليوم يوازي تحدي الجلاء، لكن بمستوى أعلى. فالمطلوب من الحركة النقابية والشعب السوري هو الحفاظ على وحدة البلاد وسيادتها، التي تخلت عنها السلطة السابقة، والسعي نحو نظام يحقق أعلى مستوى من العدالة الاجتماعية ومعدلات النمو الاقتصادي. وهذا يتطلب إرادةً وفعلاً حقيقياً من الحركة النقابية والطبقة العاملة، وأن تعود الحركة إلى استقلاليتها التي سُلبت منها منذ سبعينيات القرن الماضي بفعل القمع والاستبداد، وتسلل العناصر الانتهازية المرتبطة بأجهزة السلطة إلى مفاصلها.

وهذا الدور يمكن أن تلعبه الحركة النقابية في هذه الظروف المعقدة، خاصةً بعد سقوط سلطة الاستبداد، حيث يشتد الصراع من أجل حقوق العمال، مثل الأجر المجزي الذي يتناسب مع تكاليف المعيشة، ومنع التسريح التعسفي، وإعادة تشغيل القطاعات الإنتاجية في القطاعين العام والخاص لخلق فرص عمل جديدة والحد من البطالة.

إن الاحتفال الحقيقي بالجلاء يتمثل اليوم في رسم مستقبل جديد لسوريا، لتكون دولةً ديمقراطيةً مدنيةً تقاوم المشاريع الصهيونية.

معلومات إضافية

العدد رقم:
1222